أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٥)

نــــــــــزار حيدر
{قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
إِنَّ واحدةً من أَعظم فلسفات الإِستخلاف الإِلهي هي من أَجلِ إِستكشاف معادن النَّاس المُستخلَفين! ولذلك تتحدَّاهم الآية المباركة بقولِها {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} وفِي آيةٍ أُخرى كذلك {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
بَعضُنَا يتصوَّر أَنَّهُ يكفي أَنَّ المُستخَلف كان مُناضلاً أَو مظلوماً أَو مُضطهداً أَو حتّى مُضحِّياً لنقبل بِه بديلاً عن الطَّاغوت! كما يكفي ذَلِكَ لنقبلَ بكلِّ ما يقولهُ أَو يفعلهُ حتى إِذا أَخطأَ أَو سرقَ أَو فسد أَو فشلَ!.
أَبداً، فالمعيارُ ليس الماضي المأساوي والظُّلامات والقهر الذي عاشهُ المُستخَلف! وإِنَّما المعيارُ {كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخرَ فإِنَّ من الأَخطاء الشَّائعة تصوُّر البعض أَنَّ مُجرَّد إِستخلاف المظلُوم والمُضطهد أَو المُناضل والمجاهد يكفي لنطمئِنَّ على حالِنا ومالِنا وبلدِنا ومستقبلِ أَولادِنا وهذا أَكبر خطأ فالآيةُ تُشيرُ إِلى أَمرٍ في غايةِ الأَهميَّةِ بالكلمةِ {فَيَنظُرَ} والتي تعني الرَّقابة والمُتابعة والتَّدقيق في كلِّ ما يقولهُ ويفعلهُ المُستخَلف! فقد تَكُونُ سيرتهُ أَسوأ من الذي قبلهُ، كما هو حالُ بني إِسْرَائِيلَ الذين استخلفهُم الله تعالى بعدَ فرعونَ!.
إِنَّ اتِّخاذ المظلوميَّة كمقياسٍ للحُكم على المُستخَلف، أَو حالة الجهاد والنِّضال! تقودُ المجتمع إِلى حالةٍ من حالاتِ الترهُّل واللاباليَّة التي يوظِّفها المُستخَلف لاستحمارِ النَّاس وركُوبهُم والتَّجاوز على حقوقهِم! وهذا ما يحصل في العراق منذُ التَّغيير ولحدِّ الآن! فعندما استخلفَ الله تعالى زمرةً من السياسيِّين بعد سقوط نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين قَبِل النَّاسُ منهم بحالةِ النِّضال والجهاد والإِستضعافِ والتضحيةِ التي كان يعيشها هؤلاء في زمنِ الإِستبداد والديكتاتوريَّة! فخلدُوا إِلى السُّبات مكتَفينَ بمظلوميَّتهِم للإِطمئنانِ على البلادِ وخيراتِها ومستقبلِها! فلا أَحد يحاسبهُم ولا أَحد يراقبهُم ليستفيقَ الشَّعبُ بعد فترةٍ ليرى أَنَّهم سرقُوا الجملَ بما حملَ!.
من جانبٍ آخر فإِنَّ بعض المُستخلَفين يملأُون الدُّنيا صُراخاً في زمنِ المظلوميَّة بمشاريعهِم البديلةِ وكونهم سيغيِّرُونَ ويبدِّلَون نحو الأَفضلِ إِذا ما سقطَ الطاغُوت واستُبدلُوا في السُّلطةِ! فمِن أَجلِ أَن يمتحنهُم الله ويكشِف الحقيقة ومدى صدقِ أَو زَيفِ شعاراتهِم وبرامجهِم البديلة يستخلفهُم ليميز الصَّادق من الكاذبِ والطيِّبِ من الخبيثِ!.
ينبغي أَن يكونَ العمل والأَداء والنَّجاح فقط هو المِعيار لتقييم المُستخلَفين بعيداً عن مدى حجم المُعاناة التي عاشوها في زمنِ الطَّاغوت والتَّضحيات التي قدَّموها في زمن المُعارضة! فقد يَكُونُ المُستخلفُ مُكرهاً على التَّضحية والمُعاناة! أَو قد تَكُونُ حالةً عامَّةً وقتها فما هي ميزتهُ عن الآخرينَ إِذن؟!.
لقد رأَينا كيف أَنَّ بعض المُستخلَفين [الحُفاة] تحوَّلُوا إِلى أَثرياء بمجرَّد أَن استخلِفُوا في السُّلطةِ وكأَنَّهم كانُوا ينتظرُونَ الفرصةَ للإِنقضاضِ على البلدِ وخيراتهِ! أَو كأَنَّهم جاؤُا لينتقمُوا لأَنفسهم فيُعوِّضوا عن الزَّمن [الأَغبر] الذي مرَّ!.
هؤلاء المُناضلُون والمُجاهدُون المُزيَّفُون أَثبتُوا بممارساتهِم التَّعيسة أَنَّهم لم يكونُوا صادقينَ في جهادهِم وتحمُّلهِم للمعاناةِ وتضحياتهِم في زمن الطَّاغوت! فالصَّادقُ مع الله ومع ضميرهِ والقِيَم التي يُؤْمِنُ بها لا يبيعها بعناوينَ تافهةٍ مثل [الخدمة الجهاديَّة] وكأَنَّهم كانوا مرتزقةً وليسُوا مجاهدين!.
لقد كتبَ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) إِلى بعضِ عُمَّالهِ كتاباً يصلحُ أَن يكتبهُ الآن لبعضِ مَن استخلفهُم الله تعالى في السُّلطة في بغداد.
يَقُولُ عَلَيْهِ السَّلام؛
وَكَأَّنكَ لَمْ تَكُنِ اللهَ تُرِيدُ بِجِهَادِكَ، وَكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ، وَكَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هذِهِ الْأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ، وَتَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الْأُمَّةِ، أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ، وَعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ، وَاخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لِأَرَامِلِهِمْ وَأَيْتَامِهِمُ، اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الْأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ، فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحيِبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ، غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ، كَأَنَّكَ ـ لاَ أَبَا لِغَيْرِكَ ـ حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ مِنْ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، فَسُبْحَانَ اللهِ! أَمَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ؟ أَوَ مَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ! أَيُّهَا الْمَعْدُودُ ـ كَانَ ـ عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الْأَلْبَابَ، كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وَطَعَاماً، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً، وَتَشْرَبُ حَرَاماً، وَتَبْتَاعُ الْإِمَاءَ وَتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ مَالِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ، الَّذِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِمْ هذِهِ الْأَمْوَالَ، وَأَحْرَزَ بِهِمْ هذِهِ الْبِلاَدَ!.
فَاتَّقِ اللهَ، وَارْدُدْ إِلَى هؤُلاَءِ الْقَوْمِ أمَوَالَهُمْ، فإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْكَ لَأُعْذِرَنَّ إِلَى اللهِ فِيكَ (24)، وَلاَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلاَّ دَخَلَ النَّارَ!.
٢٠ مايس [أَيَّار] ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here