الانتخابات العراقية بين المقاطعون والمشاركون

[email protected]

إنتخابات 2018 قسم العراقيين إلى شطرين؛ مقاطعون ومشاركون. نسبة المقاطعون كانت 60‎%‎ بحسب بعض الاحصائات، والحقيقة أنها ربما بلغت 75‎%‎ ، أما المشاركون ووفق إحصاءات رسمية كانت 44‎%‎ ، والحقيقة إنها ربما كانت 20 أو 25% . حجة المقاطعون من المشاركة في الانتخابات هو قناعتهم بوصول العملية السياسية في العراق إلى مرحلة ألا عودة، مرحلة العقم أو الموت السريري، بسبب استشراء الفساد ووصوله إلى مستويات غير طبيعية وكارثية تنذر بتدمير الدولة العراقية، والمتضرر الوحيد من هذا التخريب والانفلات الغير المسبوق، هو الشعب العراقي بكافة أطيافه ومكوناته، ويضاف له سبب آخر للمقاطعة هو غياب الشفافية وشروط نزاهة الانتخابات. هذه الاسباب مجتمعة كانت من قناعات المقاطعون، وجاء على إثرها حراك جماهيري قادة حملة المقاطعة، ومعظم المشاركين في هذه الحملة هم من الناشطون المدنيون وإعلاميون ومثقفون وشرائح مختلفة من الشعب العراقي. أما المشاركون فكانوا بالضد من فكرة المقاطعة، وروجوا للمشاركة، بدافع وطني، وبحملات لا تقل شراسة عن حملات المقاطعون، وحجتهم في المشاركة هي التغيير، واستبدال الرؤوس الفاسدة بأخرين يأخذون بالعراق لبر الامان والإصلاح..

انتهت الانتخابات، وظهرت النتائج بعد مخاض عسير، وسط اتهامات بالتلاعب والتزوير، وكانت النتائج مخيبة للآمال، فاز فيها معظم الكتل والاحزاب التي أحكمت قبضتها على مصير العراق والعراقيين طيلة تلك السنوات العِجَاف، ودون أدنى مسؤولية. دعاة حملة المشاركون وهم الوطنيون بالطبع، كانوا يرجون تغيير الحال وحسن المأل، أصيبوا بإحباط شديد، فمنهم من ألقى بالائمة على المقاطعون، ومنهم من فضل السكوت على ماأقترفه بحق نفسه واصبعه، وهذه الخيبة والإحباط أصابت فئة المشاركون أكثر من فئة المقاطعون، فالمقاطعون لم يتفاجئوا مطلقاً بالنتائج، ليقينهم المسبق بما ستؤول إليه نتائج هذه الانتخابات..

هذه الانتخابات من أكثر الانتخابات التي أصابها اللغط والاتهامات رغم قيام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالتعاقد مع شركة كورية جنوبية على شراء 59800 جهاز فرز الكتروني بقيمة 100 مليون دولار، لتحويل عملية العد و الفرز من النظام اليدوي إلى النظام الإلكتروني. وهذه أحدى الحيل التي أنخدع بها دعاة المشاركة في هذه الانتخابات على أنها سوف تكون شفافة ونزيهة ومحكمة بنظام إلكتروني حديث تعبر عن إرادة ورغبة الناخبين، لكن الحقيقة تجلت وعلى لسان الدكتور سعيد كاكائي عضو لجنة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات‬، في حديث له في برنامج بالحرف الواحد بأن هناك عدم تطابق كبير في البيانات الواردة من فلاش الميموري للمحطات وسيرفر المفوضية العام حيث شمل هذا الخرق ست محافظات عراقيّة‬، وهي، الانبار، الموصل، أربيل، السليمانية، دهوك، وكركوك، وأضاف بأن هناك خلل إداري في إدارة هذه الانتخابات، وخلل فني في التعامل مع المعلومات، وخلل أستراتيجي في رسم سياسة المفوضية على ضوء القوانين. وهذه سابقة خطيرة وكارثة بحق أصوات الناخبين المشاركين وبحق كل الشعب ألعراقي، عدا عما تم تسريبه من فيديوات لبعض الخروقات في بعض المراكز الانتخابية، وكذلك شكاوى وطعون قدمتها بعض القوائم والكتل في نتائج هذه الانتخابات ودعواتهم لإلغاء نتائج الانتخابات وإعادة إجرائها، لفوز بعض القوائم والتي لا تتواءم مع أدائها في الساحة العراقية وقاعدتها الجماهيرية.

إذاً مشاركة المشاركون أضفت الشرعية لهذه العملية التي أصبحت نقمة على العراقيين والتي تعاد كل أربعة سنوات، لأنها كالكابوس الجاثم على الصدور، ويراد الخلاص منه بشتى الطرق ومن الكروش التي تكبر بعد كل دورة إنتخابية وعلى حساب الشعب ألعراقي، وهذه المشاركة والحملة الكبيرة الداعمة لها من قبل جمهور المشاركون لم تجلب سوى بضع شخصيّات والتي سوف تظهر في المشهد السياسي الجديد، أما حلم التغيير الذي يحلم به المشاركون من خلال هذه الشخصيات فهو شبه مستحيل، لأنه غير مدعوم من الكتل الكبيرة المسيطرة على قبة البرلمان وقراراتها الحاسمة، وهي غير مدعومة أيضاً من الدول المجاورة والقوى الكبرى، لذا فدورها سوف يكون ضعيفاً جداً، يمكن وصفها كسمكة صغيرة تحاول منع حيتان كبيرة من بلع فريستها، وهي العراق.!!

وفي موضوع المشاركون أيضاً ليس كل المشاركين ينشدون الخلاص والتغيير، فالبعض منهم لا يخرجون عن طاعة وولاء هذه الكتل والاحزاب مهما كانت النتائج والعواقب للعراق وشعبه، فهم محكومون بأجندات طائفية وأجندات خارجية جرت على العراق الكثير من الويلات، وهؤلاء جزء من هذه الماكنة التخريبية المروعة، وإختلاط الوطنيين بهؤلاء شابه الكثير من التساؤلات.!!

وللعودة أيضاً لموضوع المقاطعون، فإن ردة فعل الجماهير لهذا الحراك كانت في محلها عندما قاطعوا الانتخابات، وحجتهم كَانت أنه لن يحصل التغيير وتبقى هذه الوجوه، ويبقى وضع العراق على ماهو عليه في السنوات المقبلة ولغاية عام 2022.. رغم أن التفائل مطلوب إلا أن الوقائع وخبرة 15 سنة الماضية وعلى الارض تثبت عكس ذلك، إلا إذا ثبت العكس..
و هذه الجماهير التي اتخذت قرار المقاطعة ربما تأخذ مبادرات أخرى أكثر صرامة، إما بثورة عارمة ضد الفساد وأهله وكنس كل هؤلاء، أو تأخذ بأضعف الآيمان وهو مقاطعة كاملة في الدورة المقبلة أيضاً، وربما تنضم إليهم الجماهير المخلصة والتي شاركت في هذه الدورة بوطنية وحسن نية..

الكاتب
ماجد السوره ميري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here