هل تريد إسرائيل السلام حقاً، أم تسعى للصراع والنزاع والتوسع؟

كاظم حبيب
من يلقي نظرة على سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ولاسيما حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة الراهنة، &يدرك دون أدنى شك بأن سياسة خوض الصراع وإشاعة النزاع وتعطيل عملية السلام باجتياح مساحات جديدة من أراضي الدولة الفلسطينية العربية المرتقبة التي تقرر ان تكون بجوار الدولة الإسرائيلية الجديدة، على وفق قرار التقسيم الصادر عن مجلس الأمن الدولي لعام 1947، وبناء المزيد من المستوطنات اليهودية للمهاجرينً الجدد إلى إسرائيل من دول العالم حيثما يوجد يهود ليقيموا مستعمرات يهودية في الأراضي المحتلة من الضفة الغربية والقدس الشرقية، سيدرك بوضوح كبير ودون جهد كبير، بأن حكام إسرائيل بسياساتهم التوسعية  السياسات لا يريدون السلام الدائم والعادل، بل يعملون بإصرار على ابقاء حالة التوتر والصراع من اجل اقتطاع المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967. وتعتمد هذه السياسات التوسعية المصحوبة بنزيف دم فلسطيني مستمر، على تأييد مطلق من جانب الولايات المتحدة الامريكية وفي كل الأوقات، على طريقة “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”، ولاسيما في فترة حكم الرئيس النزق والمتهور دونالد ترامپ، إضافة إلى المواقف التي تتخذها دول الاتحاد الأوروبي المهزوزة، ولكنها في المحصلة النهائية تميل في الغالب الأعم وإلى أبعد الحدود إلى جانب دولة إسرائيل والسكوت على سياساتها أو الهمس بنقد خفيف لا يحقق للفلسطينيين أي نفع فعلي حتى الآن. ويتجلى ذلك في:
أولا: التمرد الفعلي والمتواصل على جميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان بشأن القضية الفلسطينية وإيقاف بناء المستعمرات وبناء الجدار العنصري العازل من جانب حكومات إسرائيل المتعاقبة، دون ان يتمكن مجلس الأمن الدولي اتخاذ وتنفيذ العقوبات الضرورية والمشروعة بحق اسرائيل، إضافة إلى عرقلة الفيتو الأمريكي ضد أي قرار يراد اتخاذه ضد تمردات إسرائيل.
ثانيا: التوسع المستمر على حساب الاراضي الفلسطينية من جانب الدولة المحتلة وبالضد من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي دون توفر أية إمكانية لمواجهة وإيقاف تلك العمليات المحرمة دولياً.
ثالثا: الحصار الاقتصادي المستمر على سكان قطاع غزة واستمرار قتل العشرات من المواطنات والمواطنين، وبضمنهم الأطفال، وجرح المئات حتى وهم يتظاهرون سلميا ويطالبون بحقوقهم المشروعة والعادلة.
رابعا: تنفيذ عقوبات جماعية بحق الشعب الفلسطيني المحرمة دوليا والتي تذكر الرأي العام العالمي بأساليب الاستعمار وقوى الاحتلال القديمة وسياسة الأپارتهايد في جنوب افريقيا.
إن هذه السياسات الإسرائيلية العدوانية والخروقات الرهيبة التي ترتكب يوميا بحق الشعب الفلسطيني ما كان لها أن تحصل لولا هذا التأييد والدعم المطلقين من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب عموما من جهة، وعجز الشعب الفلسطيني بسبب انقساماته ودور حماس التخريبي على مواجهة هذه الأفعال العدوانية من جهة اخرى، إضافة إلى طبيعة النظم العربية وصراعاتها ونزاعاتها العسكرية واضطهادها لشعوبها وخضوعها الفعلي للإرادة والسياسات الأمريكية والغربية في المنطقة، رغم التصريحات والقرارات الجوفاء التي تتخذها القمم العربية الموجهة للاستهلاك المحلي لا غير.
إن هذه السياسات الإسرائيلية والغربية على امتداد سبعين عاما من قبل الدولة الإسرائيلية، تسببت، وما تزال تتسبب، في حصول عدد من العواقب الخطيرة التي يمكنها ان ترسم مستقبل العلاقات بين الشعبين اليهودي والعربي الفلسطيني وعموم الشعوب العربية واتي ستبقى متوترة ومليئة بالمفاجئات في عموم منطقة الشرق الأوسط، نشير إلى بعضها فيما يلي:
1. تفاقم الحقد والكراهية بين اليهود من جهة، والمسلمين والمسيحيين العرب من جهة أخرى، سواء لمن يعيش داخل إسرائيل أم لمن يعيش بالضفة الغربية والقدس وغزة، حيث سيتحول عيش الجوار المشترك إلى جحيم لا يُطاق للطرفين، وهو امر بالغ السوء وعواقبه وخيمة على الجميع.
2. أدت تلك السياسات الى تنامي الاتجاهات الدينية والقومية المتعصبة والشوفينية في الطرف الفلسطيني، والذي نجده على نحو خاص في بروز ونمو سياسات حماس والجهاد الإسلامي وغيرها من التنظيمات الإسلامية السياسية والقومية المتطرفة. ولكنها أدت في الوقت ذاته إلى تفاقم التيارات والقوى والأحزاب اليمينية الإسرائيلية الصهيونية المتطرفة، ولاسيما سكان المستعمرات اليهودية في الأراضي المحتلة من الضفة الغربية والقدس الشرقية، التي تريد التخلص الكلي من الوجود العربي في فلسطين.
3. كما أدت هذه السياسات إلى تفاقم في المد الإسلامي التكفيري والمتطرف بالدول العربية، الذي ويُغذى من قبل القوى الإسلامية السياسية المتطرفة بالدول العربية، ولاسيما السعودية وقطر، إضافة إلى إيران وتركيا، وكذلك “حزب الله” بلبنان وقوى مماثلة بدول أخرى.
4. وقد أدت تلك السياسات إلى تشديد سباق التسلّح بالمنطقة ونسيان عملية التنمية الاقتصادية والبشرية، مما تسببت في نشوء أوضاع سلبية بالدول العربية وفي كل من إيران وتركيا والتي تقود إلى تفاقم المشكلات الداخلية التى تدفع بحكومات هذه البلدان إلى إشاعة الصراعات الخارجية لصرف النظر عن المشكلات الداخلية المستعصية.
5. كما أدت تلك السياسات غير العقلانية وغير الموضوعية وذات الطبيعة العدوانية إلى رفض شديد لتلك السياسات وتفاقم في شعور الكراهية والعداء لدى شعوب الدول العربية ازاء الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية، ولاسيما بريطانيا وفرنسا وألمانيا. 
6. إن هذه الظواهر يمكنها ان تتسبب على المدى القريب والمتوسط والبعيد إلى حروب إقليمية مدمرة لن يكون فيها طرف رابح بل سيكون الجميع من الخاسرين، ولكن سيكون المتضرر الأكبر على المدى البعيد هو الشعب في إسرائيل.                                                                                                    إن على إسرائيل أن تدرك بأن من مصلحتها على المدى البعيد ان تعتمد في وجودها وتطورها على ما يلي:                          
** القبول بالحل الذي طرحه مؤتمر الرياض والذي يضع مبدأ الأرض مقابل السلام لا مع الشعب العربي الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه فحسب، بل ومع الشعوب العربية والمسلمين في العالم.
** إقامة العلاقات الإنسانية الصداقية والاقتصادية والاجتماعية مع شعوب الدول العربية الجارة بدلا من الاعتماد على الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية الاخرى التي لا يمكنها على المدى البعيد تأمين الأمن والسلام بالمنطقة عموما ولإسرائيل خصوصا، ولا ينفع إسرائيل امتلاكها القنبلة الذرية، اذ يمكن لبعض الدول الاخرى في المنطقة امتلاكها عاجلا أم آجلا.
** ليس هناك من بديل لإسرائيل والدول العربية غير السلام العادل والدائم، والا سيستمر الصراع والنزاع والحروب والموت والدمار والخراب هو البديل الآخر الذي يفترض ان ترفضه شعوب المنطقة كلها، بمن فيها شعب إسرائيل.
21/05/2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here