دولة القرامطة تماهت بالشريعة الاسلامية وطبقت الاشتراكية البدائية وتغزلت بالمجوسية من بعيد ! ح 4

`
(*) د. رضا العطار

يعتبر المؤرخ عبد العزيز الدوري ان ثورة القرامطة التي شملت دولتهم بقاع كبيرة من الأرض العربية ثورة اجتماعية سياسية دينية, كما ان فلسفتها عبارة عن مجموعة افكار زرادشتية معادية متأمرة على الأسلام، جاءت لتحقق مطامح فارسية.
كما يعتقد الأمام ابو حامد الغزالي ان افكار القرامطة هي تطوير للعقائد الفارسية القديمة فهي خليط من المجوسية والألحادية والزرادشتية. و ان اساليبهم في نشر ثورتهم اتسمت بالحيلة والمكر والخداع.

و يقول برنارد لويس ان العامل الأقتصادي هو الذي حدد علاقة المواطن بالسلطة القرمطية فموقف زرادشتي فارسي ثري يختلف كليا عن موقف مسلم عربي فقير.
اما طه حسين فيقول : عندما ظهر القرامطة في الكوفة نشأ عنهم لغط كثير, ففقراء المدينة استجابوا لدعوتهم بينما اغنيائها قاوموهم.

كان تأثر المجتمع القرمطي بالأفكار المجوسية في البحرين واضحا, ولهذا السبب اتهمهم المؤرخون بنكاح المحارم لأن المجتمع الفارسي القديم كان يحلل الزواج بين اعضاء العائلة الواحدة و المعروف ان العقيدة المانوية ساهمت في صقل العقيدة القرمطية فهي خليط من المجوسية والنصرانية والبوذية ومن شرائعهم الصوم يومان في السنة يوم المهرجان و يوم نوروز وهذا دليل قاطع على تأثرهم بتقاليد الفرس.

اما بخصوص فكرة – البعث بعد الموت – فقد كانت هناك ثلاثة فرق لها عقائدها الخاصة بها – الأولى تؤمن بتناسخ الأرواح, اي ان الأنسان بعد موته تحل روحه في كائن اخر, والثانية تقول لا جنة ولانار ولا بعث ولا نشور وان من مات تفسخ جسده وتلاشى و تحولت روحه الى نور, والثالثة لاتؤمن بشي, يدعون بالزنادقة الدهرية ينكرون الرسل والشرائع السماوية ويميلون الى استباحة كل ما يميل اليه غريزة الأنسان.

لم تكن ثورة قرامطة العراق والشام واليمن والبحرين جميعها على نمط واحد فلكل كيان كان له سياسته الخاصة به, فمثلا كان الحسين القرمطي في الشام يسك مقاطعا من الأيات القرأنية على النقود الفلزية المتداولة في دولته وينقشها على الأعلام والرايات. و في الوقت الذي كانت قبلة الصلاة بيت المقدس و الأذان من فوق المئاذن يجري على النحو التالي :
( الله اكبر الله اكبر اشهد ان لا اله الا الله و ان ادم نبي الله و ان نوحا نبي الله و ان ابراهيم نبي الله و ان موسى نبي الله و ان عيسى نبي الله و ان حمدان نبي الله واشهد ان محمدا رسول الله ) .

لم يشهد العالم العربي في عصرهم تدهورا اخلاقيا وانحرافا سلوكيا مثلما حصل في دولة القرامطة في البحرين. فبالنسبة للعراق يخبرنا المؤرخ العربي شوقي ضيف ان عادة اللواط لم تكن معروفة في العراق من قبل لكنها ادخلت اليه اول مرة من قبل جنود الفرس في جيش ابو مسلم الخراساني عندما قدم الى موقع الزاب في شمال العراق عام 132 ه لملاقاة جيش مروان اخر خلفاء بني امية. وعلى اثر ذلك تدنى مستوى الأخلاق و اصبح التغزل بالغلمان في بغداد خاصة زمن الخليفة العباسي الأمين امرا مألوفا. ففي عصره ظهر مصطلح الغلاميات, وهو ما يطلق على الغانية عندما تلبس ثوب الشبان لفتا للرجال, فلا عجب ان لاحظنا في شعر ابي نؤاس في غزل المؤنث ذكر ضمير المذكر.
الحلقة التالية في الاسبوع القادم

* مقتبس من كتاب ثلاثية الحلم القرمطي لمحي الدين اللاذقاني ومن كتاب العصر العباسي الاول لشوقي ضيف القاهرة 1960

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here