باحث أميركي: نتائج الانتخابات البرلمانيّة مفجعة لكنها غير مفاجئة

ترجمة/ حامد أحمد

قد تكون نتائج انتخابات العراق البرلمانية صادمة ولكن لا ينبغي لها ان تكون مفاجئة.
أول نقطة نبدأ منها هي نسبة المشاركة المتدنية. أقل من 45 % من الذين يحق لهم الانتخاب أدلوا بأصواتهم، وهي نسبة تقل عن نسبة المشاركين في انتخابات 2010 و2014 السابقتين التي تراوحت بين 62 و60 بالمئة على التوالي.
هذا شيء مفجع لكنه متوقع على نحو واسع. كل التقارير التي أعدت عن الانتخابات كانت تشير الى أن كثيرا من العراقيين اختاروا عدم التصويت. السبب الذي بينه العراقيون كان مقنعاً جدا، وهو أنهم محبطون من مجموعة القادة السياسيين الذين يحكمونهم وتميزوا بفشلهم المتواصل في تحسين ظروفهم المعيشية البائسة ويحاولون جهد إمكانهم عدم إتاحة الفرصة لوجوه وأصوات جديدة لتحل محلهم.
صحفيون كثر حذروا من ان نسبة المشاركة ستكون ضئيلة لأن كثيرا من العراقيين قرروا عدم التصويت نهائيا.
منذ عدة سنوات كان العراقيون يخبرون أي أحد يصغي لهم بأنهم قد خدعوا من قبل قياداتهم بسبب فسادها وكسلها وعدم مبالاتها بمآسيهم. لقد احتجوا في الشوارع وشنوا حملات على مواقع التواصل الاجتماعي وأطلقوا شعارات من على أسطح البنايات وأفصحوا بذلك لكل الغرباء.
السبب في أن قائمة سائرون التي يقودها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، قد حصلت على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد هو انه خلال السنوات الاخيرة بالذات قد بنى لنفسه مكانة على انه شخصية عراقية وطنية مدافعة عن مصالح عامة أبناء العراق.
كان الصدر دائما يشجع أتباعه على الخروج بتظاهرات عامة ضخمة للمطالبة بوضع نهاية للفساد وبتنصيب إدارة أكثر استجابة لمطالب الناس وتقديم خدمات حكومية أكثر. كل هذه الامور جعلت من الصدر الصوت الاكثر موثوقية بين عامة العراقيين وخصوصا أتباعه من عامة أبناء الشيعة، وأن موقفه الثابت هذا قد جوزي عليه في هذه الانتخابات، ولكن رغم ذلك فإن عدد المقاعد التي فاز بها لا تمكّنه من تشكيل حكومة ما لم يتحالف مع كتل أخرى.
ما تظهره هذه الانتخابات بالتحديد هو أن أولئك العراقيين الذين ذهبوا الى صناديق الاقتراع لا يمكنهم الاتفاق على شيء مفضل واضح،لأنه لم يكن هناك مرشح يمكن ان يقنع عددا كبيرا من المصوتين، بانه هو او هي، لديه الإصرار والخبرة لحل جميع مشاكل العراق التي لا تحصى ويعيد تشكيل الحكومة بحيث تخدم شعبها وليس لملء جيوب أتباعه السياسيين.
مثل هذا التشويش يولّد حتما تشظيا سياسيا وهو ما أنتجه هذا التصويت بالفعل. وهذا الذي يوضح ان الانتخاب نفسه هو لا شيء سوى تمهيد لإجراء سياسي حقيقي. التصويت هو مجرد نزوة، وأن المنهج الرئيس للمظهر السياسي العراقي هو دائما يتمثل بعملية تشكيل الحكومة التي تعقب الانتخاب.
لسوء الحظ، فإن تشكيل الحكومة بسبب العيوب الكثيرة للمنظومة السياسية العراقية، يمكن أن يستغرق عدة أشهر وأن تنتج عنه حصيلة تختلف تماما عن التصويت نفسه. وهذا ما قد تكون عليه الحال هنا بكل بساطة، فمن الممكن لتحالف الصدر، كونه الفائز بالاكثرية، ان يكون جزءا من تحالف الحكومة المستقبلية، رغم انه حتى هذا غير مضمون. طالما ان عدد المقاعد التي فاز الصدر بها قليل نسبيا فإن قدرته على تحديد شكل الائتلاف الحكومي القادم ستكون محدودة جدا.
من المتوقع أن يحاول السياسيون العراقيون في الاسابيع وربما الاشهر القادمة تجربة أي ائتلاف حكومي ممكن، ويرفضون تحالفاً آخر، ثم يرجعون اليه جميعا مرة اخرى. أي ائتلاف يظهر في النهاية على انه التشكيلة الرابحة قد يكون ضمن حدس أي شخص.
قد ينتهي الحال بقائمة سائرون الى اختيار رئيس الوزراء والاستحواذ على مناصب حكومية رئيسة أخرى، أو أنها قد تتعرض للتحجيم بشكل كامل. بإمكان رئيس الوزراء حيدر العبادي استرجاع منصبه بسهوله كونه مرشحا توافقيا معقولا.
الإيرانيون قد يعصرون الاحزاب الشيعية المختلفة حتى تتفق في النهاية على مرشح تفضله طهران، مهما يكن هذا المرشح، كما فعلوا في نهاية مطاف انتخابات عام 2010. أو أن السياسيين العراقيين قد يفشلون بالاتفاق على مرشح، وبعد أشهر وأشهر كثيرة من الازمات ينتهون باختيار مرشح غير معروف تماما لشغل المنصب، وهو ما حصل في عام 2005 في جلب نوري المالكي للمنصب.
بعد مرور سنة أو سنتين أو ثلاث عندما تبقى الحكومة على حالها اليوم من الفساد والعجز والهيمنة من قبل إيران، ماذا سيفعل الشعب العراقي في حينها؟ هل سيقتحمون الحواجز للمطالبة بتغيير القيادة او الحكومة؟ هل سيرضخون لقدرهم ويقبلون بقسمتهم المزرية،أم أنهم سيتخلون عن الامور السياسية برمتها ويتركون الميدان مفتوحا بأكمله لأسوأ قادة العراق للانتفاع بالرشى والعنف والاستحواذ على مايريدون،أم أنهم سيلجأون الى طريق ثالث آخر غير معروف حتى الآن؟
بسبب تضحياتهم المزمنة وإيمانهم الراسخ بالديمقراطية ورغبتهم بالتحمل على أمل أن تتحسن الاشياء في يوم ما، فإن العراقيين يستحقون أفضل مما قد يحصلون عليه من هذه الانتخابات والنقاشات السياسية التي ستعقبها، لسوء الحظ، يبدو أنهم من غير المحتمل أن يحصلوا على ما يستحقونه.

* للباحث، كينيث بولاك،
عن: موقع AEI الأميركي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here