كل الطرق تؤدي إلى دار مقتدى الصدر

في 12 أيار، أدلى رجل في الخامسة والأربعين من العمر، يعتمر عمامة ويرتدي عباءة، بصوته لانتخابات مجلس النواب العراقي، في مدرسة ابتدائية بواحد من أحياء مدينة النجف المقدسة، إنه الزعيم السياسي والروحي للتيار الصدري، مقتدى الصدر.

هذا الرجل الذي توجه إلى مركز الاقتراع مشياً بدون حماية ولا سيارات مصفحة مضادة للرصاص، فاز في الانتخابات، وبات اليوم ينافس جميع الزعماء العراقيين الذين أدلوا بأصواتهم في مراكز اقتراع مخصصة للشخصيات الهامة جداً (VIP) في فنادق ذات خمس نجوم. هذا المشهد زاد من حماسة مؤيدي وأنصار الصدر للتوجه إلى صناديق الاقتراع والتصويت لصالح تحالف “سائرون” الذي يضم مزيجاً من الشيعة والشيوعيين والليبراليين.

كان أغلب استطلاعات الرأي قبل الانتخابات يؤكد على أن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، سيكون الأول بلا منافس في هذه الانتخابات، حتى أن وكالة معروفة وموثوقة كرويترز أعلنت قبل الانتخابات بيومين أن قائمة العبادي ستكون الفائز الأول في الانتخابات، لكن مع ظهور النتائج الأولية، كانت النتائج مخالفة للتوقعات وتبين أن قائمة الصدر هي الأولى بحصولها على 54 مقعداً، وأن قائمة العبادي تأتي في المرتبة الثالثة بعد قائمة هادي العامري التي احتلت المرتبة الثانية.

كان أغلب مراقبي الانتخابات العراقية يتوقعون أن تأتي قائمة “سائرون” في المرتبة الثالثة أو الرابعة، لكن الإقبال الضعيف على التصويت من جانب المواطنين خفض من عدد الأصوات المطلوب للحصول على مقعد، وهكذا صار ربيع الصدريين ربيعين، وفي أول رد فعل له، عبر مقتدى الصدر عن شكره للذين قاطعوا الانتخابات ولم يذهبوا للتصويت لصالح “الفاسدين” مرة أخرى.

شارك الصدريون في انتخابات العام 2014 بثلاث قوائم، لكنهم هذه المرة تحالفوا مع الحزب الشيوعي العراقي والليبراليين والمدنيين، وقد خسر الصدريون بعضاً من أصواتهم، لكن فتوى المرجع الشيعي الأعلى، آية الله علي السيستاني، القاضية بأن الانتخاب “حق” مهدت السبيل أمام الصدر لتشجيع جماهيره على التوجه إلى الانتخابات كواجب شرعي يتيح الإطاحة بالفاسدين، وهكذا امتلأت صناديق الاقتراع بأصوات الصدريين.

وعن فوز الصدر في انتخابات 12 أيار، قال المفكر العراقي غالب الشهبندر “بيت الصدر هو بيت الفقراء والمضطهدين، ويتمتع السيد مقتدى الصدر بقاعدة جماهيرية راسخة وشعبية، صحيح أنه لا يرأس حزباً أو تنظيماً ما، لكنه متواجد دائماً بين الناس وهو صادق فيشعاراته التي يرفعها”.

ويرى الشهبندر أن نقطة أخرى ساهمت في حصول سائرون على أصوات، وهي “فشل الأحزاب الشيعية الأخرى، الذي جعل الناس يشعرون باليأس من التغيير والانتخابات، لكن مشاركة أنصار السيد مقتدى بهذه الكثافة رفعت عدد مقاعدهم”.

ويعتقد عضو مجلس النواب العراقي، مسعود حيدر، أن جماهير الصدر غيرت المعادلة السياسية العراقية، وبهذا الصدد قال “للصدر ناخبوه الثابتون، وقد كان هناك تحشيد كبير من جانبه ليتوجه جميع أنصاره إلى التصويت، وأنصار الصدر ملتزمون بتوجيهاته، فهو يحتفظ دائماً بحوالى مليون من الأنصار والناخبين، كما أنه طلب من أنصاره عدم التصويت للصدريين الذين ترشحوا ضمن قوائم أخرى”.

ولد مقتدى محمد محمد صادق الصدر في 12 آب من العام 1973 في مدينة الكوفة لعائلة دينية شيعية معروفة. وهو الولد الرابع للعائلة، ودرس العلوم الدينية عند والده. وهو متزوج من “أسماء” ابنة عمه “محمد باقر الصدر”، وتقول وسائل الإعلام العراقية أن مقتدى الصدر لا أولاد له، ولهذا عمد إلى تقديم ابن أخيه، أحمد الصدر، وأناط به دوراً كبيراً في المجال السياسي.

كان والد مقتدى الصدر من رجال الدين الشيعة البارزين، وقتل في العام 1999 في حادث مع اثنين من أبنائه، ما دفع مقتدى الصدر إلى الرحيل عن العراق قاصداً مدينة قم الإيرانية، حيث واصل دراسته الدينية في الحوزة العلمية هناك.

وكان عمه، محمد باقر الصدر، الذي أعدم من قبل النظام البعثي في العام 1980، من الشخصيات الشيعية البارزة. بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، عاد الصدر إلى العراق، وكان حينها في الثلاثين من العمر، واستقبل من قبل الآلاف من أنصاره بحفاوة بالغة.

فور عودته من إيران، أعلن الصدر رفضه لتواجد “جيش الأجنبي” على أرض العراق، ولهذا الغرض شكل “جيش المهدي” و”اليوم الموعود” لضرب القوات الأمريكية في العراق، ونفذ جيش المهدي أولى عملياته ضد الجيش الأمريكي في شهر آب من العام 2004، في مدينة النجف، ويقول مسؤولون في الجيش الأمريكي أنهم قتلوا خلال تواجدهم في العراق أكثر من ألف من مسلحي جيش المهدي.

عند احتدام القتال بين الجيش الأمريكي وأنصار الصدر، غاب مقتدى الصدر عن الأنظار مدة أربع سنوات، ليعود بعدها إلى حي “حنانة” في مدينة النجف وحينها عرف بأنه أمضى تلك السنوات في مدينة قم الإيرانية.

وقد أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، أن “الصدر عدو لأمريكا وعميل لإيران”، لكن المراقبين السياسيين يستبعدون أن يكون الصدر تابعاً لإيران.

ويعتقد غالب الشهبندر أن الصدر عراقي أصيل ومخلص لوطنه وليس مرتبطاً بأية دولة: “الذي يميز السيد مقتدى الصدر عن غيره هو العراقية والعروبة، فليس تابعاً لأية دولة، ومن خلال تحالفه مع الشيوعيين تبين أنه رجل منفتح وإصلاحي، إنه يحارب الفساد فعلاً”.

التقى الصحفي رحمان غريب، الذي ينحدر من عائلة شيوعية معروفة في السليمانية، مقتدى الصدر عن قرب، ويقول عنه: “إلتقيته عن قرب وتحدثت إليه، إنه جاد في محاربة الفساد، وهو رجل صريح وصادق”، ويضيف أن “أفكاره الخاصة بتحقيق العدالة الاجتماعية قريبة من تلك التي يتبناها الشيوعيون”.

حل مقتدى الصدر “جيش المهدي” في العام 2008، وهو متهم بالضلوع في قتل عبدالمجيد الخوئي في نيسان من العام 2003، وقد كان لأنصار الصدر يد في الهجوم على محلات بيع الخمور وقتل المثليين في العراق، إلى أن طلب الصدر في آب من العام 2016 من أنصاره التوقف عن تلك التصرفات.

رغم تورط الصدر في الحرب الطائفية ضد السنة ومعارضته للفدرالية، لكنه بعد حل جيش المهدي، بات موضع ثقة الكورد والسنة، بحيث أنه خلال الحرب على داعش، طالبت العشائر السنية بأن تذهب سرايا السلام التابعة للتيار الصدري إلى مناطقهم، حيث تتمتع سرايا السلام بالسمعة الحسنة من بين جميع فصائل الحشد الشعبي.

وفي حوار صحفي، قال رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، مسعود البارزاني، عن شخصية مقتدى الصدر: “إنه رجل يلتزم بكلمته”، وكان الصدر الشخصية الأخيرة من بين الشخصيات العراقية التي رفضت الاستفتاء على استقلال إقليم كوردستان، ولكنه في نفس الوقت عارض استخدام القوة ضد إقليم كوردستان.

ينتقد الصدر رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، كثيراً ويرى أن ثماني سنوات من حكمه جلبت على العراق مصائب كبرى، ولهذا يقول عن الفرق بين المالكي والعبادي: “إنه كالفرق بين الثرى والثريا”.

وفي فترة العمل على سحب الثقة من نوري المالكي، وصل مقتدى الصدر في 24 نيسان 2012 بطائرة خاصة من إيران إلى أربيل، تلبية لدعوة من مسعود البارزاني، ورافقه في رحلته تلك رئيس وزراء إقليم كوردستان، نيجيرفان البارزاني، وكانت تلك الزيارة الأولى لمقتدى الصدر إلى إقليم كوردستان.

يعارض الصدر تشكيل حكومة حزبية ويدعم حكومة تكنوقراط، ومن بين شروطه لرئيس الوزراء القادم أن لا يكون حزبياً، في إشارة إلى أن العبادي لو أراد ولاية ثانية فعليه أن يغادر صفوف حزب الدعوة، ويقول الصدر: “يرغب العبادي في الخروج من الحزب لكنه لا يستطيع ذلك”.

وقد بلغ الصدر في معاداته للفساد مبلغاً أنه عندما اتهم مسؤول كبير في تياره بالفساد، قام بنفسه بتسليمه لشرطة النجف، وطرد عدداً من كبار مسؤولي تياره بسبب الفساد، وكان يشرف بنفسه وبصورة مباشرة على مظاهرات واعتصامات ساحة التحرير في بغداد ضد الفساد، والتي اقتحم حينها أنصاره المنطقة الخضراء وسيطروا على مبنى مجلس النواب العراقي موقتاً.

وبعد أن حصل الصدر، بعد الحرب على داعش، على تعهد من العبادي بمحاربة الفساد لملم خيمته في ساحة التحرير وعاد إلى النجف، وكان العداء للفساد هو السبب في حصول تحالف سائرون على أكثر من مليون ونصف المليون من الأصوات.

خلال العام الماضي، زار الصدر كلاً من السعودية والإمارات، الخصمين اللدودين لإيران، وعلى حد قوله فإن تلك الزيارات أثارت انزعاج الإيرانيين، وخاصة المسؤولين الإيرانيين الذين لا يعرفونه، ويقول غالب الشهبندر: “يعتقد الصدر بأنه لا ينبغي أن يكون العراق ضحية للصراع بين إيران وأمريكا والسعودية، وأن مصلحة العراق العليا هي فوق كل المصالح”، وعن موقع الصدر في الصراعات الإقليمية، يقول رحمان غريب: “يرى الصدر أن القرار العراقي يجب أن يصدر من بغداد لا من عواصم أخرى”.

بعد إعلان نتائج انتخابات 12 أيار، أصبح بيت الصدر قبلة الجميع، حتى أن سفراء الدول المجاورة للعراق، ومن بينهم السعودية وتركيا والكويت وسوريا كانوا معاً ضيوفاً على داره.

باتت الطرق كلها الآن تؤدي إلى دار مقتدى الصدر، ويتواجد كل من قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وممثل الرئيس الأمريكي، بريت ماكغورك، الآن في العراق لتحديد رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

ويقول مسعود حيدر: “يدرك الصدريون جيداً أن من الصعب أن يكون منصب رئيس الوزراء من نصيبهم، لأن إيران وأمريكا لا يدعمان ذلك، وذلك بسبب النهج الثوري الذي يعرف به الصدريون، لذا فإن مقتدى الصدر مهتم جداً ببرنامج عمل الحكومة والوزراء، وعندها سيخضع رئيس الوزراء لسيطرته”.

وكان مقتدى الصدر قد أعلن في وقت سابق، أن مرشحهم لمنصب رئيس الوزراء القادم سيكون محافظ ميسان، علي دواي، وعلي دواي لازم الفرطوسي الذي يذهب إلى مبنى المحافظة في كثير من الأحيان مرتدياً بدلة عمل زرقاء، وصفته جريدة لوس أنجلس تايمز الأمريكية في العام 2012 بأنشط شخصية حكومية محلية على مستوى الشرق الأوسط وفي مجال العمل وتقديم الخدمات.

وعن رئيس الوزراء العراقي القادم، يقول مسعود حيدر: “في النهاية، سيخرج رئيس الوزراء العراقي القادم من رحم الائتلاف الذي تدعمه أمريكا وتقبل به إيران، وإذا لم تتمكن إيران من تحديد رئيس الوزراء فإنها ستشكل كتلة برلمانية قوية، وسنشهد برلماناً نشطاً في الدورة القادمة”.

من خلال أجوبته على أسئلة أنصاره، يتطرق مقتدى الصدر إلى الحديث عن مختلف جوانب الحياة، ويحب متابعة مباريات كرة القدم، كما يحب قراءة الأدب، وينظم مظاهرات مليونية لكنه ينبذ الصخب والهتافات وخاصة عندما يلقي خطبه في أنصاره. يتحدث الصدر بلهجة عراقية بسيطة وفي أغلب الأحيان يخاطب المتحدث إليه بكلمة “حبيبي”، وكشف غالب الشهبندر أن “الصدر يحب قراءة الأدب الغربي المترجم إلى العربية”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here