أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٩)

نــــــــــزار حيدر
{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}.
بالتَّواضعِ يكسبُ المرءُ قلوبَ النِّاسِ خاصَّةً إِذا كانَ مملوءً إِيماناً وعِلماً وعملاً صالحاً.
ويُخطئُ من يتصوَّر أَنَّ بإِمكانهِ أَن يكسبَ قلوبَ النَّاس ومحبَّتهم بالعلمِ والثَّروةِ والمكانةِ الاجتماعيَّةِ إِذا اقترنت بالتكبُّر والنَّظر إِلى الآخرين بحقارةٍ ودونيَّةٍ!.
فهذا واحدٌ عبسَ بوجهِ الأَعمى لفقرهِ وغِناهُ فوبَّخهُ الله تعالى في آياتهِ {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ* أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ}.
كما يخطئُ من يتصوَّر أَنَّ ما يكسبهُ من مالٍ ومكانةٍ وجاهٍ إِنَّما حصلَ عليها بقُدراتهِ الذاتيَّة الخارِقة التي خطَّط لها وهيَّأَ لها أَسباب النَّجاح ناسياً أَو مُتناسياً أَنَّ إِشارةً واحدةً من الله تعالى تكفي لتنقلِبَ الأُمور عالِيَها سافِلها، كما حصلَ لذلكَ الذي تفاخرَ ببُستانهِ الذي ظنَّ أَنَّهُ بناهُ بنفسهِ فما الدَّاعي أَن يشكُرَ الله تعالى على ما أَنعمَ عَلَيْهِ؟!.
تقولُ القصَّةُ؛
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا* وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا* قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا* لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا* وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا* فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا* أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا* وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا* وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا* هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا.
إِنَّ كلَّ ما عندنا هو تخويلٌ من الله تعالى فلماذا كلَّ هذا التكبُّر؟! {فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وقولهُ تعالى {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}.
ويتساءلُ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) مستغرباً ذلك بقولهِ {آعْجَبُوا لِهَذَا الْإِنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْمٍ وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ وَيَسْمَعُ بِعَظْمٍ وَيَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْمٍ} ثم يتكبَّر ويتمرَّد ويَظلم ويعتدي ويتحدَّى ربَّ العزَّةِ القويِّ المُتَعال!.
إِنَّ التَّواضع هو سرُّ النَّجاح الحقيقي، فبهِ يكسبُ المرءُ قلوبَ النَّاسِ وبالتَّالي يمكنهُ التَّأثيرُ بها! ولذلكَ حضَّ عَلَيْهِ القرآن الكريم رسول الله (ص) بقولهِ تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
فاذا كانَ رَسُولُ الله (ص) المُسدَّد بالوحي بحاجةٍ الى التَّواضع والِّلين ورقَّة القلب في تعاملهِ مع النَّاس لينجحَ في تبليغِ رسالتهِ فما بالكَ بِنَا؟!.
لا يُعقلُ أَن نحقِّق نجاحاً ما ومن أَيِّ نوعٍ كانَ مِن دونِ التَّواضع واحترام الآخرين ومُداراة النَّاس التي قرنها الله تعالى بتبليغِ الرِّسالةِ! ففي الحديثِ {أُمِرتُ بِمُداراةِ النَّاسَ كَمَا أُمِرتُ بِتبليغِ الرِّسالةِ}.
ولقد وصفَ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) المتَّقين بقولهِ {فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ وَمَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ}.
كما حذَّر (ع) من طاعةِ المتكبِّرينَ بقولهِ {أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وَكُبَرَائِكُمْ الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وَتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ وَأَلْقَوُا الْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ وَجَاحَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ مُكَابَرَةً لِقَضَائِهِ وَمُغَالَبَةً لِآلَائِهِ فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ الْعَصَبِيَّةِ وَدَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ وَسُيُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً وَلَا لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّاداً وَلَا تُطِيعُوا الْأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ وَخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ وَأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ وَهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ وَأَحْلَاسُ الْعُقُوقِ اتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلَالٍ وَجُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ وَتَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ اسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ وَدُخُولًا فِي عُيُونِكُمْ وَنَفْثاً فِي أَسْمَاعِكُمْ فَجَعَلَكُمْ مَرْمَى نَبْلِهِ وَمَوْطِئَ قَدَمِهِ وَمَأْخَذَ يَدِهِ}.
لماذا يا أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع)؟! يجيبُ بالقَولِ {فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ الْأُمَمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَصَوْلَاتِهِ وَوَقَائِعِهِ وَمَثُلَاتِهِ وَاتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ وَمَصَارِعِ جُنُوبِهِمْ وَاسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ لَوَاقِحِ الْكِبْرِ كَمَا تَسْتَعِيذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ فَلَوْ رَخَّصَ اللَّهُ فِي الْكِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ التَّكَابُرَ وَرَضِيَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ وَعَفَّرُوا فِي التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَكَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِينَ قَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ وَابْتَلَاهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وَامْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَمَخَضَهُمْ بِالْمَكَارِهِ فَلَا تَعْتَبِرُوا الرِّضَى وَالسُّخْطَ بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ جَهْلًا بِمَوَاقِعِ الْفِتْنَةِ وَالِاخْتِبَارِ فِي مَوْضِعِ الْغِنَى وَالِاقْتِدَارِ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ} فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ}.
٢٤ مايس [أَيَّار] ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here