الأحزاب السنيّة.. الخاسر الأكبر في الانتخابات العراقية

مصطفى حبيب

بينما تعيش الأحزاب الشيعية والكردية نشوة انتصارها في الانتخابات وتنشغل وفودها في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، تعيش الأحزاب السنية على وقع الصدمة من نتائج الانتخابات وخسارتها عشرات المقاعد.

أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية العراقية التي أعلنت الأسبوع الماضي تطوّرا خطيرا على مستوى تمثيل الطائفة السنية في البلاد، فالأحزاب التي تمثل محافظات الموصل والأنبار وصلاح الدين والبلدات السنية في بغداد وبابل خسرت عشرات المقاعد لصالح أحزاب شيعية وكردية في مؤشر الى تزايد محنة المكون السني سياسيا واجتماعيا فضلا عن الدمار الذي طال مدنهم خلال العمليات العسكرية ضد تنظيم “داعش”.

تحالف “القرار العراقي” و”الانبار هويتنا” و”نينوى هويتنا” و”الوطنية” و”صلاح الدين هويتنا” و”عابرون” هي القوى السنية التي شاركت في الانتخابات التي جرت في 12 ايار (مايو) الحالي، وحصلت جميعها على (47) مقعدا في البرلمان الجديد بعد ان كانت عدد مقاعدها (64) مقعدا في الانتخابات السابقة عام 2014.

ولم تنجح تكتيكات الأحزاب السنية في خوض الانتخابات من إقناع السكان السنة في الحصول على أصواتهم، وعلى رغم انضمام “الحزب الإسلامي” بزعامة رئيس البرلمان سليم الجبوري و”جبهة الحوار الوطني” بزعامة صالح المطلك الى حركة “الوفاق الوطني” التي ترفع شعار العلمانية والمدنية بزعامة اياد علاوي الا انها تكبدت خسارة غير متوقعة بنيلها (21) مقعدا، ويبدو ان الخسارة شملت علاوي أيضاً.

وفي مقارنة لحجم القوى السنية، حصل علاوي الأسبوع الماضي على خمسة مقاعد بعد ان كانت (21) مقعدا في انتخابات 2014، بينما حصل صالح المطلك على ثلاثة مقاعد بعد ان كانت عشرة مقاعد، فيما حصل اسامة النجيفي على (14) مقعدا بعد ان كانت (23)، ويبدو ان رئيس البرلمان سليم الجبوري الممثل السني الابرز في العملية السياسية هو الخاسر الأكبر اذ حصل حزبه على سبعة مقاعد وفشل هو في الحصول على مقعد لنفسه.

وعلى ضوء هذه الخسارة لم يكن مفاجئا ان تعلن جميع هذه الأحزاب اعتراضها على نتائج الانتخابات، وطالب نائب رئيس الجمهورية اياد علاوي بالغاء الانتخابات متهما مفوضية الانتخابات بالتزوير، فيما دعا زميله اسامة النجيفي خلال لقائه بالسفير التركي في بغداد الثلاثاء الماضي الى تأجيل انتخابات مجالس المحافظات المقرر تنظيمها نهاية العام الحالي بسبب الخشية من تكرار النتائج نفسها، بينما ايد رئيس البرلمان سليم الجبوري انعقاد جلسة برلمانية طارئة السبت الماضي لمناقشة تهم التزوير في الانتخابات فيما يتم جمع تواقيع نيابية لإلغائها واعادة تنظيمها.

ولكن أين ذهبت المقاعد التي خسرتها الاحزاب السنية برغم ان مقاعد المحافظات لم تتغير؟، ولماذا تزداد ظاهرة انخفاض مقاعد التحالفات السنية على مدى السنوات العشرة الماضية، فالظاهرة تتكرر بعد كل انتخابات؟.

احدى مفاجآت الانتخابات العراقية حصول ائتلاف “النصر” بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي على المرتبة الأولى في مدينة الموصل ونال على سبعة مقاعد مناصفة مع “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني مع تفوق العبادي بفارق عدد الأصوات، فيما حصل تحالف “القرار” بزعامة أسامة النجيفي على ثلاثة مقاعد رغم أن النجيفي يعتبر من سكان المدينة ويعتمد عليها كثيرا في الحصول على مقاعد اكبر.

وحصل تحالف “الفتح” بعضوية فصائل شيعية على ثلاثة مقاعد في المدينة، بينما انتزع تحالف “تمدن” مقعدا واحدا، فالمقاعد التي حصلت عليها هذه القوائم كانت في الاساس مضمونة الى الاحزاب السنية، ولكن تغييرا طرأ على مزاج الناخبين وضغوطا مورست عليهم.

وتقول عضو تحالف “نينوى هويتنا” (السنية) نورة البجاري لـ “نقاش” إن “انتشار تشكيلات عسكرية مختلفة مرتبطة بجهات سياسية من خارج المدينة وضغوط مورست على النازحين وحرمان الاف من المشاركة في الانتخابات بسبب اجراءات المفوضية كانت وراء ما حصل في الانتخابات”.

ويتفق الناشط المدني من الموصل عبد الرحمن الجبوري مع كلام البجاري، ولكنه يضيف سببا اخر، فكما قال لـ”نقاش” ان “سكان المدينة ناقمون على أحزاب المدينة بعد الكوارث التي تعرضوا لها، وسعى جزء كبير من الناخبين الى اختيار احزاب جديدة حتى وان كانت من خارج المدينة، تحالف العبادي كان الاقرب لان السكان يدينون له بفضل تحرير المدينة من المتطرفين”.

في الانبار كذلك خسرت الاحزاب السنية مقعدين لصالح ائتلاف “النصر” من مجموع (15) مقعدا، اما في ديالى المختلطة سكانيا بين السنة الاكثر عددا وبعدهم الشيعة والكرد، حصلت الاحزاب السنية مجتمعة على ستة مقاعد بينما حصلت الاحزاب الشيعية على سبعة مقاعد كانت حصة الاسد فيها الى تحالف “الفتح”، بينما حصل “الاتحاد الوطني الكردستاني” على مقعد واحد.

وانتزعت الأحزاب الشيعية أيضا أربعة مقاعد في صلاح الدين من أصل (13) مقعدا، وللمرة الأولى فشلت الاحزاب السنية من الحصول على أي مقعد في محافظة بابل التي يقطنها آلاف السكان السنة شمال المدينة في بلدات جرف الصخر والمسيب.

الأحزاب الشيعية استطاعت انتزاع مقاعد سنية عبر مرشحين سنة من داخل هذه المدن، وتخشى الأحزاب السنية من ان هؤلاء المرشحين السنة الذين قرروا خوض الانتخابات الى جانب قوى شيعية لن يكونوا ممثلين حقيقيين للسكان بل سيخضعون لتوجهات قيادة أحزابهم الشيعية، وهو امر سيؤثر على صوت الطائفة السنية في الحكومة والبرلمان الجديدين.

ويبدو ان ظاهرة تناقص عدد مقاعد القوى والأحزاب السنية بشكل مقلق ليست جديدة وبدأت منذ انتخابات منذ سنوات قليلة، في اول انتخابات شهدها العراق بعد الغزو الأميركي في العام 2005 حصلت الاحزاب السنية على (83) مقعدا في البرلمان عبر “جبهة التوافق” انذاك برغم دعوات رجال دين وفصائل مسلحة سنية بمقاطعة الانتخابات.

وفي انتخابات العام 2010 حقق السنة انتصارا مفاجئا عندما فازوا في المرتبة الاولى في الانتخابات بعد تحالفهم مع اياد علاوي وحصلوا على (91) مقعدا، ولكن الوضع أصبح اسوأ في العام 2014 عندما حصلوا على (64) مقعدا، بينما حصلوا في انتخابات الشهر الحالي على (47) مقعدا فقط، اي انهم خسروا نحو (50%) من مقاعدهم على مدى السنوات الثلاثة عشر الماضية، ما الذي حصل؟

ومن المفارقة الشيء نفسه حصل في الانتخابات اللبنانية، اذ خسر السنة العديد من المقاعد لصالح القوى السياسية الشيعية في اول انتخابات تشريعية يشهدها لبنان منذ العام 2009.

ويقول مسؤول سني بارز فاز في انتخابات الاسبوع الماضي في بغداد لـ”نقاش” بشرط عدم الكشف عن اسمه لأسباب امنية وخشيته من تهديده والغاء عضويته في البرلمان الجديد إن “أسباب تناقص المقاعد السنية واضحة وهي حملات التغيير الديموغرافي التي تعرضت لها العديد من المدن السنية في البلاد”.

ويضيف ان “الاحزاب والفصائل الشيعية أصبحت الأقوى وامتد نفوذها الى المدن السنية واستخدموا شعار تحرير المدن وتهديد الناخبين بالسلاح للحصول على أصوات، بينما تلقت عشائر في ديالى وصلاح الدين وبابل تهديدات بعدم التصويت للأحزاب السنية”.

ومثلا فان بلدة “جرف الصخر” ذات الغالبية السنية شمال بابل تم إخلاؤها من جميع سكانها خلال المعارك ضد “داعش”، وبرغم مرور اربع سنوات على طرد المتطرفين لم يسمح لسكانها بالعودة حتى الآن، في مؤشر خطير الى حملات تغيير ديموغرافي منظمة في البلدات السنية بدأت تؤثر على ما يبدو في نسبة التمثيل السني في البلاد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here