الانتخابات تدفع باتجاه خيار خطير في كردستان

هونر حمه رشيد

فاجأت نتائج الانتخابات التشريعية العراقية بعض الأطراف في إقليم كردستان إلى حد جعلتها تلجأ الى خيار استخدام السلاح الذي تأسست فيما مضى على مبدأ معاداته.

أثارت نتائج انتخابات الثاني عشر من أيار في الاقليم جدلا كبيرا كما اوصلت التوترات خلال الساعات الاولى من اعلان النتائج الى درجة خطر الاشتباك العسكري.

فعند ظهور النتائج الاولية للانتخابات مساء الثاني عشر من الشهر الحالي، وقع حادث اوشك على احداث مواجهة مسلحة بين قوتين كبيرتين في كردستان.

دوي إطلاق النار كان يسمع في مدينة السليمانية باستمرار، وقالت القنوات الاعلامية التابعة لحركة التغيير ان قوة تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني هاجمتهم بسبب عدم قبولهم النتائج، اما الاتحاد الوطني الكردستاني فينفي تلك الرواية في تصريحاته الرسمية ويتهم التغيير بإحداث الفوضى.

تلك الليلة كانت الاوضاع في مدينة السليمانية متوترة بصورة كان يخشى من انتقال التوترات الى مناطق اخرى، وكانت حركة التغيير تدعو مؤيديها الى حماية مقرها، وكانت اصوات بارزة داخل الحركة تطالب الناس بالتوجه مع اسلحتهم الى نجدتهم.

ولم يقف القادة والناشطون في حركة التغيير عند الدفاع عن النفس فحسب، بل بدأوا خلال الايام اللاحقة بمحاولة لتشكيل قوة مسلحة، وقد اقترح تسميتها بـ”قوة حماية الديمقراطية”.

وكتب علي حمه صالح احد الناشطين البارزين في حركة التغيير وهو نائب في برلمان كردستان، في صفحته على فيسبوك: “تحتاج الديمقراطية من اجل وقوفها على اقدامها الى قوة حماية، فهم يغلقون البرلمان يوما ويستخدمون الاهانة في نقاط التفتيش يوما ويهاجمون يوما ويهددون بالقتل يوما ويقومون بالتزوير ويعتدون على كرده كه (مقر حركة التغيير)”.

وزاد ايضا: “لكي لا يفقد هذا الشعب الامل في التغيير فان افضل خيار هو تشكيل قوة لحماية الناخبين والمتظاهرين وصناديق الاقتراع، يجب ان لا نظلم احدا، ولكن اذا صفعك احد فلابد ان ترد له صفعتين”.

وفي تصريح لـ”نقاش” اعلن علي حمه صالح اصراره على موقفه هذا وذكر ان الآلاف من مؤيدي الحركة ابدوا استعدادهم لتسجيل أسمائهم ضمن تلك القوة.

وعلمت “نقاش” من مصادر داخل حركة التغيير ان مساعي الحركة لتشكيل قوة عسكرية هي مساعٍ جدية ويؤيدها العشرات من قادة الحزب ويعملون عليها الان وينوون طرح الامر في المجلس الوطني وهو اعلى مؤسسة اتخاذ القرار في الحركة.

وحول ذلك قال مام رستم وهو احد القادة العسكريين في الحركة لـ”نقاش”: “لقد اوصلت قوى السلطة الوضع الى مرحلة تفكر حركة التغيير كقوة رئيسية في الاقليم في تشكيل قوات مسلحة”.

وأضاف مام رستم: “لا يؤمن الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي بالديمقراطية ونتائج الانتخابات ويستخدمان القوة في سبيل ذلك لإخضاع القوى الاخرى لإرادتهما، ولا يمكن لحركة التغيير القبول بذلك وسيكون لها موقف”.

ولم يخف القيادي في حركة التغيير ان عشرات القادة في التغيير يفكرون الان في آلية لتشكيل قوات وسيطرحون الامر في المجلس الوطني لاتخاذ قرار حوله، واضاف: “هناك عشرات الآلاف مستعدون لحمل السلاح من اجل الحركة”.

وتطور موضوع تشكيل القوات داخل حركة التغيير في وقت قصير الى حد الدعوة على مواقع التواصل الاجتماعي الى التسجيل وقد تم فتح موقع خاص من اجل ذلك نال اعجاب الآلاف خلال فترة وجيزة.

ونشر بابكر درائي احد مؤسسي حركة التغيير الذي يشغل الان منصب مدير عام الثقافة في السليمانية، نشر صورة يظهر فيها مع عدنان عثمان احد القياديين في الحركة وهما مسلحان في تل زركه ته ويقفان على ضريح نوشيروان مصطفى المنسق العام الراحل للحركة، وقد اثارت الصورة جدلا كبيرا.

وكتب بابكر درائي حول الصورة على موقع فيسبوك: “مثلما يمكن للقلم والكتابة ان يفضحا الظالمين والقامعين ويجبراهم على التراجع، فان السلاح والرصاص ايضا يستطيعان في وقت الحاجة دحر المافياوات ورجال السلطة”.

ويسود هذا التوجه الآن داخل حركة التغيير ويرى البعض ان الانتخابات وصناديق الاقتراع ليست السبيل الوحيد للتغيير في اقليم كردستان الذي اتخذوه شعارا لهم منذ اعوام.

وقال هوشيار عبد الله وهو احد الناشطين الآخرين في حركة التغيير لـ”نقاش”: “سنسلك الطرق الديمقراطية والمدنية ما امكننا ذلك لتحقيق التغيير في الاقليم وقد قال الراحل نوشيروان مصطفى “ان الطريق الرئيس للتغيير في اقليم كردستان هو صناديق الاقتراع والسبل المدنية”.

واضاف عبد الله: “نوشيروان مصطفى كان يقصد ان الطريق الرئيس للديمقراطية هو صناديق الاقتراع، اذا فهناك سبل اخرى للتغيير غير ذلك، نأمل ان لا يجبرونا على اختيارها وان ترضخ احزاب السلطة لفشلها”.

خيبة أمل من الديمقراطية وصناديق الاقتراع

ورفعت حركة التغيير عند تأسيسها من قبل نوشيروان مصطفى عام 2009 شعار النضال المدني بعيدا عن العنف من اجل التغيير في اقليم كردستان والوصول السلطة، ولكن كما يقول قادة الحركة فقد تولدت لديهم قناعة خلال الفترة الماضية بانه ان استمر هذا الوضع ولجأ منافسوهم الى السلاح لحسم الصراعات فسيولد ذلك عندهم القناعة نفسها.

وحول ذلك قال مام رستم: ان “احزاب السلطة ليست مستعدة للقبول بهزيمتها في الانتخابات والتي اتخذتها حركة التغيير سبيلا لانهاء سلطتهم، لذلك تولدت لدى حركة التغيير قناعة بانه ليس بالضرورة ان يأتي التغيير عبر النضال المدني فقط، بل ان هناك سبلا أخرى ايضا”.

واضاف: “نحن مصرون على اجراء تغيير في اقليم كردستان، واذا لم يتحقق التغيير عبر السبل الديمقراطية والمدنية، فحتى لو لم نختر سبلا اخرى هناك آخرون سيختارون سبلا اخرى”.

وليست حركة التغيير هي وحدها التي أصيبت بخيبة الامل بشكل من الاشكال من كون صناديق الاقتراع هي السبيل الوحيد للتغيير في اقليم كردستان، بل ان اطرافا اخرى غير راضية عن نتائج الانتخابات مثل حركة التغيير وتدعي “حدوث تزوير وتلاعب بنتائج انتخابات البرلمان العراقي”.

ويعتبر التحالف من اجل الديمقراطية والعدالة وهو قوة جديدة على الساحة السياسية في الاقليم والعراق ويشارك للمرة الاولى في الانتخابات، يعتبر احد القوى الأخرى المحتجة على نتائج الانتخابات ويتحدث مثله مثل حركة التغيير عن التزوير وقد بدأ مع حركة التغيير مساعيه لرفض نتائج الانتخابات.

وقال ريبوار كريم محمود المتحدث باسم التحالف من اجل الديمقراطية والعدالة لـ”نقاش”: حول الموضوع “لقد قام الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي بعمل منظم لإضعاف ايمان القوى والمواطنين بالديمقراطية وصناديق الاقتراع، ومن اجل ذلك سلكا جميع الطرق”.

واضاف: “لقد اثرت محاولة الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي على الناس ولكننا نعمل على تخفيف تأثيراتها وهناك العديد من السبل المتاحة امامنا لمواجهتها”.

وشدد المتحدث باسم التحالف على انه اذا لم تقف الاطراف في الاقليم بوجه مواقف الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي فان المواطنين هم الذين لن يقبلوا بها وسوف يتخذون سبلهم فمثلا “هناك الآلاف من المحتجين في صفوف قوات البيشمركة وهم يقفون ضد الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، حتى وان سكتوا هذه المرة فمن المؤكد انهم سيتخذون مواقف في المرات القادمة”.

ويعتبر الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني قوتين رئيسيتين في اقليم كردستان يديران السلطة ويملكان وحدتين عسكريتين عملاقتين هما وحدات (70) و(80) التابعة لقوات البيشمركة.

الاتحاد الوطني هو احد الأطراف التي توجه له أكثر الاتهامات بالقيام بالتزوير في الانتخابات واستخدام القوة لتحقيق ذلك، الا ان مسؤولي الحزب ينفون ذلك.

وقال قادر حمه جان عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني لـ”نقاش”: “نحن نؤمن تماما بعملية الانتخابات وصناديق الاقتراع ومن اجل ذلك قبلنا بالنتائج التي حصلنا عليها في الماضي”.

وحول اللجوء الى خيار تشكيل قوات في اقليم كردستان من قبل حركة التغيير او اية جهة اخرى قال حمه جان: “لا يجوز لاية جهة امتلاك قوات مسلحة حسب القوانين في اقليم كردستان اذ لا بد أن تكون جميع القوات تابعة لوزارتي البيشمركة والداخلية وليس ميليشيات حزبية، لذلك فان ما تقوم به حركة التغيير مرفوض من قبل الاتحاد الوطني”.

وعن سبب امتلاك الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي قوات مسلحة وعدم قبولهما بامتلاكها من قبل القوى الاخرى، قال ان “قوات (70) و(80) نظمت بالقانون وتقوم وزارة البيشمركة بتأمين رواتبها ومعداتها العسكرية، لذلك ليس من الصحيح ما يقال من ان تلك القوات تابعة للحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني”.

وقوبلت مساعي حركة التغيير والاطراف المدنية الاخرى لتشكيل قوات مسلحة بانتقادات شديدة من قبل الكثير من المواطنين، فالمواطنون يعلمون ان الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي يملكان السلاح ولن يتخليان عنه، الا أن الإشكال يكمن في القوى التي كانت تقف ضد السلاح سابقا وتلجأ اليه الآن.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here