العراقيون الزرادشتيون

كاظم حبيب

الزرادشتية ديانة قديمة يبلغ عمرها قرابة 3500 سنة، ظهرت بمنطقة أذربيجان بإيران والمنطقة التي يعيش فيها الكرد (أورمية) والتي يطلق عليها الفرس “الرضائية” أيضاً، إذ كانت ضمن دياناتهم القديمة، ولا زال هناك من يعتنقها بإيران والعراق، إضافة إلى دول أخرى مثل الهند. وهي ديانة توحيدية تؤمن بـ “الخالق غير المخلوق”، وتؤمن بوجود إلهين، أهورا مزدا “إله النور والخير”، إله العقل والحكمة والمعرفة، وأهريمان “إله الظلام والشر”، الإله الذي يرفض العقل والحكمة والمعرفة، وهما في صراع دائم. والزرادشتيون يقدسون العناصر الأربعة النار والماء والهواء والتراب، ويحرّمون تدنيسها، باعتبارها عناصر طاهرة. وعند الصلاة يتوجهون صوب النور ولاسيما الشمس. وقد شرح غاستون بلاشر العوامل التي دفعت الديانات القديمة إلى التركيز على هذه العناصر الأربعة ذات الأهمية الفائقة في حياة الإنسان، التي أدركها وعبر عنها زرادشت، على النحو التالي:
” – النار: تُضيء وتُدفئ، انها عُنصر قوة الانسان وسموه على العالم الحيواني ولكنها يمكن ان تنقلب ضده، فالنار تحرق، وهي على علاقة مع الشمس.
– الماء يُطهر: إضافة إلى ذلك يعتبر مصدر الحياة أو التجدد، ومن هنا كان طقس الينابيع المنتشرة جداً، والشعائر الكثيرة في كل الديانات تقريباً.
– الهواء: هو العنصر السماوي، ومن هنا يكون الارتفاع في المسيرة الروحية.
– الأرض: رمز الخصب والخصوبة كذلك. ولها علاقتها مع الولادة والموت، والحيٌة هي رمز هذه الثنائية.”1

الديانة الزرادشتية سبقت الديانات الكتابية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، وانتشرت في منطقة واسعة من آسيا، ولم تتجاوزها، وهي ما تزال تجد بقايا لها في عدد من دول العالم الآسيوي، بما فيها إيران. كما برزت مجدداً بإقليم كردستان العراق، رغم إنها لم تختف يوماً.
ظهرت الزرداشتية كديانة في فترة بدأت فيها الديانة المثرائية بالأفول. وكان زرادشت أول من وضع أسسها وبدأ بنشرها، وتبنى بعض الجوانب المهمة من الديانة الميثرائية، وحلّت عملياً محلها. وتدريجاً اندثرت الديانة الميثرائية، وانتهت عبادة الإله العظيم مثراس Mithrasوحلت عبادة الإله “أهورا مزدا” محلها. وقد جاء ذكر الإله ميثرا “في أقدم الكتب المقدسة (ريك فيدا) باسم (ميثرا) وفي الآفستا باسم (ميثرا) بأنه اله النور حامي حمى الحقيقة وعدو الكذب والخطيئة ، وورد في (الآفستا) عن (ميثرا) بأنه يعاقب كل من حلف يمينا كذبا أو ينحرف عن الحق والصواب والنزاهة ، انه يحطم القبائل والجماعات المناهضة له، ويهب الصحة والصداقة والرجاء للذين يمجدونه ويكون حليفا مؤيدا لمن ينذرون أنفسهم له.”2 فمن هو زرادشت؟

زرادشت
يعتبر زرادشت إحدى الشخصيات الإصلاحية التي ظهرت في منطقة الشرق الأوسط أو جنوب غرب آسيا. ويعتبره أتباع نبياً ضمن مجموعة الأنبياء الذين وضع كلا منهم ديناً يحمل الكثير من عقائد وطقوس وتقاليد الديانات السابقة، مع إضافة تعاليم وطقوس وعقائد دينية جديدة أو متقاربة. وحين الاطلاع عل جوهر الدين الزرادشتي سيجد فيه الكثير جداً من قيم وسمات وخصائص وطقوس أو عقائد الديانات السابقة له او تلك التي وجدت في ذات الحقبة الزمنية. كما إن العديد من الديانات التي ظهرت بعد ذاك أخذت من الزرادشتية أو غيرها جملة من القيم والأفكار والعقائد والطقوس الدينية، كما هو حال الدين الإسلام مع الديانة اليهودية والمسيحية أو هاتين الديانتين مع الديانات البابلية، والتي يمكن الاطلاع عليها في الرقم التي وجدن في حفريات بابل ونينوى وغيرها أو في التلمود البابلي الذي يعتبر أهم كتاب مقدس لدى يهود العالم بعد التوراة، والذي كتب ببابل. وكان الدين الزرادشتي أحد أهم الديانات التي مثلت القطيعة الفعلية مع تعدد الآلهة والأخذ بمبدأ الإله الواحد، كما هو حال الديانات الإبراهيمية أو قبل ذاك بالنسبة للديانة المندائية مثلاً.
الدراسات والأبحاث والكتب الكثيرة المنشورة عن زرادشت تشير إلى وجود تباين في مسالتين:
المسألة الأولى: يبرز التباين في أن البعض من الباحثين يعتبر شخصية زرادشت أسطورية ولم تكن موجودة أصلاً، في حين هناك الغالبية العظمى من الباحثين، ولاسيما من الشرق، يؤكدون وجود مثل هذه الشخصية والشواهد على ذلك كثيرة ومهمة، ويمكن متابعة نموذج للنقاش في هذا المجال في كتاب الباحث زهير كاظم عبود، الزرادشيتة، الذي يؤكد فيه وجود مثل هذه الشخصية الدينية فعلاً بالاعتماد على الكثير من الدلائل الملوسة وما اكتشف من أثار بإيران تؤكد وجوده ودوره في وضع الدين الذي سمي باسمه، إضافة إلى الكتب القديمة التي تأتي على ذكره وعن أعماله ودوره في نشر الدين ومثله وقيمه الإنسانية.3
المسالة الثانية: التباين في تحديد فترة ولادته وعمله، فهناك من يشير إلى أنه ولد وعمل خلال الفترة الواقعة بين 1000 – 500 ق.م.، وهي الفترة التي ظهر فيها بوذا وكونفوشيوس.4 ويشير الباحث زهير كاظم عبود إلى فترة ولادة زرادشت بقوله: “ويقدر الباحثون ان زرادشت ولد في حدود 628 قبل الميلاد، وأنه توفى في العام 551 أو نحوهما، وهناك من يذكر أنه ولد في الفترة 660 – 583 قبل الميلاد ومسقط رأسه بلاد الماديين بأذربيجان..”.5 وأن ولادته كانت بمدينة أورمية والتي يطلق عليه الإيرانيون “رضائية”، وتتلمذ على يد الحكيم الشهير “بوزين كوروس”، إذ اهتم والده بتعليمه منذ كان في سن السابعة من عمره وظل الابن معه ثمانية أعوام درس فيها عقيدة قومه، ودرس الزراعة وتربية الماشية وعلاج المرضى، ثم عاد إلى موطنه بعد هذه الأعوام الطوال.6 وتشير الباحثة آمنة محدادي في مقال لها منشور في الحوار المتمدن بهذا الصدد ما يلي: “تنسب الديانة الزرادشتية إلى “زرادشت” بن “يوشارب”،الذي ظهر في زمن “كشتاسف” بن “لهراسب” الملك،وأبوه من “أذربيجان”،وأمه من “الرى”. ولد عام 598 أو 599 ق م، وتوفي في 522 أو 521 ق م، وفي فترة ظهور زرادشت كان ظهور”بوذا” في الهند وظهور “كنفشيوس” في الصين، وظهور الفلاسفة الإغريق،.. .”7
وخلال هذه الفترة امتلك الحكمة والطب ومعرفة الأعشاب واستخداماتها، ومعرفة معمقة بالأحجار الكريمة، إضافة إلى كونه أصبح فلكياً مرموقاً. إن دراسته ومعرفته بالديانات القديمة، ومنها الميثرائية، واطلاعه على الديانة اليهودية، مكنته من أن يضع لنفسه، ومن ثم للمؤمنين بدينه، فلسفة أو عقيدة دينية جديدة تأخذ من الماضي وتستلهم الحاضر والمتغيرات الحاصلة في المجتمع الزراعي الذي كان يعيش فيه. يؤمن الزرادشتيون بأن زرادشت نبي، وهو نبي آخر الزمان، أي لا يأتي من بعده نبي آخر، وهو الأمر الذي نجده لدى أتباع أكثر من دين واحد. يؤكد زرادشت في صلواته على وحدانية الإله فهو يقول، كما “جاء ذلك على صفحات الـ(أفت) حيث ينبعث صوت زرادشت عبر سطور الـ(جاتها يآسنا) يناجي الإله ( أهور مزدا).
إنّي لأدرك أنّك أنت وحدك الإله وأنّك الأوحد الأحد، وإنّي من صحة إدراكي هذا أوقن تمام اليقين من يقيني هذا الموقن أنّك أنت الإله الأوحد.. اشتدّ يقيني غداة انعطف الفكر مني على نفسي يسألها: من أنتِ؟ ولفكري جاوبت نفسي؛ أنا؟ إنّي زرادشت أنا، وأنا؟ كاره أنا الكراهية القصوى الرذيلة والكذب، وللعدل والعدالة أنا نصير! من هذه أتفكّر الطيبة التي تحوم في خاطري، ومن هذا الانعطاف الطبيعي في نفسي نحو الخير، ومن هذا الميل الفطري في داخلي إلى محق الظلم وإحقاق الحقّ أعرفك. من هذه الانفعالات النفسية والميول الفكرية التي تؤلّف كينونتي وتكوّن كياني ينبجس في قلبي ينبوع الإيمان بأنك أنت وحدك أهورا مزدا، الإله وأنّك الأوحد الأقدس الخيّر الحقّ.”8

الديانة الزرادشتية
ينطلق زرادشت في دينه من وجود إله واحد كلي القدرة وموجود في كل مكان وعلى الناس أن يعبدوه. ولكن هذا الإله الواحد يظهر في الدين الزرادشتي بثنائية، بإلهين منفصلين عن بعضهما ومتصارعين دوماً، إنهما: الإله أهورا مزدا، إله الخير والنور، والإله أهريمن، إله الشر والظلام. وإن إله الخير والنور هو المنتصر في المحصلة النهائية. كما يطرح الدين موضوعة أن العالم منقسم إلى عالمين: عالم النور وعالم الظلام، عالم الخير وعالم الشر. ويشار إلى مسائل الزرادشتية تستند إلى قاعدتين اثنتين: أولاهما بيان امتزاج النور بالظلمة، وثانيهما بيان سبب خلاص النور من الظلمة وجعل الامتزاج مبدأ والخلاص معاداً. كما إن النور هو الأول بالظهور.
وفي هذا تتجلى رؤية التناقض الفلسفية التي تجد تعبيرها في الوجود كله في الديانة الزرادشتية. وإذ يدفع اهورا مزدا اتباع الدين والبشر صوب أسس أو ثلاثة مبادئ هي: الفكر الصالح والقول الصالح والعمل الصالح، يسعى أهريمن إلى معاكسة هذه الثلاثية، بالفكر الطالح والقول الطالح والعمل الطالح. ويعتقد الزرادشتيون بأن الإنسان غير مجبر على اختيار طريق الشر والظلام، إذ أنه يقف أمام طريقين طريق الخير والنور وطريق الشر والظلام وعليه أن يختار أحدهما، وبالتالي فهو مسؤول عن افعاله ويحاسب أمام الله، فأما يمنح الثواب أو يواجه العذاب! ويؤمنون بعذاب القبر وأن اختلف أسلوب عذاب القبر في الديانة الزرادشتية عن عذا القبر في الإسلام مثلاً.
ويرى زرادشت بأن الإنسان يتكون من جسد وروح، ويرى إن الروح نقية وطاهرة، وإن الجسد غير نقي أو غير طاهر لأنه يموت ويتعفن. ومن هنا تأتي الطقوس الخاصة التي يمارسها الزرادشتيون لكيلا تدنس الأرض الطاهرة بأجساد متعفنة. فالزرادشتيون “يكرهون فكرة اختلاط الجسد المادي بعناصر الحياة؛ الماء والتراب والهواء والنار حتى لا يلوثها، لذا فهم يتركون جثامين الموتى للطيور الجارحة على أبراج خاصة تسمى أبراج الصمت أو (دخنه) باللغة الفارسية، حيث يقوم بهذه الطقوس رجال دين معينون، ثم بعد أن تأكل الطيور جثة الميت توضع العظام في فجوة خاصة في هذا البرج دون دفنها.”9
تستند الديانة الزرادشتية إلى عناصر أربعة تعتبر أساس الحية، وهي عناصر طاهرة ونقية ومقدسة لا يجوز تدنيسها، إنها: النار والما والهواء والتراب. ولا تختلف الديانات الأخرى عن ذكر هذه العناصر أيضا، والاختلاف في أنها مقدسة ولكنها غير معبودة، لأن العبادة للإله الواحد. أما في الديانات الأخرى فهذه العناصر غير مقدسة، باعتبارها من خلق الله، والمقدس هو الله وحده. هنا نجد التوافق في الإله الواحد، والاختلاف في العناصر الأربعة من حيث التقديس وعدم التقديس. كما إن هناك اختلافاً أخر هو: في الديانة الزرادشتية نجد إلهاً واحداً بثنائية الإله أهورا مازدا والإله أهريمن، في حين إن الديانات التوحيدية الأخرى تعبد وتقدس إلهاً واحداً أيضاً، وأن ابليس (الشيطان) ليس سوى من مخلوقات الله، وأن كان من نار وليس من نطفة البشر أو الملائكة، كما ورد في القرآن. فقد جاء في سورة الأعراف (مكية) ما يلي: “قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ.10 والطين هو التراب، ولهذا فأن الطين، أو التراب والنار هما سواسية من حيث الطهارة والنقاوة. وجاء في بحث عن الزرادشتية بشأن أبراج الصمت ما يلي: “أبراج الصمت هو اسم أطلقه الرحالة الغربيون على الأبنية التي يستعملها الزرادشتيون للتخلص من جثث موتاهم و التي يسموها بلغتهم “دخمه”، وهي بناء دائري الشكل يبنى على جبل صغير أو تلة عالية في موقع بعيد عن المدينة، ويدير المبنى مجموعة من الكهنة ولا يحق لسواهم الدخول اليه، وعندما يموت شخص ما من أتباع الديانة الزرادشتية يؤتى بجثته الى البرج حيث يرفعها الكهنة ويضعوها على سطح المبنى الدائري الشكل و الذي يكون محاطا بسياج مرتفع حتى لا يشاهد الناس الجثث وهي تؤكل وتتحلل، والسطح يتكون في العادة من ثلاث حلقات متداخلة، يوضع الأطفال وصغار السن في الحلقة المركزية من الدائرة اما النساء فتمدد جثثهن في الحلقة الوسطى في حين يوضع الرجال في الحلقة الخارجية، وما ان توضع جثة جديدة على السطح حتى تنقض عليها وتمزقها النسور(3) المتواجدة بكثرة حول سياج البرج لتعودها على تناول لحوم الموتى هناك، وتترك الجثة قرابة السنة لتتحلل أجزائها بشكل كامل ولا يتبقى منها سوى العظام التي يجمعها الكهنة فيما بعد ولا يدفنوها وإنما يضعوها في تجاويف خاصة لحفظ العظام موجودة داخل البرج و تحاط هذه التجاويف بالجير الذي يساعد على تحلل العظام خلال عدة سنوات.”11
تلعب النار دوراً مهماً في الديانة الزرادشتية، باعتبارها ناراً مقدسة ويسعون للاحتفاظ بها مشتعلة، ولاسيما في معابدهم، كما أنهم يتوجهون بصلاتهم صوب الشمس حيث مصدر النور. يمارسون الصلاة في أوقات خمسة، تمام كما يمارسها المسلمون من حيث التوقيت، ولكنهم يمارسونها وقوفاً ويتلون التراتيل الدينية. ويحتفل الزرادشتيون بعيد نوروز في الحادي والعشرين من شهر أذار/مارس من كل عام ولمدة 13 يوماً، ويكون الاحتفال كبيراً في اليوم السادس حيث يعتبر يوم ميلاد زرادشت.
إن التعاليم التي وضعها زرادشت لمتبني دينه في مخطوطات كثيرة ومهمة، جمعت وأحرق الكثير منها في العام 331 ق.م بعد سقوط الدولة الأخمينية وانتصار الإسكندر الكبير بعد أن فرض حكمه على البلاد. جاء في مقال مهم للسيد صبري المقدسي بعنوان ” الزرادشتية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية” حول حرق المخطوطات ما يلي: “331 ق.م، انتصار ألكسندر المقدوني على الملك داريوس الثالث، واخضاعه للبلاد الايرانية بعد معركة(اربيل). وإنهائه لحكم السلالة الأخمينية وتدميره للعاصمة(بيرسيبوليس)، التي كانت العاصمة المهمّة للإمبراطورية منذ 550 ق.م. وحرق عدد كبير من الكتب المزدية والزرادشتية المقدسة. والغاء تعاليم (آفيستا) وشرائعها القانونية، ومحاولة فرض الديانة الإغريقية على سكان المنطقة الذين بقوا ملتزمين خفية على دين اجدادهم.”12
للديانة الزرادشتية كتاب مقدس هو “الأفيستا”، ويطلق عليه أيضاً بـ “الأبستاق”، أي الأصل أو المتن باللغة الفارسية القديمة، ويشتمل على تعاليم الفيلسوف أو النبي زرادشت. وللكرد نسخة من الأفيستا مكتوبة باللغة الميدية، الكردية القديمة، ويقال بأن تعاليم هذا الكتاب دونت أساساً بهذه اللغة.13
يعتبر زرادشت فيلسوفاً كبيراً وحكيما ومبشراً استطاع وضع تعاليم جلبت لها ملايين البشر ودعت إلى إمعان العقل والتمييز بين الخير والشر، بين النور والظلام. كتب الأستاذ زهير كاظم عبود في مقدمة كتابه الموسوم “الزرادشتية” ما يلي: “ترك زرادشت بصماته الواضحة على مجتمع، وعلى حضارة إنسانية، وتبين أنه كان متماسكاً على نشر فضائله وقيمه، غير عابئ بمباهج الدنيا ومغريات السلطة، عاش عفيفاً ومات عفيفاً، وكان اسماً كبيراً في صفحات التاريخ الإنساني. قاد عملية التنوير الإنساني في فترة حالكة، وجاهد من أجل إثبات القيم الخيرة التي تمسك بها، وأسس فلسفة انتشرت على مساحة ليست بالقليلة، وآمنت بها ملايين من البشر ولم تزل حاضرة وقائمة حتى اليوم. زرادشت كان اسماً حاضراً من بين أسماء بناة القيم والفلسفة والحِكم ولم يزل.”14 وجاء في كتاب خليل عبد الرحمن الموسوم “أفستا: الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية” عن مضامين هذه الكتاب ما يلي: “أفستا، الكتاب المقدس للديانة الزرادشتيه يتجاوز عمره ثلاثة آلاف سنة. إنها موسوعة الحضارة، الثقافة، الأخلاق والأنتروبولوجيا للشعوب الآرية. بل إنها تشهد على عظمة روح وثقافة الشعوب الآرية، حيث تمثل أقدم وثيقة تاريخية، ثقافية، دينية وقانونية مكتوبة تعكس المراسم والطقوس الدينية، الأفكار الفلسفية، الأخلاق، علم الفقه، الشرائع الطب والفلك في المجتمع البدائي الإيراني. أفستا، طفولة الشعوب الآرية: الكردية، الأرمنية، الفارسية، الطاجيكية، الأفغانية…إلخ وهي صفحة مشرقة في تاريخ تطور الأديان والثقافة الإنسانية، وأحد المصادر المكتوبة المبجلة في تاريخ الحضارة البشرية، التي تناقلتها الأجيال عبر آلاف السنين شفاهة وكتابة فهي غنية بالأساطير الجميلة، مفعمة بحب الخير والكفاح من أجله، والإيمان بنصره على قوى الشر، كما أنها متخمة بالتغني بالصدق والحقيقة، فالحقيقة فيها أفضل الخيرات.”15
يتوزع كتاب الأبستاق (أفستا) على واحد وعشرين جزءاً، لم يبق منها سوى خمسة أجزاء هي:
” * يسنا: يعني نوع من الأناشيد أو التراتيل، وهي عبارة عن ادعية ومعلومات حول الدين وينسب إلى الرسول زرادشت، ويقع في 72 يسناهات وكل يسنا يشتمل على مجموعة ادعية. * ويسبر: يضم مجموعة من ملحقات الـ “يسنا” وهي أكثر من 23 كَرده. * ونديداد: يصف هذا الجزء الاشكال المختلفة للأرواح الشريرة، وهي تدور حول الحلال والحرام، الطاهر والنجس، ويتضمن الكثير من القوانين الدينية، ومعها القوانين ضد الابالسة. * يشتها: ويعني الاناشيد والتسابيح وكل يشت باسم أحد الاجسام النورانية. * افيستا: بجوك (خردة افيستا) وهي الصلوات اليومية وتضم تراتيل في بيان عظمة الإله.”16 يؤمن الزرادشتيون بوجود الملائكة، وهي لا تختلف في أعمالها عن الملائكة التي يؤمن بها المسلمون، فـ “هم لا يتناسلون ولا يأكلون ولا يشربون ولا يمكن رؤيتهم، وتتطابق نظرة الزرادشتية مع الإسلام الذي حل بعدها بزمن طويل حول قضية الملائكة، وهم موكلون بأوامر الله.”17 والكثير من الكتاب يرى بأن الكثير من الأفكار والطقوس الدينية في الإسلام مأخوذة من الديانة الزرادشتية، وهي الأقدم من حيث ظهور نبي الزرادشتيين.18
فكرة تناسخ الأرواح
الزرادشتيون يؤمنون بتناسخ الأرواح والتي تعني انتقال الأرواح من أجساد الموتى إلى أجساد أخرى لتعيش حياة ثانية. وهم ليسوا وحدهم من آمن بهذه الرؤية الميتافيزيقية، بل الكثير من الشعوب التي آمنت بالديانات القديمة، ومنها الزرادشتية والإيزيدية والهندوسية. يقول الباحث محمد ياسين: “هناك الكثير من الديانات التوحيدية القديمة و الوثنية تذعن بالتناسخ حتى إنه يعتبر ركنا أساسيا وواحدا من أهم ثوابت الديانة “البوذية” و“الهندوسية”، ويجد له قالبا في ما يطلق عليه “السامسارا”، وتعني عجلة الولادة و الموت، ومقتضاها أن الأجسام البشرية لا تكون شيئا، عدا أنها ثوب تلبسه الروح ذاتها في كل ولادة وتخلعه عند كل وفاة، ونفس الأمر بالنسبة لشعوب وديانات كثيرة مثل الطاوية، والمايا، والانكا…”19. وهو يشير في الوقت ذاته إلى ما يلي: “أما الديانات الإبراهيمية فإنها ترفض عقيدة التناسخ جملة وتفصيلا، بينما جادلت بعض طوائفها ذات الخلفية الفلسفية و الغنوصية -التي لا تأبه بالعالم المادي و تعطي أولوية للروح- جادلت بمشروعية الفكرة وتهالكت في سبيل الذود عنها، خاصة في التراث الصوفي اليهودي المتمثل في مبدأ “القبالة” أو “الكابلا”، هذا الاتجاه الذي عرف النور فعليا في القرن 12.م وظهر أول مرة كاتجاه مستقل في الجنوب الأوروبي، وبات ما يعرف حاليا: ”بالتجديد اليهودي.”20، كم إن الإسلام بمذاهبه السنية والشيعية “تقف موقف المصادم المنافح لمثل هكذا معتقد، بينما تؤمن الطائفة “الدرزية” غاية الإيمان بتناسخ الأرواح ،لدرجة أنه يمنع في طقوس الموت عندهم البكاء على الميت أو حتى تأبينه!!”21 هناك تباين فيما بين الديانات المؤمنة بتناسخ الأرواح في موضوع انتقال الروح من جسد إلى جسد، فبعضها يعتقد بانتقالها من جسد إنسان إلى جسد إنسان آخر، وبعضها الآخر يعتقد بانتقالها إلى جسد إنسان أو حيوان/ بل وإلى جماد أيضاً. ومن هنا أطلقت على تنوع عملية التناسخ والتقمص بما يلي:
“النسخ: انتقال الروح من {{بدن انسان الى بدن انسان آخر}}.
الرسخ: انتقال النفس الناطقة من بدن انسان الى نبات.
المسخ: انتقال النفس المذكورة من بدن انسان الى الحيوانات.
الفسخ: انتقال النفس الناطقة من بدن انسان الى الجمادات.”22
وتعتقد الديانة الزرادشتية بأن “الشخص الصالح ترجع روحه لجنين صالح، أما الفاسد تذهب لشخص فاسد.”23
أما العلم وأغلب العلماء، ولاسيما الأطباء، فهم يرفضون بوضوح هذه الرؤية المثالية، إذ أن توقف وصول الدم إلى دماغ الإنسان ينهي وجود الحياة في جسمه، إنه الموت ولا حياة بعد الموت.
يشير الكاتب زهير كاظم عبود إلى وجود خطأ شائع وخلط حاصل لدى شيوخ الدين المسلمين وجمهرة من الباحثين والسياسيين بين الزرادشتية والمجوسية. والمجوسية هي الديانة التي ذكرت بالقرآن، حيث ورد بشأنها “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” 24. وهي ديانة تختلف عن الزرادشتية وأن كانت قد انطلقت منها واختلفت معها. يشير إلى ذلك الكاتب زهير كاظم عبود في كتابه السابق الذكر حين كتب ما يلي: “هناك من يذكر بأن المجوس هم أعضاءٌ بالوراثة، في طبق كهنوتية في ميديا، وهي مملكة قديمة كانت تقع في المنطقة التي تسمى الآن شمال إيران، ويسمى العضو في هذه الطبقة مجوسياً، اشتهر المجوس بممارسة السحر، وبتفسير البشائر والنذر والأحلام وتقديم القرابين التنجيمية، وه غير كهنة الزرادشتية”.25 وفي الوقت الذي حرمت الديانة الزرادشتية الصيام، ألزمت المجوسية أتباعها بالصيام لأيام محددة.
وتلتقي الزرادشتية مع الكثير من الديانات، سواء تلك التي يطلق عليها “سماوية” أو التي تسمى “وضعية”، في عدد كثير من المحرمات، وبشكل خاص: الكفر بالله، والقتل والسرقة وشهادة الزور والزنى والغيبة والنميمة وخيانة الأمانة، والسحر وأكلة الميتة والربا والانتحار والإجهاض عمداً، والزواج بالمحرمات،..”26
الزرادشتيون بالعراق
وجد الزرادشتيون منذ القدم بإيران والعراق في فترة حكم الأخمينيين، واعتبر الدين الرسمي للإمبراطوريات الثلاث: الأخمينية والبارثية والساسانية. إذ كانت الديانة الزرادشتية، كما أشير سابقاً قد ولدت في مدينة أرمية مع ولادة مؤسسها زرادشت (زارا)، والتي تعتبر جزءاً من كردستان، وكانت خاضعة للدولة الساسانية. ويرجع أسم هذه الإمبراطورية إلى الكاهن الزرادشتي ساسان، الذي كان جد أول ملوك الساسانيين، الملك أردشير الأول (أردشير بن بابك بن ساسان.، باعتباره مؤسس الدولة الساسانية (الإمبراطورية الفارسية الثانية).27
بدأت “الفتوحات” الإسلامية للسواد في عهد الخليفة الأول أبو بكر الصديق، واستكمل في عهد عمر بن الخطاب، وتم للجيش الإسلامي إسقاط الدولة الساسانية بعد حروب دامت عشر سنوات، قتل فيها الكثير من الفرس ممن كانوا يدينون بالزرادشتية. وقد أُجبر الناس بعدها على دخول الإسلام أو الهروب من إيران إلى الهند أو دفع الجزية. فتراجع وجود الدين الزرادشتي لهذه السبب في عموم المنطقة ومنها المنطقة الكردية، التي هي الأخرى لم يدخل سكانها الإسلام بسهولة بل على حد السيف، فكان القرآن بيد والسيف باليد الأخرى! وهذا ما يؤكده التاريخ حيث وضع السكان أمام ثلاثة احتمالات: إما القبول بالإسلام ديناً لهم وترك دياناتهم القديمة، ومنها الزرادشتية والإيزيدية، أو الهجرة من الأرض المحتلة، التي هي أرض أجدادهم، أو دفع الجزية، حيث اعتبروا من أهل كتاب، كما جاء بشأنهم في القرآن. وهذا ما حصل أخيراً حين اجتاح واحتل عصابات الإسلام السياسي المتطرف، تنظيم داعش الإرهابي والتكفيري الموصل وبقية مناطق محافظة نينوى وتعاملوا مع الناس من غير المسلمين بطريقة مماثلة لما حصل في الفتح الإسلامي، والذي هو في الجوهر نوع من احتلال أراضي شعوب أخرى بالقوة وفرض الهيمنة أو الاستعمار عليها. جاء في خطبة للخليفة الثاني عمر بن الخطاب بصدد الفتوحات الإسلامية، كما ورد في كتاب “تاريخ الطبري” ما يلي:
فـ ” بعون الله مع الإيمان بالله ورسوله فأنتم مستخلفون في الأرض قاهرون لأهلها قد نصر الله دينكم فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتان أمة مستعبدة للإسلام وأهله يجزون لكم يستصفون معايشهم وكدائحهم ورشح جباههم عليهم المؤونة ولكم المنفعة وأمة تنتظر وقائع الله وسطواته في كل يوم وليلة قد ملأ الله قلوبهم رعبا فليس لهم معقل يلجؤون إليه ولا مهرب يتقون به قد دهمتهم جنود الله عز وجل ونزلت بساحتهم مع رفاغة العيش واستفاضة المال وتتابع البعوث وسد الثغور بإذن الله مع العافية الجليلة العامة التي لم تكن هذه الأمة على أحسن منها مذ كان الإسلام والله المحمود مع الفتوح العظام في كل بلد فما عسى أن يبلغ مع هذا شكر الشاكرين وذكر الذاكرين واجتهاد المجتهدين مع هذه النعم التي لا يحصى عددها ولا يقدر قدرها ولا يستطاع أداء حقها إلا بعون الله ورحمته ولطفه فنسأل الله الذي لا إله إلا هو الذي أبلانا هذا أن يرزقنا العمل بطاعته والمسارعة إلى مرضاته واذكروا عباد الله بلاء الله عندكم واستتموا نعمة الله عليكم وفي مجالسكم مثنى وفرادى..” 28
جاء في كتاب وعاظ السلاطين للدكتور علي الوردي عن الأسلوب الذي تمت فيه عمليات الفتح الإسلامي اعتماداً على ما ذكره أبن الأثير في “الكامل” وعباس محمود العقاد في كتابه “أبو الشهداء”، ما يلي:
“يقول المؤرخون أن الجيش الأموي الفاتح عندما دخل المدينة بعد واقعة الحرة أباحها ثلاثة أيام “فاستعرض أهل المدينة بالسيف جزراً كما يجزر القضاب الغنم حتى ساخت الأقدام في الدم وقتل أبناء المهاجرين والأنصار”.29 ثم يواصل قوله: “يروى أن جندياً من جنود ذلك الجيش الفاتح دخل على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي لها فطلب منها مالاً. فقالت له: “… والله ما تركوا لنا شيئاً!” فغضب الجندي وأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها فضرب به الحائط فانتثر دماغه على الأرض… .”30 ثم يقول علي الوردي: وليس في هذا غرابة. فالفتح هو الفتح في كل زمان ومكان. جرى الفتح الأموي في المدينة فعرفنا خبره. ولكننا لا ندري كيف جرى في بلاد بعيدة، وماذا قاسى الناس هنالك منه. فالجنود الذين يفعلون في مدينة الرسول لا يبالون أن يفعلوا مثله في بلاد الأعاجم أو الكفرة. ولا غرو بعد هذا أن نرى موسى بن النصير يجر وراءه من السبايا ثلاثين ألف عذراء بعد فتح الأندلس. ولا أظن بأن أولئك العذارى وقعن في الأسر طوعاً واختياراً. إن المجاهدين الفاتحين لا بد قد خطفوهن من البيوت بعد أن قتلوا رجالها ونهبوا ما فيها. فليس من المعقول أن يذهب المجاهدون إلى بيوت المدن المفتوحة فيطرقون الباب ويقولون: “أعطونا عذراء في سبيل الله”. إن سبي كل فتاة وراءه قصة طويلة من النهب وسفك الدماء وانتهاك الحرمات.”31
هكذا كان الفتح الإسلامي، وهكذا هو أسلوب كل الفاتحين المستعمرين للبلدان الأخرى، عرفناه لا في نشر الديانة الإسلامية، بل وفي نشر الديانة المسيحية في أوروبا الاستعمارية التي توجهت صوب القارة الأمريكية، ولاسيما الجوبية، وأفريقيا، على سبيل المثال لا الحصر.
الزرادشتيون بالعراق الحديث

مارست القلة الموجودة من الزرادشتيين طقوسهم الدينية بشكل سري في فترة الدولة الملكية العراقية أو العهد الجمهوري، وكذلك فيما بعد، ولم تكن لهم معابد رسمية. ولكن لا توجد شواهد على اضطهادهم بالعراق. اعترفت حكومة إقليم كردستان العراق بعد الإطاحة بالنظام البعثي في العام 2003، وكذلك البرلمان الكردستاني بالديانة الزرادشتية وحق أتباعها في ممارسة طقوسهم. فقد جاء في مشروع دستور إقليم كردستان في المادة 65 النص التالي بشأن حرية الأديان:

“المادة: 65
لا إكراه في الدين، ولكل فرد حرية الفكر والدين والعقيدة وتتكفل حكومة الإقليم بضمان حرية مواطني كوردستان من مسلمين ومسيحيين وإيزيديين وغيرهم لممارسة عباداتهم وشعائرهم وطقوسهم واحترام الجوامع والمساجد والكنائس وأماكن العبادة الأخرى وتطويرها.”32 وقد وأشار مدير إعلام وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في حكومة اقليم كردستان مريوان نقشبندي، إن قانون الوزارة أعطى حرية ممارسة الشعائر الدينية للجميع، وأضاف: “قانون وزارة الاوقاف يستند الى عدة مبادئ اهمها حرية الاديان والمعتقدات في اقليم كردستان، ولهذا فإن أي ديانة، إن كانت في الإطار القانوني، مرحب بها ونساعدها ونقدم لها التسهيلات”.33
على وفق المعلومات المتوفرة لم يعلن حتى الآن عن أية ممارسات مناهضة لأتباع هذا الدين بإقليم كردستان العراق، ولهم اليوم معبد بمدينة السليمانية. ومن المعروف إن هذا الدين من الأديان التبشيرية، وبالتالي يسعى اتباعه إلى كسب المريدين والمعتنقين له. ويمكن أن تثير هذه المسألة القوى الإسلامية السياسية المتطرفة التي لا ترفض الأديان الأخرى فحسب، بل وترى ضرورة أن يدخل جميع الناس في الإسلام، شاءوا ذلك أم ابوا! وقد برزت اتجاهات متباينة في الموقف من الاعتراف الرسمي بهذا الدين بالإقليم، كما ورد في مقال للسيد عبد الجبار العتابي. فهناك من رحب بذلك حين قال:
“باتت الظواهر الفكرية والاجتماعية كثيرة، وبخاصة فيما بعد زلازل التغيير وشعور المواطن انه امام مفهوم جديد، لم يألفه من قبل”. وتابع قوله: “الزرادشتية مبدأ اخلاقي وقيمي فاعل، وهو الاقرب الى روح التصوف الاسلامي، والسؤال كيف ولماذا التجأ الشباب الى هذا الدين، ما الذي وجدوه مغايرًا عمّا هو سائد في كردستان وربما العراق كاملًا؟ لابد من بحث واجابة”.34 وهناك عالم دين مسلم اعتبر “مسألة التحدث في الموضوع نوعاً من الهذيان، قائلاً إن التحدث فيه كفر والحاد، مشددًا على قول الله سبحانه وتعالى (ان الدين عند الله الاسلام).354
أكد لقمان الحاج كريم، رئيس المجلس الأعلى للزرادشتية (منظمة زند)، وجود 100 ألف شخص يعتنق هذا الدين بالإقليم. كما أكد بأن المنظمة لن تمارس السياسة، بل ستركز في عملها على الجانب الديني فقط.31 ومع ذلك يمكن أن يصطدم هذا التوجه بالقوى الإسلامية السياسية بالإقليم أو بالعراق عموماً، كما هو الحال في الموقف من اتباع الديانات الأخرى التي تتعرض إلى الكثير من المصاعب والمتاعب والتهديدات والتشريد والتهجير والقتل بالعراق والتي تقف وراءها المليشيات الطائفية المسلحة وقوى الإرهاب التكفيرية، شيعي وسنية، كما تطرقنا إليها في الصفحات السابقة. إن من واجب المسلمين والمسلمات أن يفكروا بثلاث مسائل هي:
1. الأهمية القصوى لضمان حرية العقيدة واعتناق الدين الذي يراه الفرد مناسباً له، أو لا يعتقد بأي دين أو مذهب. فهذا الموثق يشكل جزءاً أساسياً من حقوق الإنسان التي لا يجوز المساس بها بأي حال.
2. لماذا تتخلى جمهرة من الشبيبة من أتباع الدين الإسلامي عن دين الإسلام والتحول صوب إلى الإلحاد، كما تشير إلى ذلك أخبار العراق، أو ما يطرحه بعض الوعاظ المتشددين في مجالسهم الدينية، في الفترة الأخيرة، والتي بدأت جمهرة من شيوخ الدين المتخلفين تثير الضجة حول هذا الموضوع ولا يسألون أنفسهم، لماذا يتحول هؤلاء الشباب، إن صح ذلك، إلى ملحدين؟
3. إن من حق الإنسان أن يتحول من دين إلى دين آخر، ولا يجوز المساس بهذا الحق بأي حال، ولا يجوز استخدام العنف في كسب أو فرض الدين الإسلامي على الناس، أو من جانب أي دين آخر، ولا يجوز ممارسة التشريد والقتل والسبي والاغتصاب، كما حصل بالعراق من جانب قوى الإسلام السياسي المتعصبة والمتطرفة والإرهابية منذ العام 2003 حتى الوقت الحاضر لفرض الدين الإسلامي على الناس.
المصادر والهوامش
1. أنظر: فيليب سيرنج، رمزية العناصر الأربعة، ترجمة عبد الهدي عباس، موقع غاستون باشلار Gaston Bachelard.
2. أنظر: مثرا، موقع المعرفة الإلكتروني، أخذ المقتطف بتاريخ 17/05/2018.
3. أنظر: زهير كاظم عبود، الزرادشتية، بغداد، 2015، دون ذكر دار النشر، ص 20/21.
4. Siehe: Heiko Diadesopulus, Zoroaster: Urvater der Religion des Umbruchs,
Philognosie, Wissen gestaltet die Welt, 08.09.2017.
5. أنظر: زهير كاظم عبود، الزرادشتية، مصدر سابق، ص 42.
6. أنظر: زرادشت Zoroaster (ZOHR-oh-as-tər)(Avestan: Zaraϑuštra)، موقع المعرفة، 17/05/2018.
7. أنظر: آمنة محدادي، فلسفة الدين الزرادشتية، موقع الحوار المتمدن، المحور: الفلسفة، علم النفس، وعلم الاجتماع العدد 4744، 10/03/2015.
8. أنظر: الزرادشتية، موقع الميثولوجيا والتاريخ، (الآي 44 من الجاتها ياسنا)، مدونة تعنى بعرض ودراسة الميثولوجيا والتاريخ والأديان،
9. أنظر: الديانة الزرادشتية، موقع آريايى أم، أخذ المقتطف بتاريخ 21/05/2018.
10. أنظر: القرآن، سورة الأعراف، مكية، الآية 12.
11. أنظر: أياد العطار، أبراج الصمت.. تنشر جثث الموتى لتأكلها النسور!، موقع كابوس، أخذ المقتطف بتاريخ 21/05/2014.
12. أنظر: صبري المقدسي، الزرادشتية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية، موقع الحوار المتمدن، المحور: دراسات وأبحاث في التاريخ والتراث واللغات، العدد، 4083، في 05/05/2013.
13. أنظر: زهير كاظم عبود، الزرادشتية، بغداد، 2015، دون ذكر دار النشر، ص 123.
14. أنظر: المصدر السابق نفسه، ص 4.
15. أنظر: خليل عبد الرحمن، “أفستا: الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، روافد للثقافة والفنون، 2008.
16. أنظر: أبستاق، موقع الموسوعة الحرة، ويكبيديا. 21/05/2018.
17. أنظر: زهير كاظم عبود، الزرادشتية/ مصدر سابق، ص 86.
18. حامد عبد الصمد، باحث في الإسلام، هل الإسلام مقتبس من الزرادشتية؟ ستصدم عندما تعرف الحقيقة عقائد وشرائع الاسلام مسروقة من الزرادشتية.. معقول!، youtupe، بتاريخ 11/04/2018. 19
19. أنظر: محمد اسين، فكرة عن تناسخ الأرواح وإمكانية التجسد من جديد، موقع أصوات مهاجرة، شؤون ثقافية، 08/07/2016.
20. أنظر: المصدر السابق نفسه.
21. أنظر: المصدر السابق نفسه.
22. أنظر: خالد علوكة، تناسخ الأرواح، موقع الحوار المتمدن، محور العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني، العدد 3890، في 24/10/2912.
23. أنظر: زهير كاظم عبود، الزرادشتية/ مصدر سابق، ص 181.
24. أنظر: القرآن، سورة الحج، الآية 17. السورة مدنية، وأربع آيات منها مكية.
25. أنظر: زهير كاظم عبود، الزرادشتية/ مصدر سابق، المدخل، ص9.
26. أنظر: المصدر السابق نفسه، ص 197.
27. أنظر: ساسانيون، الموسوعة الحرة، ويكيبيديا، أخذت المعلومات بتاريخ 23/05/2018.
28. أنظر: محمد بن جرير الطبري أبو جعفر، تاريخ الطبري، تاريخ الأمم والملوك المؤلف، صدر بخمسة أجزاء، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ/ 1987م.
29. أنظر: الدكتور علي الوردي، وعاظ السلاطين، دار كوفان-لندن، 1995. ص 209.
30. أنظر: المصدر السابق نفسه، ص 209/210.
31. أنظر: المصدر السابق نفسه، ص 2010.
32. أنظر: مشروع دستور اقليم كوردستان – العراق، المجلس الوطني الكردستاني، بتاريخ 24/09/2006.
33. أنظر: عبد الجبار العتابي من بغداد، جدل في العراق حول تأسيس مجلس الديانة الزرادشتية، إيلاف، 06/05/2015.
34. أنظر: المصدر السابق نفسه.
35. أنظر: الزردشتية تعود إلى كردستان بسبب التطرف الديني، موقع السومرية نيوز، بتاريخ 2 حزيران/يونيو 2015.

برلين في 24/05/2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here