“لماذا العراق يشبه ألاسكا”

الكاتب: لقمان عبد الرحيم الفيلي

خلال زيارتي الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأميركية, زرت بعض الولايات لإلقاء محاضرات حول وضع العراق وتطوره الديمقراطي. وكان موضوع هذه المحاضرات “عراق ما بعد الحرب: ما هو القادم”. وشملت الرحلة زيارة لمدينتين رئيسيتين في ولاية ألاسكا، عاصمتها التجارية أنكورج وعاصمتها السياسية جونو. وعلى الرغم من أن محاضراتي وحديثي الاعلامي كانت تركز على العراق، إلا أنني كنت أيضا حريصاً على التعلم من تجربة ألاسكا نفسها المتمثلة في وجود اقتصاد ريعي تعتمد فيه الدولة في غالبية إيراداتها على إنتاج النفط وتصديره. ونتيجة لذلك، التقيت بمسؤولين رئيسيين في إدارات الطاقة والمالية للولاية. من المفيد أن نتذكر أن العديد من ملامح الدول التي تعتمد بشكل كبير على تصدير النفط تطبق على ألاسكا أيضاً. فيما يلي بعض الحقائق والدروس المفيدة التي يجب ان نتعلمها من أجل وضعنا العراقي.

• يحصل الموظفون الحكوميون على أجور سخية لساعات العمل الإضافية (بمقدار راتب ونصف ) لأكثر من ثماني ساعات من العمل في يوم واحد.

• الحد الأدنى للأجور في ألاسكا هو 9.84 دولار في الساعة وهو أعلى من معظم الولايات الأميركية الأخرى.

• تتخلى الدولة عن ضريبة المبيعات وضريبة الدخل لمواطنيها، ولديها أدنى نظام ضرائب في الولايات المتحدة.

• بلغ معدل البطالة في الدولة 7.3 بالمئة ، وهو أعلى من المعدل الوطني البالغ 4.1 بالمئة.

• خلال تشييد خط أنابيب ترانس ألاسكا في السبعينيات من القرن الماضي، غمرت شركات النفط خزينة الولاية بالأموال المدفوعة مقابل عقود الإيجار لاستكشاف وتأمين حقوق الحفر. وقد تم صرف المبلغ الكلي البالغ 900 مليون دولار في غضون بضع سنوات.

• عندما اكتمل خط الانابيب أدرك سكان ألاسكا أنهم على وشك الحصول على الكثير من المال من النفط. وكانوا يرغبون في تحسين دخلهم القوي القادم من هذه الخطوط، ولكن دستور الولاية الخاص بهم لم يسمح بتخصيص أموال في هذا المجال. لذلك صوت سكان ألاسكا في عام 1976 على تعديل الدستور (مقتطف أدناه) لوضع ما لا يقل عن 25بالمئة من أموال النفط في صندوق مخصص سُمي بـ(الصندوق الدائم)، وهذا من شأنه أن يوفر الأموال للأجيال القادمة عندما لا يعد النفط مصدر دخلهم الرئيس. دستور ألاسكا المادة التاسعة ، الفقرة 15، صندوق ألاسكا الدائم. {{يجب أن يكون ما لا يقل عن 25بالمئة من إجمالي إيجارات عقود التأجير التمويلي، والعائدات، وعائدات البيع الإجباري، ومدفوعات اقتسام العائدات المعدنية الفيدرالية والمكافآت التي تتلقاها الدولة في صندوق دائم، يستخدم رأس مالها فقط من أجل تلك الإيرادات. الاستثمارات المنتجة بشكل محدد والمعينة من قبل القانون باعتبارها مؤهلة لاستثمارات الصندوق الدائم. تودع جميع إيرادات الصندوق الدائم في الصندوق العام ما لم ينص القانون على خلاف ذلك}}.

• بدأ إنتاج النفط في ألاسكا خلال سبعينيات القرن العشرين، وبلغ ذروته عند مليوني برميل يومياً خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن ذاته، وفي السنوات السبع عشرة الأخيرة، أخذ يتراجع الانتاج وأصبح الآن أقل من نصف مليون برميل في اليوم.

• يحصل كل سكان ألاسكا كل عام على عائدات سخية من مبيعات النفط. على سبيل المثال في عام 2018، سيحصل سكان ألاسكا الدائمين على أموال من الصندوق الدائم المموَّل من النفط على مبلغ 1600 دولار للشخص الواحد. الشرط الوحيد للتأهيل هو أنه يجب عليهم الإقامة هناك لمدة سنة تقويمية كاملة. ويُستمد المبلغ المدفوع إلى سكان ألاسكا من صيغة تبلغ متوسط دخل الصندوق الدائم على مدى فترة خمس سنوات. ومن الناحية النظرية، قُدرت توزيعات أرباح هذا العام بمبلغ 2700 دولار ، غير أنها خُفضت بسبب الإجراءات التشريعية.

• بحلول 31 آذار 2018 ، بلغت قيمة موجودات الصندوق 64.6 مليار دولار.

• أبقى الدفع السنوي من الصندوق الدائم العديد من الأسر المنخفضة الدخل في ألاسكا خارج مستوى الفقر.

• كان لانهيار أسعار الخام العالمية في أواخر 2014 تأثير كبير على إيرادات هذه الولاية ولكنها كانت بمستوى اقل تأثيراً على مدفوعات الصندوق السنوية. ويعزى ذلك إلى مديري الصناديق الذين يستفيدون من ارتفاع سوق الأسهم وكذلك استثمارات العقارات والأسهم الخاصة.

• ساهم الانخفاض الحاد في عائدات النفط في حدوث عجز كبير في ميزانية الولاية وقد يستمر هذا العجز. وقد يصل العجز الحكومي لهذا العام إلى 2.7 مليار دولار ، ويمكن تخفيضه إلى حوالي 700 مليون دولار إذا أقر المشرعون قانونًا يمكن الاستفادة بموجبه من الصندوق الدائم.

• بالنظر الى الهيكلية الاقتصادية الحالية للولاية، فحتى لو حدث اصلاح نظام دخل الصندوق الدائم، فان ذلك سيبقى على الأرجح العجز المالي الكبير للولاية.

• وجود الصندوق الدائم وما يزيد من عائداته يجعل السياسة المالية في ألاسكا اكثر صعوبة وتعقيداً من الولايات الاميركية الأخرى. يكتشف مسؤولو ولاية ألاسكا أن الانتقال من الاعتماد الكبير على عائدات النفط لن يكون سهلاً. تحدي ألاسكا هو نفسي وثقافي وليس مالي وسياسي فحسب. هنا يواجه مسؤولو ألاسكا تحدياً خاصاً لأن إيرادات النفط الضخمة جعلت من السهل نسبياً على المسؤولين استيعاب طلبات كثيرة للإنفاق. والآن يدفع الانخفاض الحاد في عائدات النفط المسؤولين الحكوميين إلى الانتقال إلى واقع جديد يفرض عليهم رفض الحالة السابقة، وبالتالي لا يحظون بشعبية كالسابق. قد يقترح المرء أن الزيادة في أسعار النفط قد تحل هذا التحدي المزمن، فقد ارتفعت أسعار النفط في الأشهر القليلة الماضية، ولكن كما هو الحال دائمًا، من المهم تذكر أن أسعار النفط تتقلب، وبالتالي لا يمكن حل المشكلة المالية من خلال زيادة أسعار النفط وحدها. وفي الوقت ذاته لا يمكن الحفاظ على مستوى الإنفاق، وكلما طال الانتظار ، ينتظر سكان ألاسكا تحديهم المالي وإصلاح اقتصادهم، كلما قل عدد خياراتهم.

دعونا نتحدث الآن عن بلدنا العراق، الا تبدو الملاحظات والحقائق المذكورة أعلاه مشابهة لتحدياتنا المالية والاقتصادية؟ صحيح أن صناعتنا النفطية أكبر بكثير، وبالتالي فإن هناك فرصة اكبر لتحقيق مكاسب مفاجئة من ارتفاع أسعار النفط، ومع ذلك فإن سكان ألاسكا يبلغ عددهم أقل من سبعمائة ألف، بينما نقترب نحن من الأربعين مليونًا. نحن بحاجة ماسة للتعلم من الخطوات الايجابية وأخطاء ودروس تجارب الدول الاخرى، وإلا فإن أطفالنا وأحفادنا سيدفعون ثمن استمرارنا على هذا المنهج الخاطئ وعنادنا في عدم تبني خيارات اخرى. بالتأكيد لا يزال في يدنا اصلاح الحال، اليس كذلك؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here