أبرزها مشكلات اقتصادية قديمة وتفشي البيروقراطية.. هذه هي أكبر تحديات الحكومة العراقية الجديدة

ترجمة / حامد أحمد

من مكتبه في سوق العراق للأوراق المالية، المحاطة بالجدران الكونكريتية والأسلاك الشائكة، يعرب مدير السوق، طه عبد السلام، عن نظرته الجانبية لمشاق اقتصاد العراق المتلعثم، المعتمد كلياً على النفط، منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
وكونه مديراً تنفيذياً لسوق العراق للأوراق المالية على مدى 14 سنة مضت، فهو قادر على أن يستشهد ببعض التطورات والتي تمثلت بإدخال عمليات التبادل التجاري الالكتروني وزيادة نسبها، وحتى مغامرة مستثمرين اجانب بالسوق العراقي للأوراق المالية. ولكن مع ذلك كانت هناك اخفاقات كثيرة أيضاً، حيث أن اقتصاداً متقلباً مثل اقتصاد البلد، قد تأثر كثيراً في ظروف الحرب مع وجود حكومة ضعيفة.

سوق البورصة الهزيلة كانت قد مُنيت بخسائر فادحة عقب سيطرة تنظيم داعش على مايقارب ثلث مساحة العراق، الذي تزامن مع تدهور اسعار النفط بشكل دراماتيكي. ولكنَّ السوق نهض مرة أخرى وسط بروز تفاؤل عقب اعلان بغداد تحقيق النصر على تنظيم داعش في شهر كانون الأول. ثم خسر سوق التبادل المالي حوالي 7% من أسهمه إزاء قيمة الدولار خلال الأسابيع التي سبقت انتخابات 12 أيار البرلمانية في العراق، التي تميّزت بنسبة عزوف قياسية عكست المزاج الكالح لعراقيين محبطين بمظالم اقتصادية مزمنة.
الوقوف بوجه هذا الوضع السلبي وإعادة بناء اقتصاد العراق سيكون أحد اكبر التحديات التي تنتظر الحكومة المقبلة في وقت شرعت فيه أطراف سياسية متنافسة بالتفاوض فيما بينها لتشكيل ائتلاف حكومي.
وقال، عبد السلام، مدير سوق العراق للأوراق المالية في حديث لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية”بالطبع، اذا كانت هناك حكومة قوية فسيكون الأمر ايجابياً، الشعب غير مستعد للانتظار 10 سنوات أخرى، وهذا ماشاهدناه في الشارع. الشعب لديه شجاعة بأن يقول لا لن نقبل بكم مرة ثانية، لأنهم فهموا بأنهم سوف لن يحصلوا على طعامهم، بقولهم : انتم السياسيون قضيتم عشر سنوات دون أن تقدّموا أيّ شيء.”
أمور كثيرة تعول الآن على، مقتدى الصدر. ويعتبر التحالف السياسي الذي يقوده رجل الدين الشعبي، سائرون، في قلب جهود جمع اطراف الحكومة المقبلة بعد بروزه الفائز في عملية التصويت بإحرازه 54 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 329 مقعداً.
السؤال الحيوي المطروح الآن هو فيما إذا كان باستطاعة تحالف سائرون أن يشكّل ادارة حكومية قادرة ولها الرغبة على ايجاد حل للمشكلات التي أثارت غضب العراقيين التي تتراوح مابين البطالة ومحاربة الفساد الى الافتقار للخدمات الأساسية.
بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات قبل أيام قال، الصدر، في تغريدة له على تويتر”لن نخذلكم”. وكان تحالفه الذي ضم شخصيات شيوعية وعلمانية قد وعد بملاحقة الفاسدين وتعيين شخصيات من التكنوقراط. ولكن التجارب التي رافقت العبادي في المرحلة الاولى، والذي من الممكن أن يحتفظ بمنصبه لولاية ثانية، تعكس مدى حجم المهمة الكبيرة التي ستواجهها الحكومة الجديدة.
وقال الباحث، كيرك سويل، صاحب كتاب (داخل الأوساط السياسية العراقية) في حديث للصحيفة البريطانية”احدى المشكلات التي لدى العبادي هو أنه لايملك غالبية فاعلة ولذلك فإنه لايمكنه تمرير تشريع. ولن تكون هناك غالبية فاعلة في الحكومة المقبلة أيضاً. ولكن ستكون هناك جهود واجراءات لمحاربة الفساد وما الى ذلك وقد يتم تطبيق بعض الأشياء ولكن ليس على نطاق واسع. وهذا من الناحية الاقتصادية يُعد شيئاً سلبياً.”
ويضيف، سويل، أن العبادي يعتقد أن الصدريين أنفسهم قد يكونون عقبة أمام إصلاح القطاع العام. مشيراً بقوله :”أينما يحاول العبادي اجراء اصلاحات، ستكون هناك احتجاجات ولايوجد أحد في المنظومة السياسية من يساعده.”
العراق يحتاج الى تغيير بشكل مُلح إذا ما يقوم بفحص الجانب البيروقراطي بشكل دقيق ويجدد مؤسسات الدولة المتمارضة ويشجع الاستثمارات غير النفطية ويقلل من اعتماده على واردات النفط الخام.
الحكومة تعتمد بنسبة 90% على مبيعات النفط لتأمين وارداتها المالية، وقد ارتفعت اسعار النفط اكثر من ثلاثة أضعاف عقب الغزو الاميركي للعراق عام 2003. ولكن لم يحصل هناك أيّ تطور في مجال تنويع مصادر الدخل لاقتصاد البلد وانفقت الحكومة جل ميزانياتها على رواتب الموظفين. واستناداً لاحصاءات صندوق النقد الدولي، فإن فاتورة مصاريف رواتب القطاع العام ارتفعت اكثر من 2.5 مرة عن مستوياتها للفترة مابين 2006 – 2016 وشكّلت نسبة 12% من الناتج المحلي الاجمالي.
قالت الحكومة هذا العام انها تحتاج 88 مليار دولار لأغراض اعادة إعمار المدن المتضررة جراء الحرب ضد داعش، في وقت تم تهجير اكثر من 2 مليون شخص، وإن اكثر من خُمس نفوس العراق يعيشون حالة فقر. واستناداً الى البنك الدولي، فإن الحرب ضد داعش وهبوط اسعار النفط تسببت، منذ العام 2014، بانكماش القطاع غير النفطي بنسبة 21.6 %، قبل أن يعود مرة أخرى للنمو العام الماضي.
وقال مدير الأوراق المالية، عبد السلام”يجب تشريع قوانين تحسّن من خلالها البيئة الاستثمارية والقطاع الصناعي وتوفير فرص عمل. عليك أن تبني البنى التحتية واعادة بناء الاقتصاد من خلال هذه الأمور.”ولكن رجال أعمال يقولون، بأن الدولة وشبكات المحسوبية هما غالباً ماتشكّلان عقبات أمام تحقيق تقدم.
وقال أحد رجال الأعمال”هناك امور احتكارية في كل القطاعات النفطية والمطارات والموانئ، ستجد كل طرف له علاقة بالطرف الآخر”. في حين شكا رجل أعمال آخر، جاء ليستثمر في البلاد بعد سقوط النظام، من البيروقراطية والروتين. ومضى قائلاً”المشكلة الكبرى هي السياق القانوني والبيروقراطية. في بريطانيا جميع موظفي الدولة تطلق عليهم تسمية موظفين عامين، أما هنا فبإمكانك أن تطلق عليهم العبارة المعاكسة وهي أعداء عامين.”
مع ذلك فإنه لايزال يأمل بمستقبل اكثر اشراقاً، مؤكداً بقوله”هناك دورة تعلم.. وقد تستغرق 20 عاماً، لتتمكن من خلق مستوى من الاستقرار والتطبيع، لديّ احساس بأن هذا سيحصل، القدرات الكامنة في العراق كبيرة، مع ذلك فعليك أن تتصارع مع الحكومة.”

عن صحيفة فايننشال تايمز البريطانية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here