الحكومة العراقية المقبلة ودور المتغير الاميركي فيها

رائد كريم الدلفي/ كاتب عراقي
بصرف النظر عن الجدل الموضوعي الحاصل في قضية الانتخابات العراقية, وبشأن نسبة المشاركين فيها، والخروقات والمحاصصة؛ الا أن الملاحظ عليها اذ نظرنا لها سنجدها هذه المرة تختلف عن سابقاتها وبألشي الكثير، ما هو هذا الاختلاف؟ وما مدى تأثير وقعه على الحكومة والشعب العراقي؟ اقول:
لم يسجل التاريخ يوما ان من كان مستعمراً او محتلاً لبلد ما, وخرج منه دون ان يعيد ترتيب اجنداته في ذلك البلد بما يتطابق مع مصالح ومعطيات الحالة التي جرى في ظلها الاحتلال, وقطعاً لاتعد حالة العراق خارجاً عن هذا السياق, فالولايات المتحدة تحملت ما تحملت من تبعات هذا ا لاحتلال, المادية والبشرية على الاقل, حتى انها وضعت نفسها في اتون انتقادات سياسية وقانونية عديدة, وعلى ذلك فان ما حصل في عام 2011م من انسحاب عسكري اميركي من العراق دون آية ضمانات فرضتها او جرى ترتيبها, حيث تعد هذه الحالة اقرب الى الخيال, فأهداف الاحتلال الاميركي لليابان أو كوريا أو المانيا أو غيرها من البلدان الاخرى التي اقل اهمية من العراق بالنسبة لأميركا لا تزل الى الان لم ترحل عنها, فكيف بحال العراق؟
من وجهة نظر مبدئية ومن خلال البرامج الانتخابية والتصريحات الاعلامية المتكررة للرئيس ترامب والتي كان اكثرها تكراراً وتأكيداً هو تحجيم الدور الايراني الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها في الشرق الاوسط, ومن خلال الاستراتيجية التي ادلى بها الدبلوماسي الاميركي المعروف ” مارتن انديك” امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي حول (الاستراتيجية الاميركية تجاه ايران ), اذ قال انديك ان وضع استراتيجية شاملة ضد ايران يعد “أولوية ملحة ” مضيفاً على ذلك عناصر مهمة احدها تشديدهُ على استحالة ازالة النفوذ الايراني بالكامل من العراق, الا انه اشار الى امكانية مواجهة هذا النفوذ, من خلال انخراط السياسة السعودية بشكل جاد مع الحكومة العراقية.
نجد ان هذا سيكون متغيراً معقداً و فاعلاً يُمارس على تشكيل الحكومة اولاً ومن ثم على أدائها المستقبلي ثانياً، وهذا هو الدور أو المتغير الاميركي بالنسبة للحكومة العراقية المقبلة؛ لكن ما الذي يمكن للسياسة السعودية ان تحصل عليه من هذا التقارب الذي طرحه “انديك” وهي مُنذ اليوم الاول للاحتلال الاميركي للعراق كانت رافضة لأي تعاون او تقارب مع الحكومة الجديدة للعراق ما بعد حكم صدام؟ قطعاً هذا متغير اخر ينسجم مع المتغير الاول تماماً أو هو جزءاً منه على الاقل خصوصاً وان للسعودية تحالفاً استراتيجيا مع الولايات المتحدة مُنذ عام 1945م، فما الذي جعل من سياسة السعودية تميل الى احتواء بعض سياسيين عراقيين بعدما كانت ولأكثر من خمسة عشر عاماً تمارس الاقصاء المتعمد لهم ضنّاً منها أنها بذلك تحارب ايران، حتى انها استباحت دماء شعب بأكمله من اجل ذلك, واليوم تُريد منهم أن يعودوا الى هويتهم العروبية “القومية”، لا لشيء الا لأجل تكرار السيناريو الذي حصل مع صدام حسين في حربهِ ضد ايران لثمان سنوات، فما أشبه اليوم بالأمس وهي تتعكز في ذلك على العمق العربي “القومي” ساعية في ذلك لكي يقف العراق “القومي” بوجه ايران “الصفوية”، وحتى لو كانت هذه المرة بعداء ايران من خلال صناعة تشيع عربي وآخر صفوي.
وبالتالي فمن يُعادي ايران فهو عربي خالص العروبة يجب دعمة ودمجة في المنظومة السعودية على غرار ما هو حاصل في اليمن من استمالة طرف ضد آخر، وكذلك ما موجود في لبنان (الحريري).
هذه هي استراتيجية السياسة السعودية تجاه العراق فهي تسعى من خلالها لتحجيم المحور الايراني – العراقي المقاوم لصالح المحور الاميركي “الاسرائيلي” السعودي من خلال بوابته العروبية السعودية، ثم لنشهد بعد ذلك استكمالا للهيمنة الاميركية على كامل السيادة العراقية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here