في الأقتداء الأبتعاد عن السياسة

يبدو ان الحكم في العراق لا يريد ان يخرج من حوزة الأحزاب الدينية على الأقل في المدى المنظور و التي تتقاذفه تارة عند هذا الفصيل الأسلامي الشيعي و اخرى عند ذاك الفصيل و ليس هناك من اختلافات جوهرية كبيرة بينهم و في الأغلب ان تلك الأختلافات هي ما تكون على المناصب و الزعامة اما في المسائل العامة و خاصة الدينية منها فهم في اتفاق كامل و تام و كلهم يعتقدون ان النظرية الأسلامية في الحكم هي التي يجب ان تكون النبراس و المرشد في اداء الحكومة التي سوف يتم تشكيلها من ذلك الحزب او التيار الأسلامي الشيعي و الذي سوف لن يقبل ان يحترم الدستور و القوانيين التي تحض على حماية حقوق الأنسان العراقي الشخصية لأن في ذلك مخالفة صريحة و واضحة للتعاليم الأسلامية التي يؤمنون بها .

ان السؤال المعضلة و الذي لا تستطيع كل هذه الأحزاب الدينية الأسلامية الأجابة عليه و ان توارت خلف اجوبة غير واضحة و غير مفهومة في كيفية التوافق بين العقيدة الدينية الأسلامية و الدستور العلماني ( الى حد ما ) فهذه الأحزاب تمارس اما النفاق او المؤامرة او كليهما معآ فأذا كانت تتماهى مع قوانين وضعية تتيح للمواطن الكثير من الحريات حتى تلك التي نهت عنها الشريعة الأسلامية مثل السفور و الأختلاط و تعاطي الخمور فذلك هو النفاق و التزلف بهدف الوصول الى السلطة و الأستحواذ على الحكم و اما المؤامرة فهي تتخذ من صناديق الأقتراع و من النظام الديمقراطي الذي يسمح لتلك الأحزاب بالمشاركة في الأنتخابات وسيلة للقفز على السلطة و الأستيلاء على مقاليد الحكومة و من ثم الغاء الدستور و انهاء الحياة الديمقراطية و اقامة نظام دكتاتوري ديني اسلامي .

اغلقت صناديق الأقتراع و انتهى موسم الأنتخابات و ظهرت النتائج و كما كان متوقعآ هاهي تيارات اسلامية شيعية تفوز بالمراكز الثلاثة الأولى اما المشتركات التي تجمع فيما بينهم اكثر من تلك التي تفرقهم و ان كانت المنافسة على الزعامات و المصالح و الأمتيازات هي التي تقف حائلآ بينهم و بين توحدهم و ليس تلك الخلافات الفكرية او الفقهية فهم جميعآ درسوا و تخرجوا من مدرسة واحدة ونهلوا من ينبوع عقائدي و فكري واحد لكنها الزعامات الدينية تلك و التي تشبه و الى حد كبير الزعامات العشائرية في ترسخها و تنافسها و التضحية بالكثير من المبادئ و القيم في سبيل الأبقاء على تلك السلالات في واجهة المشهد الديني و السياسي و العشائري .

رهان الشعب العراقي في هذه الجولة الأنتخابية سوف يكون خاسرآ حتمآ كتلك الأنتخابات التي سبقت و التي اوصلت الأحزاب الدينية الطائفية القاصرة و التي حولت الدولة الى فاشلة و هذه الأنتخابات لم تأت بجديد سوى في البعض من الوجوه و الشخصيات الجديدة اما المحتوى فهو لم يتغير قط فبدلآ من حزب الدعوة الأسلامية الذي حكم ما يقارب الفترة كلها التي اعقبت سقوط نظام ( صدام حسين ) و كانت سياسة ذلك الحزب الطائفية و الأقصائية بحكم كونه حزبآ سياسيآ فاشلآ يختص بالشيعة فقط دون سواهم من العراقيين التي ادت الى انهاك ( الدولة ) العراقية في حروب داخلية مدمرة و سياسة اقتصادية قاصرة يشوبها فساد مالي و اداري كبير و لم تكن الخدمات الأساسية و الضرورية للمواطن العراقي في سلم اولويات حزب الدعوة الأسلامية .

لن يخرج التيار الصدري الذي فاز في الأنتخابات الأخيرة و هو فصيل ديني اسلامي مذهبي شيعي من تلك العباءة التي كانت تغطي سلفه حزب الدعوة و لكونه تيارآ طائفيآ هو الآخر سوف لن يكون ممثلآ و معبرآ عن مصالح و طموح جميع مكونات الشعب المتعدد الطوائف و الأديان و بحكم كونه تيارآ اسلاميآ ملتزمآ بمبادئ الشريعة الأسلامية و قوانينها فأنه و من المؤكد سوف يقف بالضد من تلك الفقرات و المواد الواردة في الدستور العراقي الحالي و بالأخص تلك التي تتعلق بالحريات الشخصية لتقاطعها و تعارضها مع ما تدعو اليه احكام الشريعة فهو اي التيار الصدري سوف يكون في موقف صعب و معقد فهو لا يستطيع التغاضي عن تلك المواد الدستورية كونها على النقيض من احكام الشريعة و لا يمكنه كذلك التعامل معها كونها من المحرمات و المحظورات وفق النصوص الدينية .

ازدواجية التعامل او انتهازية التعامل مع النصوص الدستورية و القانونية التي تتميز بها الأحزاب و التيارات الأسلامية فهي تشارك في الأنتخابات البرلمانية بحماس و نشاط و تهدف من وراء ذلك الفوز بالأغلبية النيابية و تشكيل الحكومة القادمة منفردة او متحالفة مع احزاب و كتل اخرى و هي تعلم علم اليقين و تقبل ان تكون تحت مظلة دستور علماني يفصل الدين عن الدولة و فيه بنود و فقرات تتعارض مع احكام الدين و تتناقض معها و مع كل هذه الأشكالات الشرعية و الدينية كانت تلك الأحزاب مصرة على التمسك بالحكم بكل قوة و عزم لما يدره من موارد مالية ضخمة و ضرورية في تمويل انشطتها السياسية و العسكرية و الأعلامية و ان كانت تلك الأموال تجبى من اماكن مشبوه و طرق نهى عنها الدين و حرمها .

اختلفت مسميات الأحزاب الدينية و عناوين التيارات و تنوع الزعماء و القادة الا انهم في اتفاق تام في الأستيلاء على القصر الحكومي ما امكن الى ذلك سبيلا و ان كانت تلك الأحزاب و التيارات تؤمن حقآ و كما تدعي بالسيرة الحسنة و الأقتداء بالسلف الصالح من الأئمة الأجلاء و العلماء الأعلام الذين فضلوا الأبتعاد عن دهاليز السياسة المعتمة و مؤامرات السياسيين الغادرة و التي لم تكن بأي حال من الأحوال تناسبهم تلك الممارسات غير الأخلاقية بما عرف عنهم من سمو في الأخلاق و نبل في التعامل فكان الأحرى بهذه الأحزاب و التيارات الشيعية الأقتداء بنهج الأئمة الأخيار و العلماء الأحبار و الأبتعاد عن الميدان السياسي بكل محتوياته من غدر و تآمر و خداع و التي تتنافى بشكل جذري مع المبادئ الأخلاقية السامية في الصدق و الشهامة و الأخلاص التي لطالما نادت بها كل الأديان و صدحت بها حناجر الأنبياء و الرسل .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here