الموضوع / بائعة القيمر

———————– بقلم : ضياء محسن الاسدي
(( مرحلة من مراحل القرن العشرين وبالتحديد بداية الثمانينيات منه كانت الحرب العراقية الايرانية قد دارت رحاها على قدم وساق ليكون وقودها من الطرفين شيوخها وشبابها الورود المتفتحة توا ليقضوا فيها أروع سنين حياتهم وشبابهم في محرقتها التي لم نعرف كيف ولماذا شنت هذه الحرب حينها كان المقاتل يقضي حوالي الشهر في أتون المعارك الطاحنة خارج أسرته الا سبعة أيام يقضيها بين مسافة الطريق والاهل حتى يعود لها ثانية مجبرا اليها خوفا وقلقا من المستقبل . فأصبحت الان في حكم الذكريات المؤلمة والتعيسة كانت لحظات صعبة حين يعود من الاجازة تاركا الاب والام والاخت والزوجة والحبيبة ليلتحق الى جبهات القتال وينطلق الى رحلة الموت ثانية عبر احدى الكراجات الشمالية والجنوبية ( كراج العلاوي ) و(كراج النهضة ) بأسطول من قوافل الباصات المعدة لهذا الغرض فكان مع الفجر ذكريات نعيشها بعد انتهاء كل اجازة نقضيها مع الاهل حيث كان الجنود يتجمهرون حول النار المتقدة هنا وهناك على أرصفة الشوارع الممتدة أمام كراج العلاوي لكي ينعموا بالأفطار الصباحي قبل ركوب الحوافل التي تقلهم الى ساحات الحرب لا تسمع الا أصوات المعالق وهي تتراقص وتغرد بين أنامل المقاتلين وهم يحتسون الشاي والحساء ورنة أقداح الشاي العراقي المعمول على مواقد الفحم بنكهته الخاصة والرجال والنساء المبعثرون هنا وهناك بأصواتهم التي تحاكي الفجر والظلام الذي يهيمن على الشوارع ومن بين هؤلاء الباعة المتجولين كانت فتاة في ريعان شبابها بحجابها الجنوبي المعروف والمميز الذي يزيد من جمال وجهها الرباني الدائري المشرق يشع بنوره ليحاكي ضياء البدر المعلق في كبد السماء قبل أن يغادرها مسلما مهمته الى نور الشمس المنتظرة بشغف صباحا لتنير سماء بلادي التي كانت تعيش حزنها . كانت الفتاة تفترش الشارع بالأناء الكبير الدائري ( الصينية ) من القيمر العرب الجنوبي وطعمه الذي لا يقاوم وبجانبه أقداح من أنواع المربى والصمون الحار يرافقها شاب قريب لها بموقده الناري من الفحم وأقداح الشاي التي تحتضنها أكف المقاتلين المسورين من حولها وهي بينهم بأشراقتها الجميلة وابتسامتها البريئة تنثرها من حولها بلكنتها ولهجتها الجنوبية تزرع في نفوس المقاتلين البسمة والفرحة لتخفف عنهم وطئت التفكير في الايام القادمة من المجهول وعن ثقل الحرب وأوزارها الجاثمة على صدورهم في كل يوم وهم في ساحات القتال وهم بالمقابل يطلقون بعض الكلمات بصيغة الاطراء عليها مع ابتسامة كأنهم يردون الجميل لها ببعض المفردات التي تعبر عن أعجابهم بها كان هذا يسبب لها المشاكل مع البائعات الجبن والقيمر الاكبر منها سننا وفي كثير من الاحيان ينتهي بالمشاجرة كما نسميها غيرة النسوان مع بعضهن البعض بعدها تأخذ الفتاة بائعة القيمر تلملم أغراضها وأدواتها الفارغة على عجل قبلهن لتودع الصباح بازدراء صويحباتها الممتلئات حسدا وغيرة بعد ما يغادرها المريدون لها من الجنود الى يوم آخر وفجر جديد بابتسامة جديدة واشراقة صباحية جديدة ……………)) بقلم / ضياء محسن الاسدي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here