تأملات في القران الكريم ح388

سورة النجم الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم

أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى{20}
تستمر الآيات الكريمة ذاكرة اهم الاصنام التي اشتهرت بين مشركي العرب , قال عنها القمي في تفسيره ” اللات رجل والعزى امرأة ومناة صنم بالمسلك الخارج من الحرم على ستة أميال” .

أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى{21}
الآية الكريمة تخاطب المشركين منكرة عليهم ( أَلَكُمُ الذَّكَرُ ) , ترضونه لأنفسكم , والذي يعد رمزا للقوة والتكاثر والمفاخرة , ( وَلَهُ الْأُنثَى ) , وتجعلون لله تعالى الاناث التي لا ترضونها لأنفسكم , حيث اشتهرن عندكم بالضعف ومجلبة العار الى غير ذلك .

تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى{22}
تستمر الآية الكريمة ( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ) , تلك قسمة جائرة , غير عادلة .

إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى{23}
تقرر الآية الكريمة :
1- ( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم ) : اشارة الى تسمية الاصنام , حيث لا شيء فيها يدل على الالوهية سوى اسماء اطلقوها هم واباءهم عليها .
2- ( مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ) : ما انزل الله تعالى مجده حجة او برهان لهم في عبادتها والتقرب اليها , او حتى شفاعتها كما زعموا .
3- ( إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ) : فهم في ذلك يتبعون :
أ‌) الوهم .
ب‌) الاهواء .
ت‌) تقليد الاباء .
ث‌) تزيين الشيطان .
( وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى ) , الرسول الكريم محمد “ص واله” والقرآن الكريم , لكنهم اعرضوا عنه متمسكين بما ورثوه .

أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى{24}
الآية الكريمة تخاطب المشركين منكرة عليهم ايضا ( أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى ) , بمعنى ليس للإنسان ما يتمناه , وهو قولهم { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ }الزخرف31 , او هو طمعهم في شفاعتها لهم , وايضا قول القائل منهم متمنيا {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ }فصلت50 … الخ .

فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى{25}
تضمنت الآية الكريمة الرد القاطع لكل الاماني ( فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى ) , كلا الدارين لله تعالى , فيفعل فيهما ما شاء .

وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى{26}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ ) , بيانا ودلالة على كثرتهم , ( لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً ) , لا يشفعون , ( إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ ) , استثناء من أذن لهم الله تعالى المأذون لهم , ( لِمَن يَشَاءُ ) , يشاء الله شفاعتهم من الملائكة او الناس , ( وَيَرْضَى ) , ويرضى عن المشفوع فيهم , فكيف تشفع الاصنام لعابديها ؟ ! .

إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى{27}
تستمر الآية الكريمة مقررة ( إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى ) , حيث شاع بين مشركي العرب ان الملائكة بنات الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا .

وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً{28}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ) , ما لهم في هذا الادعاء من علم او برهان , ( إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ) , الوهم والاهواء , ( وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) , الوهم “الهوى” شيء لا يدل على الحقيقة , اما العلم فيخالفه تماما , فأن حقائق الاشياء لا تدرك الا بالعلم .

فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{29}
الآية الكريمة الرسول الكريم محمد “ص واله” ( فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا ) , اعرض عن دعوته الى الايمان , بعد انصرافه واعراضه عنه , ( وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) , فأن الدنيا شغله الشاغل , انهمك فيها وصارت منتهى همته وغايته ومبلغ علمه , مثله , لا تزيده الدعوة الا اصرارا وعنادا وتشبثا فيها .

ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى{30}
تستمر الآية الكريمة ( ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ ) , ذلك مطلبهم في الدنيا وهي مبلغ علمهم , لا يدركون سوى الماديات والمحسوسات , ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ) , يقرر النص المبارك انه جل وعلا اعلم بمن يجيب ويستجيب الى الهدى ومن لا يجيب او يستجيب , فلا تجهد نفسك في دعوتهم , ما عليك الا البلاغ , وها قد بلغت .

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى{31}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) , ملكا وخلقا وتدبيرا , وفيهما المؤمن والضال , ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا ) , جزاء الاساءة مثلها , ( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) , والجزاء الحسن للمحسنين .

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى{32}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة مبينة احوال المحسنين ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ ) , ما يكبر عقابه وترتب عليه الوعيد , ( وَالْفَوَاحِشَ ) , خصوص فواحش الكبائر , ( إِلَّا اللَّمَمَ ) , استثناء صغار الذنوب , يرى الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ج5 بهذا الخصوص ” يلم بالذنب أي يقاربه وينزل إليه فيفعله وقد طبع عليه أي لعارض عرض له يمكن زواله عنه ولهذا يمكنه الهجرة عنه ولو كان مطبوعا عليه في أصل الخلقة وكان من سجيته وسليقته لما أمكنه الهجرة عنه والهنة كناية عن الشيء” .
( عن الصادق عليه السلام قال الفواحش الزنا والسرقة واللمم الرجل يلم بالذنب فيستغفر الله منه .
وعنه عليه السلام ما من ذنب إلا وقد طبع عليه عبد مؤمن يهجره الزمان ثم يلم به وهو قول الله تعالى الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم قال اللمام العبد الذي يلم بالذنب ليس من سليقته أي من طبيعته وفي رواية قال الهنة بعد الهنة أي الذنب بعد الذنب يلم به العبد وفي اخرى قال هو الذنب يلم به الرجل فيمكث ما شاء الله ثم يلمه به بعد ) . “تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني” .
( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) , تقرير لسعة مغفرته جل وعلا , فله جل وعلا ان يغفر ما يشاء من الذنوب , ويرتب المغفرة على الصغائر في اجتناب الكبائر , ( هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ ) , من انفسكم , ( إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ) , اصل الخلقة , ( وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ) , حيث خلقكم من التراب وصوركم في الارحام , ( فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ) , فلا تمتدحوا او تثنوا على انفسكم على سبيل الاعجاب بطهارتها وحسن العمل والتمكن من اجتناب الذنوب وهجرتها , ( هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) , فهو جل وعلا يعلم التقي منكم ممن سواه .
( عن أمير المؤمنين عليه السلام ولو لا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجها آذان السامعين .
عن الباقر عليه السلام في هذه الاية قال يقول لا يفتخر أحدكم بكثرة صلاته وصيامه وزكاته ونسكه لان الله عز وجل أعلم بمن اتقى منكم .
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام إنه سئل عنها فقال قول الانسان صليت البارحة وصمت أمس ونحو هذا ثم قال ان قوما كانوا يصبحون ويقولون صلينا البارحة وصمنا امس فقال علي عليه السلام لكني أنام الليل والنهار ولو أجد بينهما شيئا لنمته .
عن الصادق عليه السلام إنه سئل هل يجوز أن يزكي المرء نفسه قال نعم إذا اضطر إليه أما سمعت قول يوسف عليه السلام اجعلني على خزائن الارض إنى حفيظ عليم وقول العبد الصالح وأنا لكم ناصح أمين ) . “تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني” .

حيدر الحدراوي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here