أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (١٧)

نــــــــــزار حيدر
{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}.
الفرقُ كبيرٌ جدّاً بين مَن ينظر إِلى الأَشياء والأُمور بسطحيَّةٍ وسذاجةٍ وبين مَن ينظر إِليها بوَعيٍ وعُمقٍ! فالأَوَّل يُخدع بُسرعةٍ ولا يستوعب الحياة بسهولةٍ وهو يَكُونُ في الفِتنِ الظَّهر المركوب والضَّرع المحلوب دوماً على العكسِ تماماً من وصيَّة أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) الذي يقول {كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ لَا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ وَلَا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ}.
العاقلُ هو الذي يتعمَّق في الرُّؤية والتَّفسير ليس إِزاء الخبر والكلام والحدَث وإِنَّما إِزاء كلَّ ما يراهُ ويسمعهُ سواء كانت الأَشياء ماديَّة أَو معنويَّة!.
فالدِّينُ مثلاً لا يتعامل معهُ تعامُلاً سطحيّاً فيظنُّ أَنَّهُ مجرَّد طقوس ورِياضات روحيَّة ليس أَكثر، وإِنَّما هو أَخلاقٌ وتعاملٌ وسيرةٌ ومسيرةٌ وسلوكٌ يوميٌّ!.
إِذا تعاملَ معهُ بالفهمِ الأَوَّل فسيأخذ مِنْهُ ما يحِبُّ ويفسِّرهُ كيف يشاء بما يُحقِّق ذاتهُ ومصالحهُ الشَّخصية.
وَلقد قَالَ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَقَدْ سَمِعَهُ يُرَاجِعُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَلَاماً {دَعْهُ يَا عَمَّارُ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الدِّينِ إِلَّا مَا قَارَبَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَعَلَى عَمْدٍ لَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ لِيَجْعَلَ الشُّبُهَاتِ عَاذِراً لِسَقَطَاتِهِ}.
أَمّا إِذا استوعب الدِّين بالمفهومِ الثَّاني فسيوظِّف كلَّ العبادات الشخصيَّة لتزكية النَّفس وتحسين الأَداء الإِجتماعي على قياسِ قولِ الله تعالى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} فهو يفهمُ أَنَّ هَذِهِ الحركات المُتعارف عليها سوفَ لن تَكُونَ صلاةٌ إِذا لم تُحقِّق الهدف منها والمُتمثِّل بالنَّهي عن الفحشاءِ والمُنكر.
وهكذا بقيَّة العِبادات.
يَقُولُ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) {كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالظَّمَأُ وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ وَالْعَنَاءُ حَبَّذَا نَوْمُ الْأَكْيَاسِ وَإِفْطَارُهُمْ}.
هذا هو الفرقُ بين أَن تنظرَ إِلى مُحتوى الأَشياء أَيّاً كانت وإِلى ظواهرِها.
يَقُولُ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) {إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا إِذَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا وَاشْتَغَلُوا بِآجِلِهَا إِذَا اشْتَغَلَ النَّاسُ بِعَاجِلِهَا فَأَمَاتُوا مِنْهَا مَا خَشُوا أَنْ يُمِيتَهُمْ وَتَرَكُوا مِنْهَا مَا عَلِمُوا أَنَّهُ سَيَتْرُكُهُمْ وَرَأَوُا اسْتِكْثَارَ غَيْرِهِمْ مِنْهَا اسْتِقْلَالًا وَدَرَكَهُمْ لَهَا فَوْتاً أَعْدَاءُ مَا سَالَمَ النَّاسُ وَسَلْمُ مَا عَادَى النَّاسُ بِهِمْ عُلِمَ الْكِتَابُ وَبِهِ عَلِمُوا وَبِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ وَبِهِ قَامُوا لَا يَرَوْنَ مَرْجُوّاً فَوْقَ مَا يَرْجُونَ وَلَا مَخُوفاً فَوْقَ مَا يَخَافُونَ}.
لقد كان بعضهُم [مِمَّن ينظرونَ إِلى ظاهرِ العباداتِ] يتصوَّرونَ أَنَّ الصَّدقة [الذَّبيحة مثلاً] تذهب إِلى موائدِ الله تعالى فكانُوا يُقسِّمونها بالتَّساوي بينهُ عزَّ وجل وبينَ شركائهِم! {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلْأَنْعَٰمِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَآئِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ ۗ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} لأَنَّهم كانوا ينظرونَ إِلى ظاهرِ الصَّدقة وليسَ إِلى جذرها والذي هو التَّقوى ومخافةَ الله تعالى {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}.
على صعيدِ البلاءِ والإِمتحانِ كَذَلِكَ فمنهُم مَن يرى ظاهرَ الأَمرِ فإِذا أَنعمَ الله على [مُشركٍ] تذمَّر بالقَول؛ لماذا يحصل المُشرك على كلِّ شَيْءٍ وأَنا المؤمن لا أَحصل على شَيْءٍ؟! مُتجاهلاً أَنَّ الله تعالى سنَّ لكلِّ شَيْءٍ سُنَنٌ وقوانين تمشي على الجميع من دونِ تمييزٍ على أَساس الخلفيَّة! {كُلًّا نُمِدّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاء رَبّك وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّك مَحْظُورًا} فمن يأخذ بها يُنجز ومَن لم يأخذ بها لا يُنجز بغضِّ النَّظر عن الإِيمانِ والكُفر!.
وأَنَّ من سُنَن الله تعالى الإِمتحان والبلاء ليكتشفَ المرءُ حجمَ وعيهِ وبصيرتهِ وصبرهِ على الأَشياء.
يَقُولُ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يصفُ البلاءَ الذي ابتليَت بهِ الأُمَّة في الأَمويِّين {حَتَّى يَظُنَّ الظَّانُّ أَنَّ الدُّنْيَا مَعْقُولَةٌ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ تَمْنَحُهُمْ دَرَّهَا وَتُورِدُهُمْ صَفْوَهَا وَلَا يُرْفَعُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَوْطُهَا وَلَا سَيْفُهَا وَكَذَبَ الظَّانُّ لِذَلِكَ بَلْ هِيَ مَجَّةٌ مِنْ لَذِيذِ الْعَيْشِ يَتَطَعَّمُونَهَا بُرْهَةً ثُمَّ يَلْفِظُونَهَا جُمْلَةً}.
إِذا أَردنا أَن نستوعبَ طبيعةَ الأَشياء فيلزمنا أَن نُغيِّر طريقتنا في النَّظر إِليها فلا نظلَّ ساذجينَ ننظر إِلى الأُمورِ ببساطةٍ وسطحيَّةٍ خاصَّةً فيما يخصُّ الشَّأن العام، وإلا فسيظلُّ عنصر المُفاجأَة هُوَ الحاكمُ علينا دائماً لأَنَّ النَّتائج تأتي على العكسِ ممَّا نتصوَّر دائماً! يَقُولُ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) {أَيُّهَا النَّاسُ انْظُرُوا إِلَى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِينَ فِيهَا الصَّادِفِينَ عَنْهَا فَإِنَّهَا وَاللَّهِ عَمَّا قَلِيلٍ تُزِيلُ الثَّاوِيَ السَّاكِنَ وَتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الآْمِنَ لَا يَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مِنْهَا فَأَدْبَرَ وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ آتٍ مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ سُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ وَجَلَدُ الرِّجَالِ فِيهَا إِلَى الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ وَاعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدُّنْيَا عَنْ قَلِيلٍ لَمْ يَكُنْ وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الْآخِرَةِ عَمَّا قَلِيلٍ لَمْ يَزَلْ وَكُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ وَكُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ وَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ دَانٍ}.
ولا يمكنُ أَن نُغيِّر طريقة فهمنا واستيعابنا للأَشياء إِلّا إِذا كانَ العقلُ حاضراً لنُصغي إِلى الحقائق بشَكلٍ صحيحٍ وسليمٍ كما هي لا كما نُحبُّ ونتمنَّى!.
فليسَ البصرُ هو الذي نعي بهِ الحقائق وإِنَّما البصيرة! ولذلكَ قَالَ تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.
خاصَّةً على مُستوى الشَّأن العام إِذ ينبغي النَّظر إِلى جوهرِ الأُمور فنقرأَ بين السُّطور وليسَ إِلى ظواهرِها لنستوعبَها أَوَّلاً وإِذا أَردنا أَن نُؤَدِّي دَوراً ما نعرف كيف نلجُ إِلى الأُمور وكيفَ نتعامل معها ثانياً!.
١ حُزَيران ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here