لقاء مثير عند محطة ميونيخ : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

على غير سابق انتظار وتوقع التقى رفاق الطريق الثلاثة ، ففرحوا ببعضهم بعضا ، و تعانقوا و تحاضنوا ، مهنئين مباركين ، وهم يعبرون عن فرحتهم وسرورهم بضجة شرقية معهودة و ملفتة لأنظار المسافرين و المارة ، وقد سبق أن تعارفوا على بعضهم بعضا في اسطنبول من خلال بحث عن مهربين قادرين على نقلهم إلى اليونان ومن هناك إلى ألمانيا ، فحكوا عن جملة صعوبات و عراقيل قاهرة ودائمة التي واجهتهم في مسيرتهم الطويلة والمنهِكة ، عبر غابات و دروب برية متعرجة و شائكة ، مع معاناة شديدة رافقتهم على طول الطريق و كادت أن تودي بقسم منهم إلى هاوية موت محقق ، فضلا عن خوف و قلق دائمين من احتيال المهربين و من دوريات شرطة حدود دولية هنا و هناك ، قد تلقي القبض عليهم و ترجّعهم و إلى من حيث انطلقوا ، بحيث يذهب كل جهودهم و تعبهم ونقودهم هباء منثورا مع آمالهم العريضة سوية ..

فكانوا يرددون بين فترة و أخرى مهنئين مرارا :

ــ الحمد لله .. الحمد لله ..وألف شكر له على السلامة يا اخي المسلم ..

ثم أظهروا صورهم السابقة في هاتفهم الذكي وهم في ملابسهم الرثة وبوجوه و أسارير منكسرة و مثقلة بآثار تعب وإنهاك ، وقد تدلت على كتافهم أو ظهورهم حقيبة رياضية صغيرة تحتوي كل ما يملكون من قوت الطريق ، ، وهم يدّبون على شكل حشود و طوابير لامتناهية في طرقات خلفية ، وعند محاذاة غابات كثيفة ، و عند أطراف قرى نائية في مدن تركية و يونانية و مقدونية أو صربية أو هنغارية ، وهم يضحكون الآن ، مبتهجين و متبادلين نظرات إعجاب و تباه و زهو حول ملابسهم الحالية و الأنيقة والتي باتوا يمتلكونها الآن ، بدلا من الملابس الرثة و المتسخة السابقة ،ملابس جديدة تتكون ولامعة من بناطيل جنز من أحدث موديل و كذلك قمصان وبلوزات التي يرتدونها الآن بعد الوصول إلى بر الأمان في ألمانيا ، مع حذاء رياضي من نوع جيد و فاخر، بعد ذلك ، يأخذون بسرد و توضيح كيفية الحصول على مثل هذه الألبسة والأحذية الفاخرة بدون دفع فلس واحد ..

ثم يضحكون و يضيفون كأنما من باب التشجيع :

ــ حتى لو مسكك الحارس الأمني للمتجر فأنه بمجرد أن يعرفك لاجئا يتركك لحالك ، مكتفيا بأخذ الألبسة أو الأحذية منك فقط ..هم أناس طيبون عموما هؤلاء الألمان ، أنا سمعت أنو ميركل قالت أي شيء يفعل اللاجئون خليهم لحالهم ما بدي حدا يمس شعرة من رؤوسهم ..هي طيبة بس مع الأسف نسوانهم وبناتهم ” شرميط وقحاب ” بزهم طالع على نص و كذلك أفخداهن ..

و دعما لما قاله هذا أضاف الثاني بأنه مع صديقه الآخر من المغرب العربي قد مسكا بإحدى البنات التي كانت تمارس رياضة الركض عند حافة إحدى الغابات القريبة وجرجراها إلى خلف أكمة و أحراش كثيفة ، و مارسا معها الجنس بالرغم من مقاومتها الشديدة و صراخها و عويلها ، ” طبعا صراخها كشيء من تمثيل حتى تتدلل علينا و كأنها موش راضية القحبة ، بس هي في قرارة نفسها كانت مبينة مرتاحة كتير ، حتى أنا حسيت كأنو ظهرها أجة ” عبر عن اعتقاده الجازم أحدهم ..

و في هذه الأثناء ، بينما كانوا هم منخرطين بتبادل أحاديث وجدوها ” شيقة و طريفة ” و بأصوات عالية جدا أقرب إلى زعيق و صراخ ضجت منها محطة القطار وجدوا أنفسهم محاطين ببضعة من رجال بوليس فجأة ، يطلبون منهم هويتهم الشخصية أو وثيقة لجوء أو تصريح بالإقامة ، أو أي شيء من هذا القبيل ، فما هي إلا بضع دقائق و بعد اتصالات سريعة من قبل البوليس إلى جهة ما ، و عرض و تشخيص صور ومعلومات شخصية ثبوتية ، قيَّد رجال الشرطة أيدي اللاجئين الثلاثة إلى الخلف ، طالبين منهم التوجه معهم نحو سيارة الشرطة الواقفة عند الرصيف بأضوائها الوامضة كرمشة عين سريعة .

فأخذ اللاجئون الثلاثة يطمئنون بعضهم بعضا ، قائلين بأن الشرطة حتما لا تعرف بأنهم قد حصلوا على حق اللجوء وأنها سرعان ما تطلق سراحهم بعد التأكد من ذلك ، غير أن المفاجأة الكبيرة و الصاعقة كانت في انتظارهم داخل سيارة الشرطة حيث كانت تجلس البنت المغتصبة التي دار الحديث حولها قبل لحظات ..

فما أن انطلقت سيارة الشرطة بهم حتى خيم السكون المعتاد على المحطة من جديد .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here