العراق… ازمة المياه التاريخية وغياب التخطيط

أن الماء شريان الحياة ولا يمكن الفصل بين الماء والحياة احدهما يكمل الاخر و يشكل الماء 70% من وزن الجسم البشري ويمثل ضرورة للزراعة التي يتغذى عليها الإنسان، لذا فإن الأمن الغذائي يرتبط ارتباطا وثيقا بأمن المياه و تتوقع المؤشرات المائية العالمية، وابرزها “مؤشر الاجهاد المائي”، ان العراق سيكون ارضاً بلا انهار بحدود 2040، ولن يصل النهران العظيمان الى المصب النهائي في البحر. وبعد ثماني اعوام (2025) ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جداً في عموم العراق مع جفاف كُلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول دجلة الى مجرد مجرى مائي صغير محدود الموارد وتقدر كمية المياه العذبة بحوالي 3% من جملة مياه العالم. ويكتسب الماء العذب أهمية خاصة في جميع دول العالم وتقول الاية الكريمة في القران الكريمة وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ( الانبياء 30 ).

لقد فشل حاكم العراق طيلة سنوات حكم الدولة العراقية من ايجاد الحلول السليمة والمناسبة والتعامل بالمثل مع دول الجوار و في فهم التحدي الخطير المتمثل في قطع إمدادات المياه من تركيا إيران وفي الحاضر تمثل أزمة المياه في نهري دجلة والفرات أنموذجا لازمة المياه في الشرق الأوسط وهو دق جرس الإنذار للحكومة العراقية ولجميع المعنيين بحاضر ومستقبل هذا البلد من النتائج والتداعيات الخطيرة وربما الكارثية التي يمكن أن يواجهها مستقبل العراق. التي تقف الحكومة الحالية وهي في ايامها الاخيرة من الحكم مكتوفة الايدي دون ان تستطيع اتخاذ اجراءات يمكن من الحد من الازمة على الاقل والتوجه الى تركيا باعتبارها دولة المنبع وتمتلك ميزة جغرافية واستراتيجيه تتمثل بالسيطرة كاملة على كل من هذين النهرين في مواجهة الدولتين المتشاطئتين معها سوريا والعراق لاقناعها بخطورة الموقف الانساني كجارة مسلمة امام الحجج الواهية والتبريرات المبهمة للمسؤولين في الاعلام فلا تجدي نفعا . للعلم ان المشكلة المائية بين العراق وتركيا برزت لأول مرة في منتصف السبعينات من القرن الماضي بشكل حاد واليوم تتكرر نفس المشكلة بعد انجاز” سداليسو
وهو سد ميولي على نهر دجلة بالقرب من قرية إليسو وعلى طول حدود محافظة ماردين وشرناق في تركيا، وهو واحد من 22 سد ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول والذي يهدف لتوليد الطاقة الهيدروليكية والتحكم في الفيضان وتخزين المياه وسيوفر السد طاقة مقدارها 1.200 م.و وسيكون خزان سعته 10.4 بليون و انشاء السد بدأ في 2006 وتم إنشاء حزان سيزره الأصغر على مجرى النهر للري والطاقة و غرق حصن كيفا القديم على اثره و إخلاء السكان المقمين في المنطقة لهذه الأسباب و فقد السد التمويل الدولي في عام 2008 “والحادث الاول الذي أثارالخلاف بعد انجاز تركيا بناء سد كيبان بين البلدين احد السدود الضخمة لتخزين المياه فيه بعد ان بلغ نقص المياه في العراق حدا كبيرا وسبب العجز في الميزان المائي بين العرض المحدود والطلب المتزايد على المياه .وللعلم ان نهري دجلة والفرات متجاوران مع بعضهما البعض مروراً بالعديد من الدول، فنهر دجلة ينبع من جنوب شرق الأناضول في تركيا تحديداً من جبال طوروس، ومن ثم يمر بسوريا في ضواحي مدينة القامشلي على نحو خمسين كيلو متراً منها، ومن ثم يستمر ليدخل بلدة فيش خابور في الأراضي العراقية، ونهر الفرات أيضاً ينبع كقرينه من جنوب شرق الأناضول في تركيا تحديداً من جبال طوروس، كما أنه يتكون من نهرين هما النهر الشرقي مراد صو والنهر الغربي قره صو”.

بالرغم من وجود اتفاقيات ثلاثية وثنائية سابقة عقدت بين العراق وسوريا وتركيا منذ عام 1920 لتقسيم المياه في ما بينها، والتي كان آخرها عام 2008 بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان خلال زيارته للعراق، وبالرغم من معاهدة الصلح بين تركيا والحلفاء التي عقدت في لوزان عام 1923، وهي اتفاقية متعددة الاطراف تضمنت نصاً خاصاً يتعلق بمياه نهري دجلة والفرات، حيث جاء في المادة 109 من هذه الاتفاقية أنه لا يسمح لأية دولة من هذه الدول الثلاث بإقامة سد أو خزان أو تحويل مجرى نهر من دون أن تعقد جلسة مشتركة مع الدول الأخرى وتستشيرها لضمان عدم إلحاق الأذى به إلا ان تركيا غير مبالية بتلك الاتفاقات
.اذاً لم تكن ازمة المياه الحالية وليدة اليوم حيث تتعرض اكثر المحافظات الى ازمة حادة والاكثر الجنوبي منها هي الأكثر سوءا منذ سنوات، وباتت تهدد بتوقف مشاريع المياه الصالحة للشرب، بعد أن أثرت بشكل كبير على جميع الأنشطة الزراعية في المحافظات وخاصة التمن الذي يحتاج الى كميات كبير من الماء ولهذا فقد منعت وزارة الزراعة زراعته في هذا العام بنسبة كبيرة وحددت وزارة الموارد المائية ارواء ما يقارب من 600 الف دونم من المحاصيل الصيفية وحوالي مليون دونم من البساتين فقط هذا العام للحد من الازمة .والتي تعتمد على مياه نهري دجلة والفرات التان تعدان المصدر الرئيسي للمياه، وتليها بدرجة أقل مياه الأمطار والمياه الجوفية، وتقدر كمية مياه الأنهار في العراق بنحو 77 مليار متر مكعب سنويا، في المواسم الجيدة، ونحو 44 مليار متر مكعب سنويا في مواسم الجفاف، في حين يقدر إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق بنحو 53 مليار متر مكعب سنويا، مما يعني حدوث عجز في السنين الجافة التي تشهد تناقص مياه الأنهار وبلاشك فان إن أي حلول ومعالجات لا تنطلق من رؤى وتصورات استراتيجية لأزمة المياه في العراق، وتستند الى الحقائق والمعطيات القائمة على أرض الواقع، ستكون عبثية، والأمر الخطير أو لعله الأكثر خطورة هو حينما تعلق الأزمة على ما يفعله الآخرين وكأن لا جذور أو خلفيات لها في البلاد ، والأرقام المقلقة التي تنشرها وزارة التخطيط عن نسب سكان المدن والأرياف العراقية الذين لا يحصلون على الماء الصالح للشرب، ترتبط بسوء أو غياب التخطيط اكثر من ارتباطها بقلة المياه، وتلك الارقام ليست وليدة الامس أو اليوم… بل هي قديمة جديدة. حيث يعاني العراق منذ سنوات من انخفاض متواصل في الإيرادات المائية، لان الدولتين الجارتين تركيا وايران انشئتا سدود مختلفة لحماية تدفق المياه الى العراق إلا بالنسبة التي لا تسبب ضرار عليها وايصال مايزيد عن حاجتها الينا . وللعلم فقد اتفق العراق وتركيا في مارس/آذار 2017 على تفعيل مذكرة التفاهم الموقعة بينهما في 2014، والتي تضمنت 12 فقرة، أبرزها التعاون في مجال إدارة الموارد المائية لنهري دجلة والفرات، وتحديد الحصة المائية لكل دولة في مياه النهرين،

اضافة الى ان المشكلة الاخرى هي عدم وجود سدود تكفي لحجز جزء من المياه المتدفقة على اراضينا في اوقات الذروة من دول الجوار بشكل مدروس والتي زادة من تفاقم أزمة شح المياه كذلك تدني كميات الأمطار المتساقطة في البلاد على مدى السنوات الماضية.

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here