الانسان وفضائل الاخلاق !

(*) د. رضا العطار

الواقع ان هناك ضربين من ثقافة الاخلاق، يقابلان هذين الاتجاهين (اخلاق منغلقة) تتجه بطبيعتها نحو الوراء وتمثل حياة الاتباع والمسايرة والتقليد، و (اخلاقا منفتحة) تتجه بطبيعتها نحو الأمام وتمثل حياة الابداع والمبادأة والتجديد.
وقد كان الفيلسوف برجسون اول من اقام هذه الفكرة التي يفهم منها بان الاخلاق المنغلقة هي اشبه ما تكون بجماعات النمل التي تجعل افراد تلك الحشرات تحقق من الافعال ما هو ضروري لصيانة حياتها الاجتماعية.

واما في المجتمعات البشرية فان الاخلاق المنغلقة هي التي تقوم باداء مثل هذه الوظيفة.
فان هناك تشابها كبيرا بين المجتمعات البشرية البدائية وبين بيوت النمل بل ان الباحث يذهب الى ان المجتمعات المتحضرة نفسها هي في جوهرها مجتمعات مغلقة بسبب الالتزام Obligation الذي يفرضه النظام على الجماعة، نظاما خاصا من العادات يحقق لها وحدتها – – وتبعا لذلك فان الرباط الذي يجمع بين افراد الجماعة هو هنا اشبه ما يكون بالرباط الذي يجمع بين خلايا الجسم الواحد او بين نمل القرية الواحدة – – – فليس في وسع تلك المجتمعات المغلقة ان ترقى الى مستوى (حب الانسانية) لان المسافة التي تفصل الامة عن الانسانية هي كالمسافة التي تفصل المحدود عن اللامحدود، او المغلق عن المفتوح.

واذا كان برجسون يفرق بين هذين النوعين من ثقافة الاخلاق، فذلك لانه يرى ان من الممكن تصور العلاقة القائمة بين الفرد والمجتمع على نحوين مختلفين تمام الاختلاف. فالفرد يجتزي بالخضوع للجماعة والامتثال لضغط المجتمع او هو قد قد يعمل على تجاوز حدود الجماعة والاستجابة لنداء الانسانية – – وهنا تكون مهمة (الضمير) مقصورة على تحديد واجبات الفرد نحو المجتمع.

ان القاعدة الكبرى في الاخلاق المنغلقة هي العمل على صيانة التقاليد النافعة للمجتمع وتوفير العادات الطيبة لسائر افراده حتى يتحقق التعاون الاجتماعي المنشود على الوجه الاكمل. ومن هنا فان المثل الاعلى للمجتمع المغلق على ذاته هو تهذيب افراده تهذيبا اجتماعيا صالحا يضمن للجماعات اسباب التعاون والتأزر، وهذا هو السبب في ان الواجبات التي ينهض بها افراد الجماعات المغلقة قد تبدو مجرد (واجبات اجتماعية)
ان الاخلاق المغلقة لا بد من ان تبقى اخلاقا اجتماعية تقوم على (غريزة الحياة) ومن ثم فانها لا ترقى الى مستوى العقل بل تظل بالضرورة ذات طبيعة بيولوجية.

* مقتبس من كتاب المشكلة الخلقية لمؤلفه د. زكريا ابراهيم – جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here