نعم إن هناك ثمة فرق بينهما وهذا ما نرصده في دلالة اللفظ في كتاب الله المجيد ، وكذا نرصده في لغة العرب ، ولكن بعض أهل التراث قد خالفوا في ذلك ، من غير دليل سوى ذلك القياس الباطل والمظنة ، حينما جعلوا اللفظين بمعنى واحد وهذا منهم خطأٌ بيَّن ، و في مقامنا هذا سنحاول التدليل على طبيعة الفرق بينهما … أين وكيف ؟ ، فوحدة المعاني المُدعاة قد وفدت إلينا وقد هيمنت على لغة الكتاب المجيد بفعل سطوة الشعر ومريديه ، وقد كان ذلك بفعل وأثر مضافات الخلفاء والسلاطين الذين وظفوا الشعر كوسيلة في الدعاية والإعلام ، مما أثر سلباً على لغة الكتاب المجيد وفهم معانيه ودلالاته ، ومن بين من تأثروا بهذه النزعة [ الإمام الشافعي الفقيه والشاعر ] ، وأثروا حين أسترسل في الدمج بين لغة النص ومقولات أهل الشعر ، مما أنتج في تراثنا مفهوم – الترادف – ، ذلك المفهوم الذي حّرَف الكثير من المعاني والدلالات و جر إلى إرتكاب الكثير من الأوهام في الأحكام و في الموضوعات .
هذه النزعة الخاطئة كان ضررها في فهم الكتاب المجيد ومعانيه جليٌ وواضح ، وفي بحثنا عن معنى – بكة و مكة – تلمسنا ذلك ووجدنا كيف تسنى لبعض التراثيين الدمج بينهما ليكون معناهما واحداً ، والحال إنهما صيغتان مختلفتان لفظاً و معناً ، واللسان العربي حين تناول تعريف هاتين الكلمتين أعطى لكل واحدة منهما معناً معيناً خاصاً ، ففي وصفه لمعنى – بكة – قال : – إنها لفظ أصيل ثنائي المصدر من – بك يبك بكة أي زاحم مزاحمة – والمزاحمة صفة دالة على الكثرة أو من ، وبما إن الموصوف بها الناس ، لذلك قال للناس في وصف واقع الحال – ، وهكذا قال أبن منظور : – وبك الرجل صاحبه يبكه بكاً أي زاحمه – ، قال أبن دريد هي من أفعال الأضداد ، قال الزجاج إن : – كل شيء تراكب فقد تباك – : – و تباك القوم أي تزاحموا – .
وفي الكتاب المجيد وردت الصيغة كمبني للمعلوم للدلالة عن الشيء المحكي عنه ، ولم ترد بصيغة المبني للمجهول أو للمتصور أو الذي سيكون في المستقبل حتى يمكن ربطها في أماكن أخرى فلا تبادر هنا ولا توافق من حيث البناء اللفظي ، ذلك لأن المولى حين وضعها في سياقها الموضوعي كان يريد معناها بحسب الوضع الطبيعي لها ، وهكذا يكون كل لفظ في الكتاب المجيد دالا على معنى محدد مقصود يريده الله ويدعونا لتدبره ، ومن هنا يتبين خطأ قول القائل : – إن القرآن حمال أوجه – فالقرآن لا يحتمل الوجوه المتعددة إنما له وجه واحد ، دعانا لتدبره من خلال تأويله ، ولذلك : – [ لا يصح في القرآن أن تقول ويقولون ] – إنما الصحيح هو قول واحد لمعنى واحد ، يكون مُرادا من قبل الله بذاته لذاته لا يتعدآه إلى غيره ، وأما ما نُسب إلى الإمام علي في هذا الشأن من الحوارية المزعومة مع عبدالله بن عباس بعد قضية التحكيم ، فليس عندنا بشيء لسقوطها سنداً ودلالةً .
و نفي الترادف في الكتاب المجيد هذا المعنى مقصود وواجب تعميمه لكي يتسنى للجميع التعرف على كتاب الله وفهم معانيه ، ومنع الترادف يكون بجميع فصول الكتاب وأبوابه ، وهذا يعني : – إن الألفاظ في الكتاب المجيد إنما وضعت لمعاني محددة وخاصة وذات دلالة معينة لا تتعدها إلى غيرها – .
فمثلا لا يصح في الكتاب المجيد : – [ أن نقول إن البيت الحرام هو المسجد الحرام ، كما لا يصح القول بإن ذهب بمعنى مشى ، و لا يصح أن نقول : – إن جاء بمعنى أتى وهكذا … ] ، وهذه القاعدة تجري في الأفعال كما في الأسماء والصفات :
وحينما يقول الله : – [ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ] – آل عمران 96 ..
هو لا يعني أبداً القول : – إن بكة هي مكة – ولو أراد ذلك لذكره من غير زيادة في اللفظ أو تحريف اللفظ ، ثم إن للكتاب لغة واحدة وحرف واحد ولم ينزل على أحرف متعددة تبعاً لتعدد لهجات العرب وقبائلهم ، ولو كان ماذكره بعض المفسرين في هذا المجال صحيحاً لسادة الفوضى وعم الإرتباك كما هو حاصل لدى بعض التراثيين ، – فأول بيت – لا يعني البيت الحرام ولا يعني الكعبة المشرفة ولا يعني المسجد الحرام ، ذلك لأن – لفظ البيت هنا يدل على المكان الذي يستقر به الناس ومع ضميمة مباركاً وهدى – فيكون المُراد به إعتباراً مكاناً خاصاً للعبادة في صيغتها المطلقة ، و بكة كما هي في النص ليست من أسماء مكة ولا العكس ، ولا يكون ذلك من أسمائها لا من باب العموم ولا الخصوص ، وأما ما قيل هي عادة عربية في إستبدال الحروف تمشياً مع لهجات العرب وقبائلها كما يدعي مدع ذلك ، فهذا ليس صحيحاً في لغة الكتاب – ، ذلك لأن الكلام في النص إنما يتحدث عن [ البيت الأول ] الذي وضعه الله للناس لكي يعبدوه فيه ويوحدوه ولم يتحدث عن المسجد الأول ، والبيت أصله ثلاثي صحيح من بات ، ويعني المكان الذي يأوي إليه الفرد أو الجماعة ويتخذوه سكناً ، وأما المسجد فأصله من سجد الفعل الثلاثي المصدر الدال على مكان السجود ومواضعه قال تعالى : – [ وإن المساجد لله فلاتدعوا مع الله أحدا ] – الجن 18 .
ولفظ – وضع – بمعنى جعل أو صيَّر ، ولا يكون الجعل منفصلاً عن الوضع الطبيعي لواقع الحال والمُراد به هنا – الناس – ، الذين يُراد لهم أن يهتدوا كجماعة ولذلك جعل لهم هذا – البيت – كمكان للعبادة ، وهذا الوضع كان بإعتبار ما يُراد منهم فيه ، نقول إعتباري و ليس حقيقي ، ودليلنا قوله تعالى : – [ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام … ] – البقرة 144 ، فالمتأمل لهذا النص يشعر بأن – المسجد الحرام – لم يكن قبلة الناس التي إليها يتوجهون ، وإنما وضع للمؤمنين بعد حالة التقلب التي عاشها النبي والرسول محمد ، والتحول يجب النظر إليه بإعتبار ماهو مُراد بحسب واقع الحال التي عاشها النبي ، أي في اللحظة التي تم فيها التحول تم الوضع الجديد أو الجعل الجديد ، ونعود لنقول : – إنه في الإعتبار العقلي ليس من الحكمة أن يوضع – بيتاً – للعبادة من غير وجود عُباد ، وهذه العملية في المنطق الطبيعي عبارة عن نسبة وتناسب .
وأما دلالة النص فهي في مقام وصف الحال الذي كان ، والذي كان مرتبطاً بحاجة كان يدعوا لها الله ، وحتى تتم على وجه أكمل و صحيح ، كان يجب ان يكون للناس مكاناً يعبدون الله فيه فجُعل هذا – البيت – بمثابة المكان الذي يلبي هذه الحاجة ، وهذه كما ترى صيغة وصفية وليست صيغة تقريرية ثابتة ، هذا الكلام الوصفي كان مرتبطاً بالحاجة الواقعية التي كان يريدها الناس ، فكان البيت في المكان الذي سماه – بكة – وفي التعريف فهو مكان مكتظ بالسكان ومزدحم ، [ وفي التاريخ القديم ليس سوى الحواضر المعروفة في العراق والشام ومصر هي ما يصدق عليها هذا الوصف كالمدائن ومدين وأور وبابل وآشور ] ، الحواضر التي كانت تحتضن دعوة الأنبياء والرسل ، ولهذا نقول : – لا يُعقل أن يضع البيت للناس في مكة الخالية من الناس والبشر – ، وبحسب هذا المنطق لا تكون – بكة – بمعنى – مكة – ولا تصح صفة وموصوفاً ولا دلالة و أسماً ، كما إن – البيت الأول – الذي وضع للناس ليس هو – البيت الحرام – ولا هو كذلك – الكعبة المشرفة – ، فالبيت الحرام التي قال عنها الله : – [رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ] إبراهيم 37 ، وبحسب الطبيعة والوضع لا يكون الوادي الذي لازرع فيه مكاناً مأهولاً ، وبحسب المدوناة التاريخية والرُقم فإن موضوعة التوحيد وعبادة الإله الواحد لم تبتدأ في – مكة – ، إنما كانت أولاً في الحواضر التي ذكرناها ، فإبراهيم النبي ونوح النبي وتمام أنبياء بني إسرائيل وعامة أنبياء الملل الأخرى كانت هناك ، نعم حصلت نقلة بحسب الكتاب المجيد عمل عليها إبراهيم النبي حين أسكن من ذريته بواد غير ذي زرع ، هذه النقلة جاءت لا حقاً بحسب موضوعة العبادة لله والتوحيد ، وجدلياً يكون مفهوم رفع القواعد من البيت يكون رفعاً لا حقاً بعد أن كثر الناس وأزدحموا – والقواعد هم من يتخذون من البيت مكاناً للتلهي ، مُشكلين حاجزاً يمنع العُباد من أداء وظائفهم ، والقواعد كناية عن هؤلاء الرجال والنساء ، قال تعالى : – [ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ] 127 البقرة ، – فإبراهيم النبي يرفع القواعد من البيت وليس للبيت – ، وذلك لا يعني العمارة والبناء كما توهم غير واحد في ذلك ، والنص مورد البحث في آل عمران يتحدث عن أول بيت وضع للناس ، وفي صورة تقريبية قال إن فيه : – [ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ …. ] – 97 آل عمران – ، فإبراهيم النبي أقام في المكان الذي كان أول بيت وضع للناس ، وبقرينة أول فيكون هذا البيت سابق لوجود إبراهيم نفسه ، إنما أقام إبراهيم في بكة التي فيها – أول بيت – ، وبحسب الملازمة التاريخية والدينية يكون البيت مرتبطاً بما يعمره من الناس ، وبمفهوم التقابل يكون – البيت الحرام – هو ليس – أول بيت – وضع للناس ، بل جاء الوضع لا حقاً بحسب مفهوم قوله فلنولينك ، ثم إن الصحيح بحسب المدوناة التاريخية القديمة ، ان المكان الذي عاش فيه ابراهيم أتخذه الناس مصلى وموضعا لعبادة الرحمن بعد ان دعاهم ودلهم ابراهيم على ذلك .
فإن قيل : – فأين موضع قوله تعالى : – [ ولله على الناس حج البيت ..] من هذا ؟ .
قلنا : – إن الكلام هنا يفيد المغايرة ، خاصةً بلحاظ وجود حرف العطف ، أعني إن هناك شقين من الكلام الأول منه : – ويقرأ في قوله تعالى – إن أول بيت وضع للناس – ، والثاني نقرئه في قوله تعالى : – ولله على الناس حج البيت – ،
ولكل من هذين الشقين دلالته الخاصة ، ففي الأول كان الكلام عن مطلق العبادة ، وفي الثاني كان الكلام عن جزئية منها وهو الحج ، [ والحج ومناسكه أرتبط بفعل إبراهيم النبي وماقام به ، وجرت على أثره تباعاً الحنيفية ] .
قال أهل العلم : – إن النقلة التي حدثت مع إبراهيم النبي أرتبطت بتطور مفهوم العبادة نفسه لدى الناس – ، كما وقد تبلورت الصيغة النهائية للحج مع النبي محمد .
………
ولكن ماذا عن مكة ؟ وكيف جاء ذكرها في الكتاب المجيد ؟
لم تذكر مكة في الكتاب المجيد إلاَّ مرة واحدة وكانت على النحو التالي ، قال تعالى : – [ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ] ، الفتح 24 – ، وفي هذا النص نلتقي بمراتب عده أولها معنى – كف – والمُراد منه ، وثانيها معنى – أيديهم عنكم وأيديكم عنهم – والمُراد منه ، وثالثها معنى – ببطن مكة – .
وفعل – كف – فعل ثنائي صحيح ومعناه منع أو صد أو صرف ، والفعل يتضمن المن من الغير ، وفي هذا النص يكون المن من الله ، أي إنه هو من صرف ومنع الإعتداء أو الإقتتال ، بوجود القرينة الظاهرة في قوله – أيديهم عنكم وأيديكم عنكم – ، يعني إن الله صرف عنكم القتال والإشتباك مع العدو ، ولأن لهذا الدفع والصرف محل ومكان قال إنه في – بطن مكة – ، ولم يقل في – مكة – وكذلك لم يقل في المسجد الحرام ولا في الكعبة ، وفي هذا نحن أمام مفردتين الأولى هي مكة إنما ما نريده هو التعرف على معنى لفظ – مكة — وما سبقها أعني – بطن مكة – ، فنحن إذن أمام مفردتين الأولى هي ( مكة ) – وماذا تعنى وماهي حدودها ؟ والمفردة الثانية هي – ( بطن مكة ) – وماذا تعني لغةً وحقيقةً ؟ ، ففي التعريف المعجمي المتداول جاءت مكة من – المك – وهو المكان الجدب الذي يحت حتا ، قال أبن فارس في المقاييس : – [ – مَكَّ – يمك مكة ، هو من – الميم والكاف – وهذا أصل ثنائي صحيح للكلمة ، والذي – يَدُلُّ عَلَى انْتِقَاءِ الْعَظْمِ – ، فيقال : تَمَكَّكَتِ الْعَظْمُ ، أي أَخْرَجَتْ مُخَّهُ ، وَامْتَكَّ الْفَصِيلُ مَا فِي ضَرْعِ أُمِّهِ : شَرِبَهُ …. ] – ، ووفق هذا التعريف تكون اللفظة دالة على الشيء الذي يكون جافاً و ناشفاً ، و فيه إمارات التصحر بادية ، واضحة ، حتى إن الله لما ذكر المسجد الحرام الذي هو في مكة قال في وصفه بلسان إبراهيم النبي : – [ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ] 37 إبراهيم – أي إنه يقع في منطقة صحراوية قاحلة لا ماء فيها ولا زرع يجعل من الحياة ممكنة فيها . .
وأما قوله :- ببطن مكة – البطن لغةً تعني الجوف أو الشيء المتوسط ، وقولنا – الشيء المتوسط – قول مجازي يناسب المعنى الدارج في ألسن الناس ، و ذكره مسنداً للدلالة على المسند إليه ، قال الراغب في المفردات : – البطن أسفل الجسم – ، وهذا بلحاظ ما عليه عامة الحيوانات من حال ، والبطن بتعريف أبن خالويه : – هو لفظ مضاف إلى المكان وفي هذه الحالة يُراد به وسطه – أي وسط المكان ، ولهذا قال بعض المعاصرين : – البطن هو المركز – لأهميته !!! …
ولا بد لنا من القول إن – بطن مكة – لا الكعبة ولا المسجد الحرام – ، وهذا القول بينه النص 24 من سورة الفتح حين قال : – ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ) – ، فكف الأذى وقع من جهة التاريخ في منطقة الحديبية والتي إليها يُنسب – الصلح المعروف – والذي يشير إليه النص المذكور ، وهذه القرينة الحالية تدل على أن المُراد بها ليس المسجد الحرام ، والذي لم يقع فيه أي إشتباك بين المسلمين وغيرهم في عهد النبي محمد كما قلنا .
ولو تأملنا صيغة – كف – وجملة : – [ ايديهم عنكم وأيديكم عنهم ] ، نعلم إنه لم يحصل بين المسلمين والمشركين في عهد النبي محمد في – المسجد الحرام – قتال البته ، وما أشار إليه النص 24 من سورة الفتح فقد حصل – ببطن مكة – التي هي كما قلنا منطقة الحديبية ، وهي المكان الذي تم التوقيع فيه على إتفاقية الهدنة بين النبي ومشركي قريش ، والحديبية هي منطقة تقع على الطريق بين مكة وجدة ، وهي إلى مكة أقرب وهي متوسطة بين الحل والحرم ، ولا بد أن نشير إلى إن حرف الباء في – ببطن مكة – متعلق بفعل كف ، ويعني إن الكف قد حصل في بطن مكة وليس في المسجد أو توابعه .
قال أهل العلم لذلك جاءت جملة – [ من بعد أن أظفركم عليهم ] – تابعة في مقام التقرير للحال ، والظفر أعم في الدلالة من النصر ، لأن فيه تضمن حصول الفتح من غير قتال ، قال صاحب عمدة الأصول : – والظفر يكون بمعنى الفوز حينما نحصل على المطلوب من غير قتال – ، ومن هنا عَّد أهل الميزان : – الفوز بالمطلوب من غير قتال مطلوب بذاته لأنه يُغنينا عن الدماء والدمار – .
ونقول : – والفوز بالمطلوب من غير قتال إنما يهيء القاعدة التي من خلالها يتم إبلاغ الرسالة ونشر الدعوة من غير معوقات – ، وهذا ما حصل للنبي بالفعل من خلال الصلح ، و الذي به أُتيح له أن يُبلغ رسالته من غير خوف ، بل و خلق لدى الجماعة المؤمنة زوح جديدة مكنتهم من إداء رسالتهم وبث دعوتهم بين القبائل من غير مزاحمة ..
وللتذكير فقط نقول : – إن مكة أسم عام يطلق على كل هذه المنطقة التي تضم الحديبية والمسجد الحرام ، وقد جاء وصفها في الكتاب المجيد على أنها – أم القرى والبلد الأمين ، وهذا يفهم من السياق كصفة لموصوف معلوم كما في قوله على هذا النحو
قال تعالى : – [ … وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ] – الأنعام 92 – .
وفي سورة التين قال : – [ …وهذا البلد الأمين ..] – التين 3 .
و من هنا يتبين إن مكة هي عنوان عام لمطلق المكان ، وأما المسجد الحرام فهو جزء منها أو فيها ، والمسجد الحرام أُقيم بواد غير ذي زرع بحسب الوصف التالي : – [ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ …. ] إبراهيم 37 – .
وخلاصة الكلام : – وما تبين لنا من خلال البحث في لغة الكتاب ودلالته ، إن بكة هي ليست مكة وإنهما مكانيين مختلفين وفي بلدين مختلفين في عصرنا هذا ، وإنما جعلت مكة ومسجدها قبلة للناس بعد ذلك التحول الذي حصل لغاية معلومة …
آية الله الشيخ إياد الركابي
24 – من رمضان 1439 هجرية