هل تذكرون “چاهي وليه”؟

علي علي

ما أظنني أحيد عن جادة الصواب، ولا أشذ عن الرأي السديد، ولا أبتعد عن وجهة النظر السليمة، إن قلت أن بلادي طاردة للكفاءات والعقول والخبرات، وما أظنني بظلام او سباب او لعان رؤوس الحكم في حكومتنا ومؤسساتها، فإني بتوجيه أصابع الاتهام اليهم لا أضع النقاط فوق الحروف وحدي، بل يضعها معي أكثر من ثلاثين مليون شخص يعانون ما أعاني منه، في بلد لايرحب بطاقات علمائه وقدرات خبرائه في المجالات العلمية والأدبية والفنية كافة، وهذا قطعا ناتج عن رغبة ساسته وميولهم الى مآرب غير ذي جدوى إلا لجيوبهم وانتفاعاتهم الخاصة.
كلنا يتذكر (أم عامر) تلك المواطنة العراقية البسيطة التي اختزلت شكوى العراقيين بعبارتها: (چا هي وِلية!) التي بُثت من خلال شاشات التلفاز، وماكانت تتلفظ بهذه العبارة أمام الملأ إلا بعد أن طفح بها الكيل -كباقي العراقيين- من سوء الحال وشحة الخدمات وانعدام الأمل. وأظنها لو تمكنت من الإفصاح بلغة الشعراء لأنشدت قول الشاعر:
ماذا سأشكو على الأوراق من ألم
أقل شكواي لايقوى له الورق
هي أدركت معنى الـ (ولية) كما أدركها العراقيون جميعهم، ولاسيما حين تصدر من أشخاص لهم سلطة ونفوذ ومقدرة ومنصب، لم يكونوا ليمتلكوها لولا أصابعنا البنفسجية، وبذا تعظم المعاناة وتتفاقم حين تُتبَّل مرارة العيش بطعم الخذلان وخيبة الأمل.
وما يؤلم أكثر ان الـ (ولية) في عراقنا الجديد و (العتيگ) على حد سواء، تمارَس بشكل تصاعدي في دوائر الدولة بدءًا من موظف الإستعلامات صعودا الى الـ (واردة) فالـ (سجلات) ثم مدير القسم فالمدير العام، وكل يمارس الولية قدر ما استطاع، ويضيف اليها تحكّمه بعنصر الوقت بشكل مطاطي، مضاعفا بذلك وطأة الروتين.
أما لو كُتب للمواطن ان تصل معاملته أو قضيته الى مكتب السيد الوزير، فسيكون للولية هناك معنى آخر، إذ سيصطدم باستعلامات جديدة تختلف عن سابقتها شكلا ومضمونا، من حيث إعادة ترتيب الأوراق ثم فرزها ثم جمعها مرة أخرى، وكل مرحلة تقتضي من المواطن -بحكم الـ (ولية)- أياما وأسابيع إن كان محظوظًا، واذا لم يكن كذلك فشهورا. وبعد كل هذه المعاناة يجد المسكين أن هناك عودة لابد منها كما في لعبة الـ (حيّة ودرج) ألا وهي المربع الأول، التي يطلق عليها في دوائر الدولة (صحة صدور) وهذه الأخيرة تتطلب مقاما آخر غير مقامي هذا لسردها، إذ أنها كقصة ألف ليلة وليلة.
الغريب في الأمر أن مادخل العراق من تكنولوجيا الإلكترونيات بعد عام 2003 غيّر كثيرا من حياتنا اليومية والعملية إيجابا، إلا أن هناك نظما وتقنيات عالية الدقة معمولا بها في بلدان العالم كافة تواكب العصر ومتطلباته، يأبى المسؤولون تطبيقها في أجهزة البلد ومؤسساته، وتفعيل العمل بها بأوسع نطاق فيما يخدم المصلحة العامة.
ومن المفارقات -وهي كثر- في بلدنا، أن إجراءات معاملة جواز السفر العراقي ومراحل إنجازها، لمن يروم حيازته من العراقيين، تتطلب جهدا ووقتا وروتينا، أقل بكثير من معاملات أخرى تدخل في صميم حياته، فهل هو نداء للتوجه الى صالة المغادرين بالسرعة الممكنة، والنفاذ من البلد بعد نفاد الأمن والأمان والسلام من حاضره، مع تهديد مستمر لنفادها مستقبلا؟.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here