القوة والسذاجة!!

القوة تصنع قائدا ساذجا يزري بحاله وأحوال شعبه , في مجتمعات تميل فيها الأنظمة للفردية والتحزبية والفئوية , والأمثلة في واقعنا العربي متنوعة ومتكررة , ولا تكاد دولة واحدة تخلو من ويلات السذاجة وآلياتها الضارة بالحياة.
وعندما نقيّم ونراجع الحالات السابقة تبدو سذاجة الكراسي الفاضحة , وإمعانها بالإستغباء السياسي بفعل القوة المزيفة , التي توهمهم بالأعاجيب وترديهم في سراديب المذلة والهوان والمصير الغريب , فهناك بعض القادة الذين توهموا بأنهم الأوحدون والأقدرون , وإذا بهم ينتهون نهايات مخزية محزنة ومؤذية للأجيال التي خدعوها بقوتهم وحكمتهم وقدرتهم على القيادة , وما كانوا إلا مُنقادين ومنفذين.
وهذه السذاجة الكرسوية آفة خطيرة تنخر الوجود العربي , وجوهرها أن أي شخص يجلس على الكرسي يُصاب بأمراضه المستعصية وفي مقدمتها يحسب بأنه العالم العليم والقائد العظيم , فيخرج من كونه بشر إلى حالة أخرى خيالية أو وهمية مشبعة بالفنتازيا وأحلام اليقظة , فيفقد البصيرة والبصر , ولا يرى ما حوله بل ينغمس بما فيه من الخداعات الرغبوية المتأججة , ويدخل في دوامة عنيفة الدوران تزيد من أسباب الإعماء والسذاجة ومصادرة العقل والحكمة , لأنها كالإعصار العاطفي الإنفعالي المتعاظم في دنياه , فيصبح كتلة لهيب متصاعد إلى منتهاه الأليم.
والمشكلة مع الكرسي أنه يغذي الشعور بالقوة والقدرة والتحرر من المساءلة , خصوصا عندما يكون هو الكرسي الأعلى في سلم الكراسي الحاكمة.
والشعور بالقوة المنفلتة من أخطر الآفات السلوكية التي تصيب البشر , لأنها تفقده بصيرته وتخاصم عقله وتقتل الحكمة فيه.
والقادة الواعون هم الذين تمكنوا من إدراك مخاطر القوة وجاهدوا من أجل التخاصم معها , لتحقيق الحكمة السلوكية الضرورية لصناعة المصير الأفضل والذكر الأجمل.
وهؤلاء القادة قليلون في مسيرة البشرية وهم قدوات نادرة , أما في الواقع العربي فأن المجاهدة ضد القوة والتحكم بالسلوك بمعزل عنها , لا يكاد حاصلا عند أي قائد منذ تأسيس دول العرب الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى , ولهذا كان لسلوكياتهم الساذجة تداعيات مريرة على الأجيال المتعاقبة , وما هو قائم مولود من رحم السذاجة المدقعة التي تعاملوا بها مع الأحداث والتطورات أبان حكمهم السقيم الأليم.
قادة حفل بهم القرن العشرون ويدوسهم بأقدامه القرن الحادي والعشرون , وتعاد الكرّة , ولا تعلّم وموعظة ودراية وقدرة على التبصر والإعتبار , فالكرسي ذو سطوة وقدرة على إفتراس الجالسين عليه , فأفواه الكراسي من أشره الأفواه وإنها لمتآمرة مع التراب!!
فهل من حكمة وحلم وتبصر عربي منير؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here