دولة القرامطة تماهت بالشريعة الاسلامية وطبقت الاشتراكية البدائية وتغزلت بالمجوسية من بعيد ! ح 9

، الحلقة الأخيرة ! (*) د. رضا العطار

كانت الحركة القرمطبة حركة ثورية, فلا عجب اذا ما وجه شعرائها سهامهم الى صدور الطغاة الذي تربعوا على عروش مغتصبة داخل قلاع مكتظة بالجواري والغلمان يحرسها جند الأسلام المزيف يخافون غضب الجياع القابعين وراء الأسوار وما كان تمرد الجماهيرعلى الدين والدنيا الا بسبب فقرهم ومعاناتهم.
فهذا ابو العلاء المعري يقول :

كم عاقل عاقل – اعيت مذاهبه * * وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة * * وصير العالم التحرير زنديقا

اما الشاعر ابن الفضل المتمرد على الدين فيقول :

اذا الناس صلوا فلا تنهض * * وان صاموا فكل واشرب

ولا تطلب السعي عند الصفا * * ولا زورة القبر في يثرب

وما الخمر الا كماء السماء * * حلال قدست من كل مذهب

وجاء على لسان قبائل البدو القرامطة عندما غزو الكعبة في مكة :

لو كان هذا البيت لله ربنا * * لصب علينا النار من فوقنا صبا

وشاعر اخر يصف شعبا يسوده الظلم الأجتماعي فيقول :

عجبت من الزمان واي شئ * * عجيب لا اراه من الزمان

يصادر قوت جرذان عجاف * * فيجعله لأوغاد سمان

وشاعر اخر يشكو فقره قائلا :

عشت في ذل وقلة مال * * واغتراب في معشر الأنذال

بالأماني اقول لا بالمعاني * * فغذائي حلاوة الأمال

وشاعر اخر يشكو مجتمعه قائلا :

نعيب زماننا والعيب فينا * * ولو نطق الزمان اذا هجانا

ذئاب كلنا في زي ناس * * فسبحان الذي فيه يرانا

وهذا شاعر علوي عاصر دولة القرامطة يقول :

متى ارى الدنيا بلا كاذب * * ولا حروري ولا ناصب

متى ارى السيف على كل من * * عادى علي بن ابي طالب

متى يقول الحق اهل النهى * * وينصف المغلوب من غالب

هل لبغاة الخير من ناصر ؟ * * هل لكؤوس العدل من شارب ؟

و هذا شاعر قرمطي يقول في الدجالين من رجال الدين :

لا تخدعنك اللحى والصور * * تسعة اعشار من ترى بقر

تراهم كالسحاب منتشرا * * وليس فيه لطالب مطر

و في شجر السرو لهم مثل * * له رواء وماله ثمر

لقد استعمل كتاب القرامطة لغة الأدب الرفيع اسلوبا للتعبير عن تطلعات الشعب تمجًد ثورته القرمطية وبذلك اصبحوا في نظر المجتمع اهلا للاكبار والتقدير فقد انتشر شعاع ابداعاتهم الادبية شرقا وغربا واثبتوا ان الاديب المتفاني في سبيل رفاه شعبه هو اكثر نفعا وفائدة من الكثيرين من رجال السياسة…

ختاما اقول : لقد ظهرت بوادر ثورة القرامطة في الكوفة بالعراق ومنها انتشرت الى بلاد الشام واليمن واشتد عودهم اخيرا في البحرين , و تمكنوا من جمع الأنصار تحت لواء من الشعارات الأسلامية المزيفة. كان هدفهم غير المعلن نشر العدالة الاجتماعية الحقة. وقد تحول نظامهم اخر المطاف الى النظام الاشتراكي البدائي (كما وصفها كارل ماركس لاحقا). وشجعت السلطة القرمطية الفكر، الفكر الحر، فأزدهر الأدب وانتشر.
وبعد موت ابو طاهر خلفه من بعده في السلطة اخوه سعيد الجنابي الذي قام بارجاع الحجرالاسود الى موضعه في الكعبة. وعندما احتل البويهييون العراق عام 331 سقطت دولة القرامطة في البحرين واصبحت خاضعة للخليفة العباسي في بغداد فغدت اثرا بعد عين بعد ان حكمت زهاء 300 سنة…..

* مقتبس من كتاب ثلاثية الحلم القرمطي لمحي الدين اللاذقاني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here