مقالة. الحرب على النقد البناء والإصلاح. أمثلة من؟؟

‎يتفق اغلب أهل العقل والوجدان والإيمان. ان المجتمعات العربية والإسلامية تحتاج الى إصلاحات سريعة بسرعة استشراء الفساد فيها. ويتفقون ايضا ان بدايات الاصلاح تبدأ بالرصد والتشخيص للحالات السلبية في المجتمعات. ومن ثم النقد البناء والاشارات والتنبيهات التي تكتب لأجل هذه الغاية النبيلة. والتي تعد مصدرا مقوّما من مصادر البناء المجتمعي.وهذا ما عملت به ومازالت تعمل المجتمعات الناهضة المتطورة. فارتقت و وصلت الى ما وصلت اليه من المكانة العالية التي أبهرت الناظرين. لكن المجتمعات المتخلفة عن ركب الحضارة ومن يسيرها ترفض النقد الإشارة والتنبيه لحسابات واعتبارات ماكرة خادعة. منها مايسمى عندهم بـ (جلد الذات ) او غيرها من التسميات التي اخترعوها لتضليل المجتمعات وابعدوها عن مضامين الإصلاح الارتقاء. لدوافع لا تخفى على المتتبعين.
‎مريب امر ذلك النزيه الحريص على المجتمع! الذي دفع كلمة ( نقد) عن المضمون الإصلاحي و وضع محلها كلمة( جلد ) وأبدل معاني النقد البناء الموجه بـكلمة ( نشر الغسيل) بدعاوى تضليلية هدفها التبرير وتمرير المصالح الذاتية على حساب المصالح العامة. فحسب ما نسمع ونقرأ في هذا المعنى.ان هذا الوقت ليس الوقت المناسب!! او ان هذا الرجل الذي يمارس النقد والاشارة والإصلاح ليس الرجل المناسب. دون ان يسمّو لنا من هو ذلك الرجل المناسب الذي يتوجب عليه القيام بهذا الامر !! ومتى يأتي الوقت المناسب الخالي من الانداد والأضداد الذين يخشى منهم. لاندري الى متى سيستمر رفض الإصلاح والنقد المقوّم للاعوجاج في مختلف الامكنة والأزمنة؟؟ مع ان المجتمع في أشد الحاجة للاصلاح في هذا الوقت الذي ينحدر فيه نحو الأسفل ويستشري فيه ما يستعاذ بالله منه. الذين يرفضون النقد الذي يشكل الرصد الاولي للحالات السقيمة في المجتمعات. هل لديهم منحى اخر يودي للإصلاح. الجواب سيكون نعم. لكن النتيجة الحقيقية تنطق بلا !! لا ندري كيف سينصلح الحال وتتبدل الأحوال بالصمت اوالتبرير والترقيع لهذه المعضلة وتلك المشكلة. ربما البعض منهم راضٍ بما ما هو حاصل في المجتمع من فساد وسوء إدارة وتراجع في مستويات التعليم والأخلاق والقوانين.
‎لا شك ان المستفيد لا يرضى بالنقد لان منتفع ومغتبط بما يحصل. والبعض الاخر يسير بفلك ذلك السعيد المستفيد بلوازم التبعية والاستفادة النسبية ولا غرابة في الامر. لكن الغريب ان يقوم المتضرر من الحالات المزرية التي تستدعي النقد والإصلاح بالهجوم على كل من يحاول خط سطر او قول كلمة تشير لمكامن الخلل هنا وهناك!! ان تغييب النقد والإصلاح عن المشهد اليومي من قبل أهل النفوذ والمصالح الخاصة. يعد جريمة بحق المجتمع. وهو فعل شائن مقصود محسوب مخطط له.انهم بجريمتهم هذه يوغلون في إيلام عامة الناس ونكأ جروحهم بتكرار الأخطاء التي تنعكس تبعاتها على المجتمع. انهم يزعمون المسؤولية الكاملة لتنظيم شؤون الناس رغم انهم سبب هذه الفوضى والاضطراب المبرمج من اجل احكام السيطرة على المجتمعات. فهم لا يسمحون لأحد ان يتدخل في شؤون هذه المجتمعات المحرومة المغلوب على أمرها ولو بكلمة بحجج واهية وتبريرات بالية لا تمت للواقع ولحاجات الناس بصلة.. كان في مجتمعاتنا بعض المفكرين والمصلحين. أمثال محمد عبده وجمال الدين الافغاني وعبد الرحمن الكواكبي وعلي شريعتي وعلي الوردي ومحمد اركون وجورج طرابيشي ومحمد عابد الجابري وغيرهم. كتبوا وأشاروا ونقدوا. لكن هل أُستفيد من افكارهم واصلاحاتهم ونقدهم. ام رُفِضت ورفض معها كل متعلق وملازم يقرب المجتمعات للافضل. بل الأنكى للجرح انهم أشاعوا الدعايات المسيئة الملفقة التي نالت منهم ومنها ؟؟
‎حدثني احد الأصدقاء عن حادثة وقعت مع د علي الوردي. وهو من أقاربه المقربين.
‎ان د علي الوردي كان جالسا في احدى مقاهي الكاظمية ببغداد. فإذا برجل مسن يسأله هل انت علي الوردي. فقال له نعم أنا هو. فإذا بذلك الرجل المسن يبصق بوجه الوردي ويقول له.
‎( ليش تعادي علي بن ابي طالب )
‎فاجابة الوردي بعد ان مسح بمنديله البصاق عن وجهه. أنا ابن علي بن ابي طالب.
‎لكن اعلمني أين وجدت هذا المعني في كتبي.
‎فأجابه الرجل المسن. أنا لا اقرأ ولا اكتب. لكن هكذا اخبروني عنك..ثم تبين بعد حين ان من حرض على هذا الفعل السقيم احد رجال الدين.
‎والشئ المفرح هنا. ان كتب علي الوردي مازالت تُقرأ ويستفاد منه. وذلك الشيخ المحرض لم يعد له اي وجود في ذاكرة المجتمع .
‎يخبرنا التاريخ ان الناس ومنذ القدم مسيرون مسرورون بما هم عليه حتى يخرج من بينهم رجل مغاير لما هم فيه. فينبههم ويشعرهم بضرورة التغيير والانعتاق من المسايرة والبرمجة القديمة الى التجديد والمفيد الموافق لمستلزمات الحياة. ويخبرنا أيضاً ان اغلب الذين خرجوا عن مألوف المسايرة الرتيبة البائدة قد حوربوا من قبل المسايرين ومن يسيرهم في مختلف الازمنة والأمكنة بنفس الدوافع والغايات والأدوات ليسيطروا ويستحوذوا على المجتمع ومقدراته. فلو تتبعنا سيرة وحركة هؤلاء لوجدنا ان المتبنيات والافعال هي نفسها التي حاربوا بها (الرُسل. المفكرون. المصلحون ) ولنفس الأسباب المتعلقة بالتجديد والمغايره في مواضيع والإصلاح والتقوّيم.
‎وسنجد أيضا ان الأسباب الداعية لمحاربة الصلاح تتضح لنا بشكل واضح على النحو التالي.
‎ ١..تقويض أساسات السيطرة والبرمجة للقادة الُمسيـطرين المنتفعين.
‎٢..ضرب المصالح والامتيازات والمكانة العليا للمسيطرين.
‎٣.. انتقام عامة الناس عند انكشاف أمر الانتهاز والاستحواذ والسيطرة بالجديد المغاير.
‎٤.. الخوف على أموالهم وأملاكهم من المسائلة والمحاسبة والعقوبة من بعدهم.
‎٥.. الخوف من لعنة التاريخ والأجيال الذي سيكتبه المتضرر من بعدهم………………………………………………
‎ولعل من أسباب رفض عامة الناس للنقد والإصلاح.
‎١.. الخوف من الفكر الجديد غير المعروف الذي غُلف بالريبة والشبهات من قبل قادتهم.
‎٢.. ذهاب القناعات الموهمة المطمئنة التي تلقوها واعتادوا على وجودها.
‎٣.. الخوف من غضب وانتقام السماء ان هم قبلوا بهذه الأفكار. كما يتوهمون وكما يصوره لهم اولائك المنتفعون.
‎٤.. الخوف من معارضة أوامر المسيطرين عليهم والخشية من سطوتهم.
‎ان الامم الناهضة هي الامم التي استجابت لدعوى التجديد والإصلاح من قبل المفكرين والمصلحين في العصر الحديث ابتدأً بالثورة الفرنسية التي استجابت لحركة المفكرين والفلاسفة الذي بلغ عددهم اكثر من مئة..ومرورا بالثورات والإصلاحات الأوربية الكثيرة التي جائت بعدها.
‎ومن يُشكل على هذا المعنى بحجة ان الامم في أوربا تختلف عنا بالدين والتقاليد والظروف. يتوجب عليه النظر للتجربة الماليزية الناجحة. التي صنع نجاحها الزعيم مهاتير محمد والذين معه من المفكرين والمصلحين. والسبب الأكبر في النجاح يعزى الى استقطاب المفكرين والمصلحين من قبل السلطة الحاكمة واستجابة عامة الناس لتلك الاصلاحات والتوجيهات. ان عدم الاستجابة لنداءات المفكرين والمصلحين من قبل الناس تعد خسارة فادحة للجهد والوقت وضياع الفرص التي من شانها النهوض والارتفاع بهذه المجتمعات الى حياة أفضل ونظم احسن واشمل تضمن الحقوق والخدمات للأفراد. والتطور والازدهار والعيش السليم للمجتمعات.
‎ فالى متى يخدع هذا المجتمع بسحر وطلاسم المخادعين. فلا يقبل من مفكريه ومثقفيه فكرة الإصلاح و النقد البنّاء المقوّم. ولا يستجيب لنداءات واشارات الإصلاح والخلاص التي بها لا بغيرها ستكون أممنا كبقية الامم الناهضة تنعم بالحياة الصحيحة السليمة.

‎حيدر التميمي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here