الأجيال المتناسفة!!

نسف الشيئ: إقتلعه من أصله وفتته وهدمه وأذراه.

العرب عموما والعراقيون خصوصا يتحقق في واقعهم سلوك تناسف الأجيال , أي أن الجيل السابق ينسف وجود الجيل اللاحق , وكأنها عدوانية كامنة ذات تطلعات إمحاقية وإلغائية سافرة ومتوحشة أحيانا , وقد تنقلب الصورة بسببها فينسف اللاحق السابق , وهكذا تمضي آليات التفاعل ما بين الأجيال المتواكبة إلى ميادين المشاكل المقيمة والتعضيلات المستديمة.

أقول هذا وما وجدت ما يشير إلى أن الأجيال تتكاتف وتتوالد وتعاضد بعضها , وتبني مستقبل وجود وطني وإنساني وحضاري , فلو توجهنا إلى الثقافة والأدب , لقرأنا مئات المقالات والتصريحات لجيل سابق يتهجم فيها على أجيال لاحقة وينفي إبداعها ويسفه عطاءها , ففي عرفه لا شعر ولا قصة ولا مقالة ولا لغة ولا أي إضافة ذات قيمة , لأن الأجيال اللاحقة بلا ثقافة ولا مواهب , ولا قدرات على الإبداع النوعي الأصيل , وإنما ما يكتبونه عبارة عن هباء منثور , وتعبيرات عن إنحطاط فكري ولغوي.

ويمعنون بالتمترس الجيلي , وفي هكذا مواقف تعارض مع طبائع الأمور وبديهيات التفاعل البشري , ذلك أن الأجيال مولودة من أرحام بعضها , فإذا كانت الأجيال اللاحقة فقيرة لغويا وثقافيا , فهذا سببه الأجيال التي سبقتها لأنها لم تتحمل المسؤولية , ولم تبني المنظومة الثقافية الكفيلة بالحفاظ على مستوى متقدم من الوعي والإدراك المعرفي والإبداعي.

وعليه فأن المنتمين لجيل سابق يجب أن يستفيقوا من الهذيان الذي يملؤون به السطور , فيتوهمون بأنهم الأرقى والأعرف ويتناسون بأن لهم يد ضالعة بثقافة الأجيال , التي يصفونها بما يحلو لهم من الأوصاف السلبية , فالعيب فيكم أولا وفي الأجيال من بعدكم ثانيا , وأفظع عيبٍ مستفحل في النفوس هو النرجسية والأنانية وإغفال قيمة ودور التفاعل الإيجابي مع الأجيال المتوافدة.

وهذه الظاهرة تكاد تكون غائبة في المجتمعات المتقدمة , لأن الأجيال تشعر بالمسؤولية ويأخذ كل جيل بيد الجيل الذي يأتي من بعده , وبذلك يرسمون لوحة تكاتف الأجيال بإرادة حضارية متنورة ومؤكدة بالتفاعل الإيجابي الخلاق.

فهل لأجيالنا أن ترعوي , ولمن يمثلونها أن يستشعروا المسؤولية ويؤدوا الأمانة , بدلا من الكلام الفارغ الغثيث الذي لا ينفع إلا الخسران؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here