أصدقاءٌ بِلا مِصداق – الحلقة الثالثة.

يُمكننا إختصار ما ورد في القسم الثانيّ من هذا البحث بحديث متواتر عن ألرّسول(ص) نصّهُ:
[صِنفان مِنْ أمّتي إذا صَلَحَا صَلَحَـتْ أمّتي وإذا فسدا فَسَدتْ أمَّتي, قيل: يا رسول الله وَمَنْ هُم؟ قال: (ألفُقَهاءُ و آلأُمَراء)](1).
ومن أخطر أنواع الفساد ألذي يصيب آلأمم هو آلفساد الأخلاقيّ ألذي يُفسّخ العلاقات العائليّة والأجتماعيّة والروحية ويُزيل الرّحمة من آلقلوب لتحلّ العداوة والخصام والنفاق والغيبة والشهوة بدل الصّداقة والوفاء وآلمحبة وآلأيثار.

أمّا في هذه الحلقة فسنعرض مستوى وأوضاع و وعي علمائنا وسياسيينا الذين تسببوا بذلك من خلال ألنّصوص التي فسروها بإتجاه مصالحهم الماديّة النقديّة والتسلطيّة وتركوا المجتمع في وضع يُرثى له, والمصاديق كما تشهدونها وكما أشرنا لملامحها كإخفاقات في كلّ المجالات.

فـ (فقهاؤنا) للأسف ما زالوا مُختلفين على بديهيات ألأحكام الأساسيّة في الأسلام بشأن تطبيق أو عدم تطبيق آيات القرآن وسُنّة العترة(ع) والصّحابة الأوفياء كدستور على أرض الواقع فمنهم مَنْ يًعتبر تطبيقها في أوساط المجتمع كحكومة؛ أوجب من عامّة الصّوم والصّلاة والحج والزكاة وما إلى ذلك من عبادات وإن كانّ مُجهداً ويحتاج لتكران الذات وجهاد المتصدي وأعوانه, لأن تطبيقها كنظام في الواقع يحفظ ذاتيا ًكلّ الأحكام العبادية الفرعية بينما ترك تطبيق الأصول يُسبّب ترك ألفروع بل ويُسبّب تسلّط الفاسدين بآلمقابل وهذا ما جرّبتهُ المجتمعات المختلفة عبر التأريخ كآلعراق قبل وأثناء وبعد صدام.

وهناك فريق ثان من المراجع التقليديين؛ يرون تطبيق آيات الله وأحكامه في واقع المجتمع ليس من شأنهم, بل من شأن الأمام المهدي الغائب(ع), وما علينا سوى الفتوى والأنتظار داخل الحوزة حتى يظهر بأمر من الله لتطبيق الأحكام!

وهناك فريق ثالث هم (ألسّياسيّون) من غير الفريقين أعلاه ينتمون للحركات السياسية كدُعاة اليوم والأخوان المسلمين والتحرير وغيرهم من الأحزاب الأسلامية وحتى العلمانية التي لم تكتفي بآلنفاق لإستغلالها دماء الشهداء والعناوين الأسلاميّة للنهب والفساد؛ بل غيّروا حتى عناوين و أسماء أحزابهم بعد ما إستهلكوا دماء و جهاد الشهداء, أما “الوطنيون” و “العلمانيون” و ” القوميون” وأمثالهم فلا نتحدّث عنهم كثيراً فتأريخهم منذ (الرينوسانس) و الثورة الفرنسية واضح جداً حيث نجحوا في الجانب المدني الماديّ و فشلوا في الجانب الأنسانيّ الحضاري, ونجاحهم في المدنيّة لم يتحقق لأجل المستضعفين والفقراء؛ بل لمنفعة أصحاب ألمنظمة الأقتصادية العالمية.

وهكذا إنتشر الفقر و الفساد و الظلم و النفاق و القسوة و تفكك العلاقات الأجتماعية في كل بلدان العالم تقريباً كنتيجة طبيعية و إفرازات لأعمال و سلوك المُتصدين(دينيّاً وسياسيّاً) لأنها بُنيت على أساس الخداع و الدّجل والنفاق بسبب النهج الديني و الأحزاب المنحطة أخلاقياً و قيمياً, و سَنُشير لبعض الرّوايات التي أخبرتنا عن حقيقة هذا الزمن الذي لم يَعُد (المُتّقون) بل حتى (المؤمنين) يستَسيغونهُ .. بل ضاقت صدروهم والأرض بما رحبت لتصبح (جنّة للكافر و سجناً للمؤمن) والأحاديث التي سنرويها عن الرسول(ص) نقلها الحراني في تُحف العقول لآل الرسول(ص) كما المصادر الأسلامية و التأريخية الأخرى:

– [يأتي على آلناس زمانٌ يكونُ الناس فيه ذئاباً, فمن لم يكن ذئباً أكلته الذئاب]( 2).
– [ألدُّنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر](3).
– [إذا غضب الله على أمّةٍ؛ لم يزل العذاب عليهم؛ غلت أسعارها؛ قصرتْ أعمارها؛ و لم تربح تجارتها؛ ولم تزك ثمارها؛ ولم تغزر أنهارها؛ وحبس عنها أمطارها؛ وسلَّطَ عليها شرارها](4).
– [إذا كثر الزّنا بعدي؛ كثر موت الفجأة, وإذا طفف المكيال؛ أخذهم الله بآلسنين و النقص, وإذا منعوا الزّكاة؛ منعت الأرض بركاتها من الزرع وآلثّمار وآلمعادن, وإذا جاروا في الحكم؛ تعاونوا على الظلم وآلعدوان, وإذا نقضوا العهود؛ سلّط الله عليهم عدوّهم, وإذا قطعوا الأرحام؛ جعلت الأموال في أيدي الأشرار, وإذا لم يأمروا بآلمعروف و لم ينهوا عن المنكر ولم يتّبعوا الأخيار من أهل بيتي؛ سلّط الله عليهم أشرارهم, فيدعوا عند ذلك خيارهم فلا يُستجاب لهم](5).
– [ولمّا نزلت عليه؛ (ولا تمُدَّنَّ عينيكَ إلى ما متَّعنا به أزواجاً منهم …إلخ), قال(ص): مَنْ لم يتَعَزَّ بعزاء الله إنقطعت نفسه حسرات على الدُّنيا, و من مدّ عينيه إلى ما في أيدي الناس من دنياهم طال حزنه وسخط ما قسّمَ الله لهُ من رزقه و تنغّص عيشه ولم يَرَ أنّ لله عليه نعمة إلّا في مطعم أو مشرب فقد جهل وكفر نعم الله. و ضلّ سعيه و دنا من+ه عذابه](6)
– قال(ص): [لا يدخل الجّنة إلّا مَنْ كان مسلماً, فقال أبو ذرّ: (يا رسول الله و ما الأسلام)؟ قال(ص): ألأسلام عريان ولباسه التقوى وشعاره الهدى ودثاره الحياء وملاكه آلورع وكماله الدّين وثمرتهُ العمل الصالح ولكل شيئ أساس وأساس الأسلام حُبّنا أهل البيت](7).
– [يأتي على الناس زمانٌ لا يُبالي الرّجل ما تلف من دينه إذا سلمت له دُنياه](8).
– [يُطبع المؤمن على كل خصلة ولا يُطبع على الكذب ولا على الخيانة](9).
– [يأتي على الناس زمانٌ يكون القابض على دينه كآلقابض على الجمر](10).
و تفاصيل هذه الأحاديث – بإستثناء الأخير – تنطبق اليوم على حكومات ألمُجتمع الأسلاميّة كالعراق الذي يقول فيه الحاكمون الذين نهبوا الأموال بعد بيان تحريم رواتبهم: بأنّها أموال مجهولة المالك و رزق من الله, بينما الحديث الذي ذكرناه في الحلقة الثانية, يقول يحلّ البلاء بأمتي (إذا أخذوا المغنم دولاً)(11) فكيف إذا كانت ألأموال المأخوذة أموال المسلمين و الناس أنفسهم؟

لكن الحديث الأخير القائل: [يأتي على الناس زمانٌ يكون القابض على دينه كآلقابض على الجمر] يُخبرنا بتهرب الناس من دين محمد الحقيقيّ لأن المتمسك به من الناس أقل القليل، بسبب الأوضاع المأساوية التي أشارت لها الأحاديث المذكورة.
وهذا القليل في حالة شدّة ومشقة عظيمة، كحالة القابض على الجمر، من قوة المعارضين ، وكثرة الفتن المضلة ، فتن الشبهات والشكوك والإلحاد ، وفتن الشهوات وانصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها ، ظاهرا وباطنا ، وضعف الإيمان ، وشدة التفرد لقلّة المعين والمساعد.
ولكن المتمسك بدينه ، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين وأهل الإيمان المتين ،
من أفضل الخلق وهم أخوة رسول الله بحقّ، وأرفعهم عند الله درجة ، وأعظمهم عنده قدراً, بل هؤلاء هم الأصفياء الذين يلتقون بآلأنبياء و المعصومين في نومهم و يقضتهم بكل سهولة و يسر ليخبروهم بأسرار الحياة و الوجود.
و هؤلاء هم وحدهم من يحفظ ألصّداقة ويحرص على الأمانة ولا يبيح الأسرار, و قد أخبرنا عنهم رسول الله (ص) بقوله:
[لا يكون الصديق لأخيه صديقاُ حتى يحفظه في نكبته و غيبته و بعد وفاته].
وهذا بعكس جميع علاقات الصّداقة اليوم بين الناس بضمنهم حتى”المؤمنين” حيث لا تساوى (شِلناً) لأنكَ لا تستطيع الأعتماد عليهم؛ لتحليلهم للحرام وتحميرهم للحلال وإستحباب الغيبة والنميمة والنفاق لتلطيف مجالسهم وإجتماعاتهم التي تجمعهم على أساس المصالح و شدّ ألأرز على المعاصي و نبذ القيم و تحطيم الفكر والتأمل الذي أوصانا به القرآن و آلرّسول(ص) تفصيلاً, و يُبرّرون ذلك بأعذار واهية الهدف منها؛ الأنتصار لذواتهم المريضة بكلّ ألسّبل والحيل الممكنة.
الفيلسوف الكوني / عزيز الخزرجي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (تُحف العقول عن آل الرسول)(ص), باب مواعظ النبي و حكمه, ص52 – 53. المطبعة الأسلامية, ط1, تأليف محمد بن شعبة الحراني.
(2) نفس المصدر السابق, ص53. و الذئب هو أخبث و أقسى حيوان ينهش كل شيئ وبلا حدود وحياء وخوف من أجل شهوته و بطنه!
(3) نفس المصدر السابق, ص53.
(4) نفس المصدر السابق, ص50.
(5) نفس المصدر السابق, ص51.
(6) نفس المصدر السابق, ص51.
(7) نفس المصدر السابق, ص51.
(8) نفس المصدر السابق, ص52.
(9) نفس المصدر السابق, ص54.
(10) (تُحف العقول عن آل الرسول)(ص), باب مواعظ النبي و حكمه, ص221. المطبعة الأسلامية, ط1, تأليف محمد بن شعبة الحراني.
(11) [إذا فعلتْ أمّتي خمسة عشر خصلة, حلّ بها آلبلاء, قيل يا رسول الله ما هُنَّ؛ قال(ص): إذا أخذوا المغنم دولاً, و الأمانة مغنماً, و الزكاة مغرماً, وأطاع الرّجل زوجته و عقّ أمّهُ, وبرَّ صديقهُ و جفا أباه, وإرتفعت الأصوات في المساجد وأُكرم الرّجل مخافة شرّه و كان زعيم القوم أرذلهم وإذا لُبِسَ الحرير و شُرِبت الخمر و إتّخذ القيان المعازف و لعن آخر هذه الأمة أوّلها, فليَتَرقّبوا بعد ذلك ثلاث خصال: ريحاً حمراء و مسخاً و فسخاً], راجع (تُحف العقول عن آل الرسول)(ص), باب مواعظ النبي و حكمه, ص52. المطبعة الأسلامية, ط1, تأليف محمد بن شعبة الحراني.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here