كيف ظلمت السينما المسرح!!

هايل المذابي
………
قلت ذات مرة أن السينما تصنع فيلماً و المسرح يصنع ممثلاً ..!
كثيرون هم من بدأوا رحلتهم في عالم السينما بالتمثيل على خشبات المسارح، فكان المسرح هو الجسر الذي عبروا به إلى عالم الشاشة الصغيرة.. لأجل ذلك كان المسرح أبو الفنون لكن الجميع يتنكرون لأبوته بمجرد وصولهم..
لنفهم الأمر جيداً يكفي أن نعرف طبيعة إنتاج الفيلم السينمائي و طبيعة إنتاج المسرحية و كذلك القنوات التي يجب عبورها في كلا الفنين..
السينما تصوير مشاهد بكاميرات متخصصة كل مشهد مجزوء و يعاد تصويره مرات و مرات حتى ينال الرضى من المخرج ثم يتم تجميع المشاهد في عملية مونتاج يشرف عليها المخرج و بعد ذلك يتم عرض الفيلم في شاشات العرض الموجودة في كل مكان…
في المسرح يتم العرض بطريقة مباشرة من و إلى الجمهور و أمامهم لا مجال للأخطاء أو الإعادة و على كل ممثل حفظ نصه الذي سيقوله و نادراً يحصل الارتجال في حالة نسيان الممثل لجزء من النص و هذا يختلف تماماً عن طبيعة السينما فالممثل لا يحتاج إلى حفظ النصوص و كل ما عليه هو بعض التجارب و القراءة من اللوحات لما سيقوله و تجربة الأداء مرة تلو أخرى حتى يوافق المخرج..!
إن ولوج عالم الشاشة الصغيرة و النجومية في عالم السينما و المسلسلات يشبه سهولة الدخول إلى عالم السياسة بدفتر الشيكات أما التمثيل في المسرح فيجب أن تكون موهوباً في كل شيء و صاحب ملكات حقيقية..
المسرح هو الاختبار الحقيقي للموهبة البشرية و قدراتها و إمكانياتها و لا أقصد أن التمثيل في عالم السينما و الشاشة الصغيرة خطأ مثلاً أو غير جيد و لكني أدافع عن المسرح الذي يكاد ينقرض جماهيرياً بسبب هذه الأساليب التي يتم التعامل بها معه.
السينما أسرع في إيصال الرسالة و لا يحتاج إلى أن يكون المشاهد صاحب شهادة علمية ليشاهد الفيلم و هذا يشمل المسرح أيضا لكن السينما بكل تأكيد قد حطمت مركزية المسرح و قللت من شأنه و أصبح بالامكان مشاهدة الأفلام السينمائية في أي مكان و يكفي أن يمتلك الإنسان هاتف أندرويد من أجل ذلك..
و ربما بالامكان تحقيق ذلك للمسرح بالتسجيل المرئي للعروض المسرحية لولا أن هناك تصور لا متغير في الذهنيات الثقافية يعتبر مشاهدة العرض المسرحي عبر الشاشات الصغيرة يشبه قراءة الكتب إلكترونياً و كما يملك الكتاب الورقي قدسية خاصة بالمثل نجد تلك القدسية ذاتها تحف العرض المسرحي و مشاهدته في القاعات و على الخشبات بشكل مباشر…
لكن أجزم أن الطفرة العظيمة التكنولوجيا التي نعيشها ستجعل الأمر مقبولاً ذات يوم خصوصاً لمن يسكن رأسهم ذلك التصور..
و بالعودة إلى موضوع المسرح و السينما فالقول بأنه لا يمكن أن يصبح المرء نجماً حقيقياً في عوالم الشاشات الصغيرة و السينما ما لم يكن مسرحياً و ما لم يجتاز اختبار الموهبة على خشبة المسرح..
و أعتقد أن الثيمة التجارية و الأموال الكثيرة التي يحصل عليها الممثل و المخرج في عالم السينما هي السبب في ازدهار السينما و هي السبب في خذلان الفنانين للمسرح. إنها حكاية أخوين أحدهما زاهد عن متاع الدنيا و الآخر ولد لينعم بالرفاهية…!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here