لماذا تركت التدخين ؟

بقلم الدكتور رضا العطار

وجهات النظر للتدخين متعددة، منها الوجهة الصحية والوجهة الاقتصادية والوجهة الاجتماعية واخيرا هناك الوجهة السيكولوجية.
فإما الوجهة الصحية فلم يعد هناك شك في الضرر الجسيم الذي يحدث للمدخن سواء بأضعاف جسمه في الغالب او قتله بسرطان الرئة في النادر. فالمعروف عن النيكوتين انه من افظع السموم تأثيرا. وقد كان البعض يظنون الى عهد قريب ان هذا السم لا يؤثر في المدخن لانه يحترق اثناء التدخين، وليس شك في ان 999 بالألف منه يحترق ويتبدد دخانا لكن الواحد بالألف يبقى في الجسم ويتراكم مع الوقت.

وقد اثبت – رايموند بيرل – عن طريق استقصاء حياة المؤمّنين في شركات التأمين الامريكية بان جميع المدخنين تنقص اعمارهم في المعدل مقارنة بغير المدخنين. وانه كلما زاد التدخين الى حد الادمان زاد النقص في الاعمار.
واما من الناحية الاقتصادية فان النظرة العاجلة في بعض العائلات الفقيرة تثبت فداحة الأثر الذي يحدثه المدخن في مصروفاتها. وهي احوج الى المال لشراء الغذاء الصالح او اللباس الواقي او تربية الابناء. فالتدخين عادة مذمومة، تلوث اليد وتفسد النكهة وتجعل غرفة المدخن غائمة بسحب كريهة من الدخان، كما ان اعقاب السجاير تخلف روائح لا تطاق، وقليل من المدخنين من يحس بمزعجاتها وان اكثرهم لا يبالي بها. وحينما نحن ـ من غير المدخنين ـ ندخل احدى الغرف التي اختنق فيها الهواء بروائح الدخان فاننا نتأفف ونشمئز ولكن المدخن لا يلتفت اليها.

يقول كاتب السطور : حينما كنت مقيما في المانيا في الخمسينيات من القرن الماضي كنت الاحظ ان صاحب الدار حين يدعو اصدقائه الى منزله، كان لا يسمح لضيوفه بالتدخين داخل منزله بل يهديهم الى حديقة داره لكيلا يصيب الدخان صحتهم. والظريف في هذا الامر اني زرت يوما زميلا لي في الجامعة في منزله في المانيا، وحينها كنت مدخنا، وعندما شاهد السيكارة في يدي طلب مني فورا ان اطفيها، حرصا على صحة البلبل الذي يغرد له من قفصه.

في عام 1957 كنت اشتغل في قسم الباثولوجي الملحق بأحدى مستشفيات جامعة برلين، وقد كُلفت في حينه تشريح جثة فتاة كانت في الثلاثين من عمرها، وقد سقطت جثة هامدة في الشارع بينما كانت تدخن. وعندما فتحت صدرها فاحت منه رائحة النيكوتين العتيقة النتنة. وكان منظر الحويصلات الرئوية عندها مقرفا، رمادية اللون، كلون المياه الراكدة الأسنة. وعند فحص دمها المتخذر، وجدت نسبة سم النيكوتين فيه عالية، مما سبب موتها.
هذه الحادثة كانت بالنسبة لي دليلا قاطعا على سعة الاخطار التي يمكن ان تلحق بحياة الانسان المدخن، ومن ساعتها تركت التدخين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here