الانتخابات وتداعياتها.. ليست ضمن أولويات الأنباريين

كمال العياش

الانتخابات النيابية وما ترتب عليها من نتائج وتحالفات واتهامات بالتزوير، لم تسهم في إثارة الرأي العام داخل محافظة الأنبار، حتى بدا المشهد وكأن السكان المحليين غير معنيين بهذه الانتخابات وإفرازاتها.

الانتخابات التي جرت في الثاني عشر من أيار (مايو) الماضي، كانت هي الانتخابات الأولى التي تجري في محافظة الانبار بعد تحريرها من جماعات داعش، جزئية ربما تستدعي ضرورة الاهتمام والمشاركة الفعالة من قبل السكان المحليين في الانتخابات، باعتبار أن المحافظة تسعى إلى العودة بقوة إلى المعترك السياسي والاجتماعي، لا أن تسود المجتمع حالة اللامبالاة وعدم الاهتمام.

ستة أسابيع مضت على إجراء الانتخابات النيابية ولم تتضح بعد معالم الحكومة المقبلة، وكل ما يعرفه المواطنون عن هذه الانتخابات أنها زورت، عدا هذا فهم يولون الاهتمام بقضايا أخرى قد تكون محاولة للهروب من الواقع ومنها مباريات المونديال 2018.

ربما يكون الاهتمام بمتابعة أحداث كاس العالم 2018، احد أسباب انصراف السكان المحليين عن الاهتمام بما له علاقة مباشرة بحياتهم اليومية، لكن الواضح أن السكان المحليين في محافظة الانبار يهربون من الانتخابات ونتائجها إلى ميادين مختلفة، وخلف هذا الهروب قد تكون أسباب أعمق وأدق تفسر اللامبالاة وعدم الاهتمام.

جرت العادة على أن يستمر الصراع الانتخابي سياسيا وشعبيا بين مؤيد ومعارض لتحالفات سياسية أو برامج انتخابية قبل وبعد الانتخابات، ولن ينتهي هذا الصراع بإعلان النتائج بل يستمر حتى تشكيل الحكومة وفق توافقات سياسية، في الغالب تضع نصب أعينها الحراك الشعبي الذي يؤطر شكل الحكومة القادمة ويؤثر ويتأثر بقراراتها وإجراءاتها.

على الصعيدين السياسي، والاجتماعي لم تشهد محافظة الانبار (110كلم) غرب العاصمة بغداد، أي حراك يناقش تداعيات العملية الانتخابية، أو حلقات نقاشية تسعى للتوضيح والاستيضاح من خلال مؤتمرات جماهيرية وشعبية، على الرغم من أن الكيانات السياسية الممثلة للمحافظة كان لها حصة الأسد من اتهامات التزوير التي أشعلت فتيل أزمة الانتخابات.

مشهد اللامبالاة والذي تم وصفه من قبل بعض الباحثين والناشطين “بالبلادة الانتخابية”، قد لا يكون غريبا لاسيما وان المحافظة لم تسجل نسبة مشاركة عالية في الاقتراع العام، حسب بعض المنظمات المحلية والدولية الأمر الذي يعكس الواقع الحقيقي لاهتمام السكان المحليين بالعملية الانتخابية.

عبد القادر علاوي (45عاما) باحث في الشؤون السياسية احد السكان المحليين لمدينة الرمادي، يرى أن حالة الإحباط التي سيطرت على غالبية السكان المحليين نتيجة التمثيل السيئ لهم من قبل السياسيين، ربما تمثل التشخيص الدقيق لعدم تفاعل الغالبية مع هذه الممارسة الدستورية.

علاوي تحدث لــ”نقاش” قائلا “تشير البحوث الاستطلاعية التي تمت دراستها الى أن المعاناة التي لحقت بالسكان المحليين في عموم مدن المحافظة كانت نتيجة السياسة الركيكة لممثلي المحافظة، الأمر الذي انعكس سلبا على رأي الغالبية بالطبقة السياسية، والتي لم تعد برامجها ودعايتها الانتخابية أو تظلمها بعد إعلان النتائج ضمن أولوياتهم”.

تحديث سجل الناخبين وشمول النازحين بعمليات الاقتراع والحراك السكاني الذي لم يكتب له الاستقرار بعد بسبب الإجراءات الامنية، عوامل ولدت الإحساس بعدم جدوى العملية الانتخابية برمتها من جهة وعدم رصانتها من جهة أخرى، حتى اجمع غالبية من التقينا بهم من السكان المحليين على أن الانتخابات ما هي إلا تحصيل حاصل، والاهتمام بها أو بما ينتج عنها مضيعة للوقت والجهد والتفكير.

أكرم فاضل (42عاما) والذي يقطن مدينة الفلوجة تحدث لـ”نقاش” قائلا “قناعة السكان المحليين في محافظة الانبار أن نتائج الانتخابات محسومة، وان أيادي الفاسدين متوغلة ومتمرسة في سلب حقوقهم ومصادرة آرائهم بمساندة الوصوليين والمنتفعين من داخل دوائرهم الانتخابية، أدى بهم الى التزام الصمت تجاه الانتخابات، وان ما يجري وما ينتج عن هذه الانتخابات ولو بعد حين هو تحصيل حاصل”.

ويضيف أيضا “التفكير والاهتمام بنتائج الانتخابات وما ستؤول إليه لا بد له أن يخرج من إطار التفكير والكلام ويترجم الى أفعال وممارسات، ولا اعتقد أن المحافظة باستطاعتها أن تترجم أقوالها الى أفعال مرة أخرى، لاسيما وإنها قد عانت التهجير والنزوح نتيجة لتظاهرات واعتصامات، كانت كرد فعل حول سياسات وممارسات رفضها المجتمع وتفاعل معها”.

حالة الإحباط التي سيطرت على غالبية السكان المحليين وما رافقها من قناعة بعدم رصانة العملية الانتخابية، لم تكن الأسباب الوحيدة التي أدت الى عدم الاهتمام والتفاعل، إذ كان لنتائج الانتخابات التي أشارت الى تصدر أحزاب وتحالفات معينة، الأثر الكبير في نفوس السكان المحليين.

الدكتور عدنان الجميلي (48عاما) باحث أكاديمي وناشط مدني والذي يقطن مدينة الرمادي تحدث لـ”نقاش” قائلا إن “نتائج الانتخابات التي أعلنت عن تصدر واضح لأحزاب وتحالفات غالبيتها شيعية، احد أهم الأسباب التي أدت الى عدم الاهتمام بما ينتج عن العملية الانتخابية، باعتبار أن ممثلي محافظة الانبار لن يتمكنوا من تشكيل رقم صعب داخل معادلة العملية السياسية، أو الحكومة المقبلة”.

ويقول أيضا “هذا الشعور وفر على المواطنين في محافظة الانبار عناء التفكير والتمني ليجلس منتظرا ما يتم الاتفاق عليه بين قادة الكتل الكبيرة، ومن ثم يتكيف معه بناءً على ما تفرزه المرحلة الجديدة، والى ذلك الوقت لا يرهق نفسه في أحلام وأمنيات تحقيقها مستحيل، لاسيما وانه على يقين أن من يمثلونه سياسيا خارج طاولة الحوار السياسي”.

عدم الاهتمام بالعملية الانتخابية وتداعياتها قد يكون نتيجة لأسباب الإحباط والقناعة المطلقة بعدم رصانته فضلا عن معرفة التمثيل الحقيقي، الا انه في أفضل الأحوال يعكس الصورة الحقيقية للرأي العام ونظرته حول مستقبل لم يعد يوكل مهمة الارتقاء به لما تفرزه صناديق الاقتراع، ولم يعد ينتظر حكومة أو قيادة تنتجها الممارسة الدستورية تتولى مهمة انتشاله من واقع مرير.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here