بقلم مهدي قاسم
أظن أن فئات و شرائح من المجتمع العراقي ( سيما منها غالبية الطبقة السياسية السائدة و المتنفذة ) قد دخلت مرحلة جديدة من تعقيدات و أزمات أخلاقية و انحطاط قيمي مُريع ، بحيث أنها بهذا الوضع تكون قد تجاوزت مجمل التحليلات السوسيولوجية السابقة لعالم الاجتماع الراحل علي الوردي ، لتأخذ بُعدا جديدا ، ربما قد تكون عصية على أي تحليل سوسيولوجي معاصر أو جديد أو حتى مجرد إحاطة بها ، و ذلك بسبب طابع الغرابة واللامعقول الذي تتسم بها لاأخلاقية هذه الفئات السياسية و مريديها و طبّالها ومرتزقتها المنتفعين ، من وقاحة و صلافة قد تضاهي حتى صلافة دواعر مبتذلين ..
نقول ذلك لكوننا نعتقد بأن الخالق الأعظم ، او أمنا الطبيعة الزاخرة والمعطاءة ، قد منحت أو زودت معظم البشر بفطرة أو بغريزتي خجل و حياء ، فضلا عن يقظة ضمير متأهبة ــ تلقائيا ــ مع إشارات ” قف أو استوب ” عندما يأخذ المرء بالانحدار نحو ارتكاب وضاعة تلو أخرى حثيثا ، فتتحرك كوابحها إشارة انتباه بالوقوف ، محسّسة إياه بالخجل و الحياء و عدم تجاوز خطوط حمراء مرسومة اجتماعيا لقيم مبدئية وأخلاقية سائدة أو غابرة ..
فربما يتوقف خجلا أو تلبية لنداء ضمير ..
إذ أن معظم الناس ــ أن لم يكن كلهم ــ معرضين لارتكاب أخطاء ، ولكن لحد معين ثم يعطون فرصة لأنفسهم لتراجع أو إعادة نظر في وضعهم لعدم تكرار ذلك ..
أما الذين تنعدم عندهم هذه المؤشرات الحمراء للتوقف و عدم مواصلة الانحدار نحو درك الحضيض النهائي فهم سيواصلون انحدارهم سريعا و بدون أي إحراج أو شعور بخجل و عار ..
فليس عندهم من شعورحياء ليخجلوا من مغبة أفعالهم الدنيئة ..
و هذا بالضبط ما فعله و يفعله ساسة متنفذون و فاسدون في العراق منذ سقوط النظام السابق و حتى الآن ، من ضروب وضاعة و دناءة غير مسبوقتين في تاريخ المجتمعات المعاصرة ، سيما عندما يتفرجون على خراب بلد ومعاناة شعب معذب يوما بعد يوم ، وهو محروم من أبسط مقومات الحياة العصرية ..
فأي تحليل يمكن أن يُكتب عن هؤلاء الأنذال و بأية صيغة و تحت أية خانة
ومقاييس أو منظور ؟ ..
فماذا يمكن أن تكتب عن سياسي متنفذ يعترف علنا و عبر فضائيات قائلا ” بأننا قد فشلنا ” يقول ذلك بعد ثمان سنوات من حكمه الكارثي للبلد و بدلا من أن ينزوي جانبا ــ ليشكر ربه بأنه ليس خلف القضبان سجينا ـــ ، فإنه يّصر على البقاء في مواقع السلطة مسببا خسارة مادية شهرية هائلة لميزانية الدولة الفقيرة ، و كذلك أمثاله الآخرين أيضا ومع ذلك ، نراهم هم أيضا يتكالبون مصّرين على البقاء في مواقع السلطة و صنع القرار ، طبعا ، لزيادة امتيازاتهم ومخصصاتهم فقط ، دون أن ينكروا مظاهر الفساد و معالم الخراب التي لُحقت بالعراق في الوقت نفسه ..
و كأنما مخلوقات غامضة قادمة من الفضاء الخارجي هي التي تسببت بكل هذا الفساد ومظاهر الخراب و التخلف والمعاناة و الكوارث و الفواجع المتواصلة حتى الآن ..
حقيقة …
هؤلاء خارجون عن إطار أي تحليل سوسيولوجي ممكن ..
إذ أنهم بكل بساطة خارج التغطية تماما ..
كما يُقال !..
أي أنهم خارج إطار كل القيم الأخلاقية والمبدئية الأصيلة من تعاطف إنساني و غيرة أو شهامة ورجولة حقة ..
فالرجولة الحقة تتجسد عادة بمواقف شهامة و أعمال وطنية و إنسانية مشهودة وغير ذلك ، و ليس بارتكاب نذالات تلو أخرى و بشكل متواصل ، من أجل الحصول على ملايين دولارات على حساب دموع ومعاناة مئات آلاف من أيتام و أرامل الضحايا والفقراء المساكين المعدمين ، و الذين بعض منهم ينبشون بين تلال زبالة و نفايات مع أطفالهم سوية ، لتوفير لقمة خبز مغموسة بالتراب و السواد والعرق الغزير!..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط