جدلية التوافق بين كتاب العهد القديم..والقرآن الكريم..الى أين ؟

د.عبد الجبار العبيدي
—————————————————
ابتداءً نقول : لا يمكن فهم اي نص لغوي أو ديني الا على نحوٍ يقتضيه العقل . دعنا اخي القارىء ان نفهم هذه الجدلية التي عوقت مسيرة الاخوة الانسانية التي اعترفت بها كتب الديانات الرئيسية دون تفريق.فهل حقا ان الديانات التي سبقت الاسلام تدخل ضمن مفهوم الديانات الكافرة…كما تدعي مؤسسات الدين..؟
يقول الحق في القرآن الكريم : “ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات…والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما،الاحزاب 35″.
ويقول تعالى ايضاً :” فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين”الذاريات /34،35 .
ويقول تعالى :”ما كان ابراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفا مسلماً،آل عمران 67″.
ويقول تعالى:”ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين، الأعراف 126″.وآيات أخرى كثيرة يذكر فيها الاسلام وانتماء أصحاب اديانات الاخرى له كما في سورة آل عمران 52، ويونس 72-73 ،وغيرها كثير.
نفهم من هذا كله ان الاسلام شيء والأيمان شيء أخر ،وان المسلمين ليسوا اتباع محمد حصراً، بل المؤمنين ، وهنا تنطبق الحقيقة الموضوعية ان اللفظتين جائتا معاً في سياق واحد..ولا فرق بينهما الا في التطبيق الواقعي لهما ..لذا فان الاجناس الأخرى لا تعتبر من الكافرين حسب ما يدعي منطق مؤسسات الدين الناقصة التحقيق.
اذن من هنا نفهم من هم المسلمون ومن هم المؤمنون..؟ ولماذا عَتم علينا الفقهاء تفسير هذا النص القرآني بما يقتضيه منطق العقل ليتحتم علينا معرفته ونقله للناس بحقيقة نزوله لامتصاص التباعد والتناحر بين اصحاب الديانات المتعددة ؟ هذا حلال ..وهذا حرام ، الذي نكتوي به اليوم..
ليس هذا فقط ،بل من اين جاؤنا بالمذاهب المختلفة التي ولدت لدينا فُرقة الصلاة والآذان ومقتضيات الواجبات الدينية ؟ جاءتنا من فقهاء عهد البويهيين..كما في كتاب الكافي للشيخ الكليني(ت329 للهجرة) ومن الشيخ ابن بابويه (ت381 للهجرة) من لا يحضره الفقيه ، والشيخ المفيد (ت431للهجرة) وكتابه الارشاد . ثم الماوردي (450 للهجرة)في كتابه السلطنة الجديدة ، والغزالي(ت505 للهجرة) ومسألة الافضلية في الخلافة ، وغيرهم كثير.مما سببوا لنا ارباكا في العقيدة والدين معا ،ادى الى التناحر والتخاصم المؤيد من السلطة السياسية لأضعاف وحدة المجتمع .
ومن اين جاؤنا بالاحاديث النبوية المختلفة التي فرقت بين المسلمين وباعدت بينهم ؟والرسول (ص) نهى عن ذكر أحاديثه حين قال (ص) : ” لا تنقلوا عني غير القرآن مخافة ان يختلط كلامي بكلام القرآن،أنظر الواقدي (ت207) في المغازي “. كل هذه الخزعبلات الدينية والاحاديث المروية المبهمة ..جاءتنا من صحيحي مسلم والبخاري وبحار الأنوار،حتى تبين لنا اليوم كلها احاديث موضوعة ومن اساطير الآولين.
ومن اين جاؤنا بالقراءات القرآنية المختلفة التي احدثت شرخا عميقا بين اصحاب الدين الواحد ؟كما جاء في سورة المزمل الآيات 1-5 والتي تقول “ورتل القرآن ترتيلا”..اي رتب موضوعات القرآن في نسق واحد كي يسهل معرفتها..وليس القراءة كما علمونا خطئاً. وامور اخرى كثيرة اصبحت حقائق وما هي الا أوهام.
ومن اين جاؤنا بنظريات التشدد الديني وتفسير الشريعة الاسلامية كل على هواه..حتى مزقوا الدين والنص وجعلونا اشتاتا متباعدين ،كل منا يعتقد ان مذهبه افضل من مذاهب الأخرين ..؟ كلها جاءتنا من طبيعة الصراع الفارسي العثماني ونحن اكتوينا بها دون تفكير لضعف الحياة السياسة التي تحكمنا بدون تفكير..
فهل اصبحت الديانات مصدرا من مصادر التفريق والعداء بين الناس .في وقت يجب ان تكون هي الرمز لوحدة المؤمنين ؟
اذن ما الحل …؟
أنظر اخي القارىء لجملة مغالطات التفسير سترى بنفسك سياسة السلطة وكيفية تفريق الناس لأضعافهم ،وبقاء السيف فوق رؤوسهم لمصلحة الحاكم الغاشم..؟ بعد هذا من حقك ان تقول ان القرآن هو دستورنا في العالمين وهو صالح لكل زمان ومكان .. صحيح لكن كيف وعلى اية فلسفة نفهم النص في التطبيق..؟
وبالمقارنة لو تصفحت كتاب العهد القديم والجديد (كتاب الحياة)وقرأت فيه ما كتب عن النص الديني للديانات التي سبقت الاسلام .. تجد ان الله حباً منه للانسان،واكراماً لصورته التي أضفاها عليه تدخل في سياق التاريخ فرسم له طريق الهداية والخلاص،والعلاقة الجدلية للانسان مع الاخر لحسن تقويمه ومنفعته في الحياة..هذه الظاهرة الايجابية بارزة في كل اسفار العهد القديم والحديث..فقدم له الشريعة السمحاء والصراط المستقيم والعدل المطلق التي بينها للانسان المسلم فنهاه عن الحقد والكراهية والغضب والخيانة والفوضى ..وحثه على النقيض ليسود العالم السلام والمحبة..
نرى في ذلك جدلية واضحة المعالم ايجابية التطبيق بين الديانات..نأمل ان تتآخى الديانات كلها لصالح الانسان ويبتعد اصحابها عن كل حقد لئيم مادامت كلها جاءت من خالق واحد كريم.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here