هل سيكتمل عقد أهل الكساء؟

يعتبر توظيف الدين في السياسة أمر إستراتيجي عند الأحزاب والحركات الإسلامية كي تعبد الطريق نحو السلطة، كون الدين هو من أشّد العوامل جذبا في إستمالة قطاعات واسعة من الجماهير في البلدان الإسلامية وعلى الاخّص تلك التي لا تمتلك الوعي الكافي في بحثها عن مستقبلها ومستقبل أوطانها. كما وأنّه يعتبر سلاحا قويّا في مواجهة الحركات اليساريّة والعلمانيّة وعموم الحركات الديموقراطيّة في تلك البلدان، فسلاح الدين هو رأس الحربة في حسم المواجهات بين التيارات الإسلامية والعلمانيّة ومنها اليساريّة.

في المجتمعات المتخلفّة كما المجتمع العراقي يستطيع أي رجل دين شحن آلاف البسطاء للوقوف ضد من يدافع عن مصالحهم، بإستخدامه وتوظيفه لآيات قرآنية أو أحاديث نبويّة أو مرويّات عن أئمة الشيعة أو السنّة. وإن فشل رجل الدين هذا في إقناع هذه الجماهير لأسباب منها عدم ثقة الجماهير بالدولة أو السلطة التي يعمل رجل الدين في ظلّها، فأنه يذهب الى سلاح أمضى وأقوى وهو إتّهام العلمانيين واليساريين بالإلحاد. والأحزاب والتيارات الدينية لا تفرق كثيرا عن رجل الدين في توظيفها للدين وهي تواجه الحركات اليسارية والعلمانية عموما في حسم معركتها من أجل السلطة، فالإثنان أي رجل الدين والذي يمثل المؤسسة الدينية من جهة والأحزاب الدينية من جهة أخرى لها هدف واحد وهو قيام الدولة الإسلاميّة.

منذ بدء أوّل ممارسة يقال عنها ديموقراطية في العراق، وظّفت المؤسسة الدينية والأحزاب والحركات والميليشيات ، المذهب خدمة لمصالحها. وكان تأويل الأرقام والشعارات وترجمتها مذهبيا لدغدغة مشاعر وقلوب البسطاء حاضرة في كل إنتخابات “ديموقراطية !!” جرت بالبلد لليوم. فالتحالف الشيعي والذي كان يحمل الرقم 555 وشعاره الشمعة، إعتبرته الأحزاب الشيعية ومعها المؤسسة الدينية رقما إعجازيّا منحه الله لهذا التحالف كي يقود العراق، فكانت الخمسة الأولى رمزا لأهل الكساء والثانية رمزا للصلوات الخمس والثالثة لأركان الإسلام الخمسة. وقد ذهب رجال الدين والساسة الشيعة الى أبعد من ذلك وهم يستخدمون الأرقام وفق حساب الجمل كي تشير الى رمز شيعي وهو المهدي، فكانت قراءتهم للرقم “555” هو “يا مهدي بن الحسن أدركني”. لكن يبدو اليوم ومن خلال التجربة العملية لحكم الأحزاب الشيعية بالعراق أنّ المهدي لم يدرك هؤلاء اللصوص ولا حتى فقراء الشيعة ولن يدركهم وأنّ شمعتهم قد حرقت البلد.

في الإنتخابات الأخيرة ومن على شاشة أحدى الفضائيات، صرّح نائب شيعي من أنّ التحالفات الشيعية الخمسة وهي “النصر ودولة القانون والفتح وسائرون والحكمة” هم كأهل الكساء الخمسة. ويبدو أنّ قراءته لشكل التحالفات التي ستهتم بأمر تشكيل الحكومة وعلى الرغم من النقد الذي وُجّه إليه وقتها هو أكثر عمقا من قراءة قوى يسارية وعلمانية لشكل الحكومة القادمة، كما وأنّها حددّت بالضبط عدد القوائم الشيعية وأسمائها من تلك التي ستشكل الحكومة مع أطراف أخرى، فلا نجد مثلا المجلس الأعلى وبعض التنظيمات الشيعية الأخرى ضمن أهل الكساء الذين ذكرهم.

فقائمة سائرون بزعامة رجل الدين الشيعي وأحد أهم أهل الكساء نفوذا اليوم “مقتدى الصدر” ومن أجل تشكيل حكومة أبويّة تحت رعايته بعد أن أصبحت حكومة التكنوقراط من الماضي، فتحت أبواب التحالف معها على مصاريعها، لتتنصل من برنامجها الذي يشترك فيه عدد من الأحزاب العلمانية ومنها الحزب الشيوعي العراقي، كونها قائمة عابرة للطائفية وهدفها الرئيسي هو محاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة. فدخل من بابها هذا ثلاثة من أهل الكساء وهم “النصر و الحكمة وتحالف الميليشيات المدعومة من إيران أي الفتح” ولم يبق الا دولة القانون ليكتمل عقد أهل الكساء، والذي وكما تقول الأخبار أنّهم ، اي “دولة القانون” سيدخلون تحت الكساء عن طريق فتح حوار مع “محمد شياع السوداني” بدلا عن “نوري المالكي” الذي يواجه فيتو من الصدر والعامري. وأهل الكساء هؤلاء هم من حكموا البلد ولازالوا بمحاصصة طائفية قومية لم تنتج سوى الفساد الذي حوّل العراق الى واحد من أكثر بلدان العالم تخلفا وفقرا مقارنة بما دخل خزائنه من أموال.

أنّ مجرد إجتماع هذه الكتل الشيعية من جديد هو إعادة تدوير للطائفية والفساد وجنوح أوضاع البلد نحو الأسوأ، في ظل تراجع كبير ومريع للخدمات ونشاط لتنظيم داعش الإرهابي ووضع أمني غير مستقر وقابل للإنفجار في أيّة لحظة نتيجة إمتلاك 18 ميليشيا ستكون ضمن السلطة للأسلحة المختلفة وعدم إلتزام أعضائها بالقوانين المرعية، وما حادثة شارع فلسطين وترويع المواطنين الآمنين في الأحياء السكنية الا نموذج بسيط لشكل الحكومة القادمة.

الحكومة القادمة لن تكون أفضل من سابقاتها، وستفشل في إيجاد الحلول الجذرية لمشاكل البلد والشعب. وعلى الأحزاب الوطنية أن تنأى بنفسها عن مثل هذه الحكومة لسببين، أولهما أنها وإن أُسْتوزِرتْ فأنها ستحصل على وزارة هامشية وغير مؤثرة ولا تستطيع من خلالها تقديم شيء للناس، والثانية أنّ تشكيل حكومة وفيها جميع أهل الكساء والقوى السنّية والكوردية يعني عدم تطبيق ما جاء في برنامج تحالف سائرون وحينها نستطيع القول للذي يصرّ على المشاركة في تشكيل حكومة محاصصة طائفية قومية والبقاء ضمن حدود المربع الأول “كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا”.

زكي رضا
الدنمارك

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here