ثقافة فن الحياة – المسن، وآفة السمنة !

(*) د. رضا العطار

ذكرنا في الحلقة السابقة انه يجب الا نترك الحب يموت في قلوبنا لان معظم اللبنات في اساس حيويتنا لبنات جنسية. فاذا تهدمت فان الحيوية كلها تتهدم. فبامكان المسن ان يواظب على الممارسات العاطفية حتى لو كان على مستوى خفيض. فالاعتدال يجب ان يكون على الدوام رائده وشعاره.

عرفت حلاقا في اواخر السبعين من عمره يمارس حرفته بنشاط. وهذه الحرفة تحتم عليه بالطبع الوقوف طوال النهار وبعض الليل. كان يخرج من بيته في الصباح الباكر ساعيا على قدميه قرابة الساعة، لا يستعمل وسائل النقل ليصل الى مكان عمله. وهو منتبه الذهن سليم الجسم. يأكل بأشتهاء ويشارك زوجته بالمتعة العاطفية فيما لو كان في الخمسين. وكل ما وجدت فيه ما يخالف سائر الناس انه لا يتغدى ظهرا ويكتفي بكوبين من الشاي. اما من حيث الجسم فهو ضامر نحيف عضليا.

يقول المؤلف : اثناء اقامتي الدراسية في المانيا في خمسينيات القرن الماضي تعرفت على رجل اكاديمي في الخامسة والسبعين من عمره من خلال ملتقى ثقافي يجتمع اعضائه بصورة دورية. وفي نهاية الملتقى دعاني الى منزله لعشاء مخصوص. ولم استفسر منه عن طبيعة هذا العشاء، لأعد نفسي بالمفاجئة. فلما قصدته عرفت انه لاينام ظهرا. كان نحيف الجسم يقضي معظم اوقات فراغه في اهتمامات فكرية، يقرأ كثيرا الى جانب دعوته الى الترويج لأكل الثوم الطازج. مؤكدا على فوائده الطبية قوله :
ان اكثر المسنين في العالم الذين تجاوزت اعمارهم المئة هم من رومانيا، معظمهم اصحاب مزارع لانتاج الثوم، ولهذا السبب كانت مائدة العشاء تلك الليلة تحتوي على صحن من الثوم الطازج المهروش ممزوجا مع اللبن مع قطعة من الرغيف بحجم الكف الى جانب كوبا من الشاي الخفيف وليس شيئا آخر. فقد اضاف لي : ان ما تراه هو مجمل عشاي. وهو لا يتغدى ظهرا انما يكتفي بقدح من النبيذ الاحمر.

ان هؤلاء الشبان في السبعين ليسوا شواذا الا من حيث قلتهم في العدد. وكل ما استطيع ان اجده فيهم من الشذوذ انما هو التزامهم بخطة غذائية صارمة تحول دون السمن. وبرنامج ذهني معين يشغل الوقت ويجعل للمستقبل قيمة وكأن هذا المستقبل هو في حيز الانتظار لأتمام هذا البرنامج.

والان نحتاج هنا الى ان نميز بين السبب والنتيجة. فان نحافة الجسم احد اسباب يقظة الفكر. وعلينا ان نتذكر دوما ان الجسم السليم هو نتيجة العقل السليم، ذلك ان نشاط الذهن ينشط الجسم ويكسبه نظاما ويجعل الحياة لذيذة يبعد الهم و السأم. وثلاثة ارباع اسباب السمنة والترهل والتضخم هي نتيجة السأم وعدم الحركة. حين يقبل احدنا على الطعام وياكل بنهم ويعاود الاكل في وجبات متعددة وكأنه يتسلى بالطعام. وهو عزائه الوحيد، بينما هو يعيش ذهنيا وعاطفيا في خواء. وان اللذة الباقية له هي مضغ الطعام.

والسمنة المتفشية بين نسائنا يعود بالاساس الى هذا السبب اي خواء النفس، لقلة ما يشغل المرأة في البيت من الاهتمامات. فتلجأ الى لذة الطعام. وعلى هذا يجب ان نتذكر ان الحياة العقلية النشيطة تجعل الناس يحتفظون بشبابهم بعد الستين. وهي التي ملأت سنوات عمرهم باهتمامات عالية جعلتهم يشعرون بلذة الحياة ومجدها وهم بهذه اللذة الروحية يستغنون عن لذات الطعام التي يقع فيها كثيرون فيحفرون قبورهم بأسنانهم ويموتون في وقت مبكر خاصة لو علمنا ان السمنة المفرطة تسبب لصاحبها الكثير من الامراض، وارتفاع ضعظ الدم الذي يؤدي في النهاية الى عجز القلب.

* مقتبس من كتاب حياتنا بعد الخمسين للعلامة سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here