مهاتير محمد نموذجا لرجل الدولة

أنشأت بريطانيا أولى مستعمراتها في شبه جزيرة “الملايو” في عام 1786، وتولى البريطانيون السيطرة على ملقا بعد المعاهدة البريطانية الهولندية عام 1824. وفي عام 1826، أنشأت بريطانيا مستعمرة التاج من مستوطنات المضيق، موحدة بذلك ممتلكاتها الآربعة في الملايو “بينانغ، ملقا، سنغافورة، وجزيرة لابوان.”
استقلت ماليزيا كدولة عام 1957، وشهدت السنوات الأولى من الاستقلال نزاعاً مع إندونيسيا حول تشكيل ماليزيا، والصراعات العرقية التي نحت نحو أعمال شغب عرقية في عام 1969 حيث أطلق رئيس الوزراء حينها عبد الرزاق سياساته الاقتصادية الجديدة المثيرة للجدل، التي تهدف إلى زيادة حصة السكان الأصليين حيث حافظت ماليزيا منذ ذلك الحين على توازن عرقي وسياسي دقيق، مع نظام حكم يحاول الجمع بين التنمية الاقتصادية الشاملة، والسياسات الاقتصادية التي تعزز المشاركة العادلة لجميع الأعراق المُشكِّلة للبلاد.
انتخب مهاتير محمد عضواً في البرلمان عن دائرة “كوتا سيتار سيلاتان” عام 1964،، وخسر مقعده عام 1969، بعد خطاب وجهه إلى رئيس الوزراء حينها تنكو عبد الرحمن،
أعيد انتخابه بالتزكية عن دائرة “كوبانج باسو” في العام 1974 ، وعُيّن وزيراً للتعليم. في 13 من سبتمبر عام 1978، عينه رئيس الوزراء حسين أون نائباً لرئيس الوزراء، ثم وزيراً للتجارة والصناعة, وبعد ان استقال “حسين أون” من منصبه لأسباب صحية في 16 من يوليو من العام 1981، أصبح الدكتور مهاتير محمد رئيساً لوزراء ماليزيا ؛ و هو أول رئيس وزراء في البلاد ينتمي لأسرة فقيرة.
أهم التحديات التي واجهت المسؤولين حينها هي تطهير البلاد من الفساد ، ورفع كفاءة المسؤولين ، والتحلي بالأمانة “. الطفرة الاولى التي تحققت هي تحول ماليزيا من دولة تعتمد كُلّياً على الزراعة، وإنتاج وتصدير المواد الأولية، إلى دولة صناعية مُتقدمة يُساهم قطاعيّ الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي حتى بلغت نسبة صادرات السلع المُصنّعة 85% من إجمالي الصادرات، كما أنها تُنتج نسبة 80% من السيارات التي تسير في الشوارع الماليزية ويبدو أن افراد الشعب شعروا بقيمتهم كأفراد وبحجم المسؤولية المُلْقاة عليهم، وتحت ظل رئاسة وزراء الدكتور مهاتير للبلاد، انخفضت نسبة البطالة إلى 3%، وارتفع دخل الفرد الماليزي من 1247 دولار؛ إلى 8862 دولار في عام 200 وانخفضت نسبة الفقر من 52% من إجمالي السكان في عام 1970، إلى 5% فقط في العام 2002
من مقولاته الشهير: إذا كُنّا جميعاً رجال دين؛ فمن سيقوم بتصنيع الطائرات، والصواريخ، والسيارات، وأدوات التكنولوجيا الحديثة؟ يجب أن يَكُون هُناك علماء في التجارة، وفي العلوم التقنية الحديثة، وفي كل مجالات المعرفة, وبناء عليه وضع استراتيجيته في الحكم على خمسة قواعد كانت كالتالي:
1- العمل الجاد الصادق من اجل التعايش والتسامح بين كافة المكونات.
2- منع الفقهاء والوعاظ من التدخل في شؤون الدولة وسياسة البلاد.
3- تجاوز آلام الماضي والتوجه نحو المستقبل.
4- محاربة الفقر والجهل والبطالة والجوع.
5- اشراك كافة الاطراف الوطنية والمكونات المجتمعية دون استثناء والاتفاق على تقديم تنازلات واقعية متبادلة من قبل الجميع وفق خطة مدروسة متقنة.
وبالفعل؛ شهدت ماليزيا ثورة صناعية قامت على صناعة أجهزة الكمبيوتر، والمستهلكات الإلكترونية. وأُقيمت العديد من المشاريع الضخمة التي وضعها معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في العام 1991، وتمتد هذه الخطة لـ 30 عاما قادمة, وهي عبارة عن مخطط تفصيلي لرسم مسار التنمية الاجتماعية والاقتصادية. يشير الرقم 2020 إلى فكرة واضحة تتضمن المكان الذي ينوي رئيس الوزراء الوصول إليه، والحال التي ينبغي أن تكون عليه البلاد بحلول العام 2020 ا
كانت إحدى الصعوبات التي واجهت تلك الرؤية هي أن الناس لم يستوعبوا مفهوم “الأمة الماليزية”، فمن المعروف أن ماليزيا دولة متعددة الأعراق؛ وغير متوافقة، ومختلفة عن بعضها على الصعيد الثقافي واللغوي والديني وأكبر صعوباتها؛ أنها مُنْقسمة في إنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية.
بعدما أنهى مهمته في النهوض بالبلاد، ورأى ثمرة جهوده وإخلاصه؛ تتجلى في ملامح حياة كريمة للمواطنين، والمقيمين في ماليزيا؛ رأى أن الوقت قد حان لإتاحة الفرصة أمام قومٍ آخرين ليخوضوا تجربتهم في النهوض أكثر وأكثر بالبلاد,
مُرتدياً لزيّ غير رسميّ، ومُعتمِراً قبعته الخاصة بالثقافة الماليزية؛ قَدّم الدكتور مهاتير محمد استقالته، وقال في ذلك الفصل في مُذكِّراته:
أعلنت قرار استقالتي من رئاسة أَمْنُو، ورئاسة الوزراء؛ عند الساعة الخامسة والخمسين دقيقة مساءً في 22 يونيو عام 2002. خشيتُ قبل الإعلان أن أنهار، لكن الذي حصل كان أسوأ. فعلى الرغم من أنني تدربت على إلقاء الخِطاب، لم أستطع سوى التلفّظ بجمل متماسكة قليلة، وحين جاء وقت الإعلان؛ انهمرت الدموع من عيني على نحو مُخْجِل، لم أستطع أن أتعامل مع هذه النقطة المِفْصلية في حياتي؛ مثلما كنت أنوي”الجدير بالذكر أن مدّة حُكمه هي واحدة من أطول فترات الحُكم في آسيا” ؛ حصل في نهايتها على لقب “تون”، وهو أعلى تكريم لشخصية مدنية في ماليزيا
وبهذا أصبح الدكتور مهاتير محمد شخصية مُحببة لقلوب الماليزيين وغيرهم داخل ماليزيا وحول العالم، وترك إرثاً عظيماً من الحضارة الماليزية، التي أصبحت إحدى النماذج الحضارية التي يُحتذى بها
(موقع منتديات ثقافية)
د. أحمد رامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here