كيف يمكننا خلق سياسة سعريه مناسبة لزيادة الإنتاج الزراعي؟!

راجي العوادي

[email protected]

مدخل :

– تعتبر مسالة تحديد الأسعار للسلع الزراعية في غاية الصعوبة لكونها تخضع للتشابك والتلازم مع السياسات الاقتصادية الأخرى ، ولهذا فلا يمكن ان نعول على السياسة السعرية وحدها لمعالجة مشاكل الإنتاج الزراعي في الأمد القصير في نفس الوقت هي ليست بالأداة السحرية لكل الحلول ، ومن هنا فإن اجراءات وزارة الزراعة بمنع استيراد الفواكه والخضر خطوة وطنية موفقة لا يمكن النظر أليها من زاوية واحده هي : ان الأسعار سترتفع وتؤثر على دخول المستهلكين فقد يكون هذا صحيحا ويحصل في الأمد القصير ولكن الهدف المتوخى ستظهر أثارة الايجابية في الأمد البعيد وهو زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته لا سميا ان وزارة الزراعة استشعرت قبل غيرها خطر نهج الدول المجاورة بتخريب اقتصادنا والمساس بأمننا الغذائي لحملنا على قبول فكرة ان السلعة المستوردة اقل كلفة من المنتجة محليا فيجب ان لا ننتج ونبقى معتمدين على الاستيراد ، وعلى العموم فان هذا الأجراء المتبع حاليا يبغي الموازنة بين الإنتاج المحلي والاستيراد حيث يجب ان نجعل من الاستيراد جزء مكملا للإنتاج المحلي بدلا ان يكون منفصلا عنه او بديلا له .

ان هدفنا ينحصر في مراعاة الثبات النسبي للأسعار كي نجعلها مؤثرة في توزيع الموارد وزيادة الإنتاج وفي الأمد الطويل إذ ان الأسعار تتذبذب ويتبعها تذبذب في الإنتاج والعكس صحيح او بسبب اخر هو عدم توفر المستلزمات الزراعية أو ارتفاع تكاليفها لذا كان الربط بين سياسة شراء المنتجات الزراعية وسياسة أسعار مستلزماتها ضرورية جدا .

لقد كانت تجربة المملكة العربية السعودية في الثمانينات باعتماد سياسة سعريه مضاعفة لإنتاج الحبوب والتي أخذت بالاعتبار طرفي السعر للمنتج والمستهلك وحققت قفزة مهمة في الإنتاج ومن ثم أعادة النظر بالسعر فيما بعد خير برهان لنجاح السياسة السعرية في زيادة الإنتاج وهناك تجارب أخرى لدول رائده اعتمدت هذا الخيار او اعتمدت الخيار البديل المتمثل بالسياسة الضريبية ولكن الأخير صعوبة الولوج فيه لضخامة الاستثمارات ولحاجتها الى جهاز ضريبي كفؤ له تأثيراته في السلوك الانفاقي في القطاع الزراعي لا يمكن تحقيقه بمثل هذه الظروف التي نعيشها .

المقدمة :

يعتقد الكثير ان قوانين العرض والطلب كفيلة لتحديد سعر التوازن وهذا كلام لا غبار عليه من الناحية النظرية ولكن بشكل عام في الدول الرأسمالية تتحدد الأسعار من قبل المؤسسات الإنتاجية والتسويقية معا حيث العمل خاضع الى التنافس زائدا آلية السوق المذكورة لتحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح وهذا ما جعل السعر يلعب دورا أساسيا في مجال توزيع الموارد الإنتاجية ، ورغم هذا أخذت هذه الدول تتدخل في تنظيم الأسعار ومراقبتها وتحديدها بهدف الحد من ظاهرة التضخم لان السعر لا يمكن ان يترك لآلية السوق وقوى العرض والطلب فقط .

بالتأكيد هناك وعي وتوعية في هذه الدول بأهمية الأسعار ودورها في تنظيم ميزانية الأسرة وترشيد الاستهلاك وتخطيط الأنفاق العائلي بشكل عقلاني وان الأسعار والسياسة السعرية لها دور في توجيه وتوزيع الدخول والموارد ورفع مستوى الكفاءة الاقتصادية وترشيد الاستهلاك وتشجيع الاستثمار وهذا ما نفتقره نحن.

أهداف السياسة السعرية :

إن من أولويات الأهداف المطلوبة للسياسة السعرية الزراعية مدى استجابتها لمتطلبات الأمن الغذائي للوصول الى الاكتفاء الذاتي او تحقيق الإشباع الاستهلاكي المحلي ، ولكن للأسف في الواقع العملي الذي يحصل هو العكس تماما فقد ينحصر الإنتاج ويزداد الطلب حيث الأول يتعرض الى القيود المعروفة بندرة الأرض الخصبة وصعوبة توفر مستلزمات الزراعة او ارتفاع أثمانها وأخيرا ظهرت لنا مشكلة ندرة المياه التي قسمت ظهر البعير في حين لأقيد مؤثر على زيادة عدد السكان ، ولكن على العموم سيكون هدف السياسة السعرية هو أعطاء الأولوية للحنطة والرز ثم باقي المحاصيل والفواكه والخضر إضافة الى هذا فهناك أهداف أخرى مرجوة ومنها :

1 – أحداث تغير في هيكل الإنتاج الزراعي .

2 – تحسين توزيع الدخول .

3 – توفير الغذاء الضروري بأسعار معتدلة وتقليل الاستيراد .

4 – امتصاص الفائض النقدي والتأثير على تمويل ميزانية الدولة عن طريق الضرائب .

5 – بقاء المنتج الزراعي في الأرض وتمسكه بها .

6 – تحديد مستلزمات الإنتاج الزراعي بمستويات منخفضة نسبيا .

كيف نحدد أسس تسعير السلع الزراعية ؟

عادة في الأنظمة الاقتصادية المتقدمة يعد الفرد هو محرك النشاط الزراعي ليِِكّون الربح فيحدد كم وكيف وأين ومتى ينتج ؟؟؟؟!!!!!

تلك القرارات والخيارات المعتمدة له وهذا ما يدعوه ان يلم برسم السياسة الزراعية للإنتاج بدقة ويلم بطبيعة الإنتاج الزراعي وخصائصه ومنها تكاليف الإنتاج المتمثلة بأجور الأرض واندثار الآلات وأجور افراد العائلة والانتباه لموسمية الإنتاج وهذا لا يمكّن المزارع الاستجابة له بسرعة لتغير الإنتاج تبعا لتغير السعر وان السلع الزراعية وخاصة الفواكه والخضر سريعة التلف ليضطر البيع بالأسعار حتى ولو كانت خسارة له لذا المطلوب منا وضع سياسة تقلل تقلبات الأسعار او تحديد أسعار مجزية تعلن في بداية الموسم وإعادة النظر فيها بعد الحصاد او الجني فقد يكون الإنتاج واطئا بحكم الظروف البيئية غير المتوقعة وكذلك وشراء الفائض عن حاجة السوق لخزنه لضمان عدم تدني سعر المنتج .

ان الدور المطلوب منا في تحديد هذه الأسس لا بد الإلمام بالأمورالتالية :

1 – دراسة الأسعار التاريخية لسلسلة زمنية سابقة .

2 – تحديد كلفة الإنتاج بشكل دقيق اعتمادا على الكلفة الحدية .

3 – دراسة موسمية المحصول وظروف العرض والطلب .

4 – دراسة تكاليف النقل .

5 – ان تستهدف السياسة السعرية زيادة الإنتاج واستجابة المزارع لها .

6 – يجب ان نعتمد السعر الحدي بالإضافة الى هامش ربح معين .

7 – ربط الثروة الحيوانية بالعلف المركز .

السياسة الاستثمارية الزراعية :

الحقيقة ان ارتفاع الإنتاج يعتمد على معدل الاستثمار وان القروض تساعد على تقوية موقف المزارعين وتشجهم على زيادة

الإنتاج ولكن المشكلة تكمن في الوعي حيث أشخاص استفادوا من السلف والقروض وهم ليسوا بالأساس متخصصين وليس لهم القدرة والاستعداد لاستثمار هذه الأموال وبالتالي جاءت النتائج ليست سليمة .

كما ان هناك مشكلة أخرى تتعلق بالمصرف الزراعي الذي انحسر دوره بالتابع وليس بالمبادر ونشاطه أصبح يتحدد في ضوء المبالغ التي ترصد له وهو يفكر بسعر الفائدة وكيفية استرداد المبالغ المستلفة ولذا لم تكن له سياسة هادفة في العملية الإنتاجية وزيادتها ولم يميز بين سعر الفائدة على الاستثمارات التي أنتجت والأخرى التي فشلت فيفترض به ان يخفض سعر الفائدة على الأولى ويرفع الفائدة على الثانية .

المشكلة الأخرى هي عدم الأخذ بدراسات الجدوى الاقتصادية والفنية لكثير من المشاريع التي منح أصحابها السلف والقروض ولم ينفذوا التزاماتهم .

لقد لوجظ خلال السنوات الأخيرة توسع المصرف الزراعي بمنح القروض والسلف الى المزارعين في أنتاج اللحوم الحمراء والبيضاء ولكن النتائج عكسية تماما حيث سنويا ترتفع الأسعار مما دعا وزارة الزراعة ان تشكل لجان متابعة فنية للوقوف على المشكلة بتلاعب الكثير من هؤلاء باستلاف هذه الأموال وتوجيها الى استثمارات غير زراعية ومنها شراء وسائط نقل الركاب وتحول الكثير منهم الى مهنة السياقة ليكونوا عبا على السوق الزراعية كمستهلكين بعد ان كانوا منتجين سابقا .

لقد وفقت وزارة الزراعة في أطلاق العنان لتسليف المزارعين لإنشاء البيوت الزجاجية والتي أصبحت مضمونة الجدوى الاقتصادية لو نفذت على الوجه التام لزراعة الخضر وخاصة الطماطة التي يتذبذب سعرها بين 500 – 1500 دينار اعتمادا على ذروة الإنتاج ( فائض العرض ) او الندرة بالسوق كما حصل لموسم 2009 مما نتج عنه خسائر مالية كبيرة للمنتجين عند السعر المتدني الذي يفرضه العرض الزائد عن حاجة الطلب .

الحل لهذه المشكلة بسيط لكون الطماطة متوطنة الزراعة بالأعم الأغلب في مدينة الزبير ومدينة كربلاء وربيعة فيمكن منح هؤلاء المنتجين أفرادا او جمعيات سلف لإنشاء المخازن المبردة لاعتمادها في زيادة العرض للحفاظ على سعر ثابت نسبيا ومتوازن يخدم المنتج والمستهلك معا.

السياسة التسويقية الزراعية :

كما قلنا ان السياسة السعرية تحتاج إسناد وتفاعل وانسجام من السياسات الاقتصادية الأخرى لتعطي ثمارها في زيادة الإنتاج والا فلا يمكن ان تؤدي الأهداف المرجوة ومن هذه السياسات هي السياسة التسويقية والمتمثلة بالنقل والخزن والتي تعاني من مشكلة سيطرة القطاع الخاص عليها بالكامل وهو المتحكم بها فيشتري بسعر من المنتج ويبيع بسعر يزيد عن 30 – 40 % لمصلحته فهو المستفيد الوحيد كما يتلاعب بالسوق عن طريق الاحتكار وهذه المشكلة قائمة منذ زمن طويل حتى عندما كانت الدولة مسيطرة عن طريق الجهاز المركزي للأسعار كانت هذه الحالة قائمة .

وهناك مشكلة أخرى يتعرض لها المنتج وهي جشع الناقلين وارتفاع أجورهم لاسيما في أيامنا هذه بعد ان ارتفع سعر الوقود ولو ان الحكومة قد خطت بخطوة ايجابية بالسماح للمزارعين باستيراد سيارة دون تسقيط سيارة قديمة مقابلها وهذا يعني دعم من نوع اخر لصالح المنتج لحل مشكلة نقل الإنتاج .

نقول ان القطاع الخاص قد اضطهد المنتج والمستهلك والمقترح المطلوب ان توجد مؤسسات تسويقية مختلطة او خاصة بإشراف حكومي او منظمات جماهيرية كالمجالس البلدية وهذه الفكرة مطبقة بأكثر من بلد ففي بريطانيا يوجد مجلس تسويق المنتجات الزراعية حتى الحليب يتم شراءه من المنتج ويباع الى المستهلك بعد تضمينه كلفة الخزن والتسويق وإذا أردنا ان ندعم منتجي الخضر والفواكه للاستمرار في الإنتاج وازالة اثر الوسيط عليهم لابد من تشجيعهم على بناء المخازن المبردة ووسائط النقل كما هو معمول به في استراليا .

طبعا لا مشكلة بالتسويق الخاص بالحبوب فالدولة هي مسئولة عن الاستلام والخزن

تنفيذ السياسة السعرية الزراعية :

عادة تتطلب تنفيذ هذه السياسة جملة من الإجراءات يمكن حصرها بمكونين :

1 – مستلزمات أدارية : وتتضمن دائرة او مركز يضم خيرة الخبراء المختصين بالأسعار ترتبط بوزارة الزراعة ، مهمتها مراقبة السوق وتدفق السلع وتقديم المقترحات بشان الأسعار وتعديلها وفق مصلحة المنتج لكي يستمر بالإنتاج للسنوات اللاحقة ولمصلحة المستهلك أيضا بان يقبل السعر المعروض دون عناء مالي بعد رفع جشع الوسطاء من أصحاب علاوي الجملة .

هذه الحالة قائمة حاليا بالنسبة للحبوب وأخيرا بدأت وزارة الزراعة بمراقبة الأسواق والأسعار للفواكه والخضر للتحكم بالاستيراد وهذه هي بداية الخطوة الصحيحة المطلوبة .

2 – مستلزمات فنية : وتتضمن أجراء مسح للأراضي الزراعية الصالحة وأعداد حسابات الكلفة وتصنيف المحاصيل الزراعية وفق النوعية والجودة وتوفير المستلزمات من بذور وأسمدة ومبيدات بالتعاون مع الوزارات الأخرى المنتجة لها ، كما يتطلب تحديد الطلب المتوقع على كل سلعة زراعية بعد معرفة ميزانية الأسرة من وزارة التخطيط .

وأخيرا ربما سائل يسال كيف نبني هيكل أداري وفني للأسعار وهذا من واجبات آلية الأسعار المعتمدة في الدول الاشتراكية ونهجنا ألان هو وفق سياسة العرض والطلب (الية السوق ) ؟؟؟!!!

نجيب على هذا السؤال بسؤال أليس في أمريكا يعتمد نظام سعري مجزي للمنتج فان لاحظوا السعر لا يتفق مع مصلحة المنتج سيقومون بتقليل العرض عن طريق تلف الإنتاج ليكون السعر متوازن .

أليس هذه آلية مستخدمة في دولة عظمى هي ام الرأسمالية ؟

أخر القول :

إن قانون تحرير التجارة الصادر من قبل (بريمر) عام 2005 قد أدى الى فتح الحدود أمام كل أنواع البضائع دون الخضوع الى موافقة الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية ومختبر الصحة المركزي لذا أغرقت السوق بالفواكه والخضر حتى غير المألوفة واللحوم البيضاء والحمراء والألبان والبيض وغطت على الإنتاج المحلي الذي يعاني أصلا من ارتفاع مستلزمات الإنتاج ورفع بعض الدعم الحكومي وزيادة أسعار الوقود وشلل في الطاقة الكهربائية وكذلك التغيرات التي طرأت على المناخ ومشكلة قلة المياه التي هجرت الكثير من المزارعين من مناطق سكناهم الى مراكز المدن.

وزارة الزراعة أخذت على عاتقها أصلاح النظام الزراعي وابتدأت بحماية المنتج بأجراء منع استيراد الفواكه والخضر بشروط لتحقيق أهداف عدة في ان واحد منها تجنب البلد من دفع ثروة طائلة بالعملة الصعبة والمساهمة بالقضاء على البطالة من خلال تمسك المزارعين بأرضهم وعدم هجرتهم الى مراكز المدن ولكن أصلاح النظام الزراعي باعتماد سياسة الأسعار المستقرة يتطلب دعم حكومي واسع من جميع الوزارات ذات العلاقة باعتماد التدابير التالية :

1 – دعم الحكومة للفلاحين والمزارعين بتقديم القروض وبشروط ميسرة مع تمديد فترة الدفع .

2 – توفير البذور ذات الأصناف الجيدة والمبيدات الحشرية ومستلزماتها ومادة الأعلاف على تدعم أسعارها من قبل الدولة .

3 – ان تقوم وزارة الصناعة بزيادة خطوط أنتاجها من السماد المركب واليوريا لتغطية النقص الحاصل في السوق والذي يغطى عبر الاستيراد من مناشىء ذات مواصفات رديئة .

4 – معالجة مشكلة انقطاع الكهرباء التي أصبحت مشكلة مستعصية من قبل الوزارة المعنية .

5 – مساهمة وزارة النفط بتزويد المزارعين حصة من الوقود والزيوت لتشغيل مضخاتهم ومعداتهم بأسعار مدعومة

6 – الإكثار من مراكز الحجر الزراعي عبر الحدود لضمان عدم تدخل سلع زراعية فاسدة وموبوءة .

7 – ضرورة ان تراقب دخول اللحوم والبيض والألبان والأسماك ولابد من الحد من استيرادها لاسيما بعضها لا يصلح للاستهلاك البشري فالأولى منع دخولها بمراحل تدريجية بعد السيطرة على مشكلة تهريب الأغنام والأبقار الحية الى خارج البلاد .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here