محمد الصدر .. صانع الوعي (١)

محمد الصدر .. صانع الوعي (١)

أبوذر الكندي

يطلق مصطلح الوعي ويراد منه تارة العلم والمعرفة وهو هنا يقابل الجهل فالعلم ينتمي لمساحة الوعي فيما يرزح الجهل في دائرة عدم الوعي، ويراد منه أخرى الفكر أعني وجود ثوابت فكرية ينطلق منها الفرد في تحديد رؤيته للكون والحياة والمصير وهو هنا يقابل الفراغ الفكري فالفكر يشكل نمطاً من انماط الوعي وهو الوعي النظري أو الرؤيوي فيما يقع الفراغ الفكري في الجهة المقابلة، وثالثة يراد منه اليقضة بمعنى صحوة الإرادة والشعور بالمسؤولية وهو هنا يقابل الغفلة واللامبالاة فاليقضة هي نمط آخر من أنماط الوعي وهو الوعي العملي الأخلاقي فيما تعد الغفلة ضمن الإطار المقابل، ان كل واحد من استعمالات الوعي هذه تطلق على حالة مختلفة في الذات الإنسانية فلا يمكن ان يكون اي واحد منها نقيض للآخر او بديل عنه بل بوجودها وتكاملها جميعاً يتحقق الوعي على الصُعُد الثلاث في الذات وهي، الصعيد العلمي والصعيد النظري الفكري والصعيد العملي الأخلاقي.
ولقد جائت الأديان الإلهية والاتجاهات البشرية وغايتها القصوى وهدفها الأبعد ان تصنع من الذات الانسانية ذاتاً واعية وكل واحد منها يعتبر في تبني تعاليمه ورؤاه الطريق إلى حصول الوعي العلمي والفكري والعملي عند الإنسان، وفي هذا السبيل بذل قادة الاديان والاتجاهات المختلفة الغالي والنفيس من أجل تحقيق هذا الهدف والوصول الى هذه الغاية، وكان النجاح في هذا المسعى محكوم دوماً لمدى أحقية الدين والإتجاه من جهة ومقدار الفهم والاخلاص من قبل القادة والروّاد من الانبياء والمصلحيين في طرحه على الأفراد والمجتمعات.
وقد كانت تجربة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره واحدة من اروع التجارب في عملية صناعة الوعي الديني في التاريخ المعاصر، فهي التجربة التي تحركت في كافة دوائر الوعي الثلاث ( المعرفية – الفكرية – العملية ).
ففي الوقت الذي وضع السيد الشهيد الأسس القويمة لنشر الوعي العلمي والمعرفي الإسلامي وكان صاحب آخر نهضة علمية في الحوزة والمجتمع خصوصاً في مجال القرآن الكريم وتفسيره والدفاع عنه ومجال التاريخ وفلسفة التاريخ والمجال الفقهي والأصولي فقد وضع أسساً فكرية رصينة لترسيخ الوعي الفكري الاسلامي الاصيل وله اليد الطولى في اعادة انتاج الوعي الفكري في المجتمع في مجال القيادة والرجوع الى العالم العامل – الناطق – واحياء موضوع التقليد الواعي وكذلك احياء فريضة الجمعة واعادة فهم المسيرة الحسينية والاطروحة المهدوية ولم تقتصر حركته على الوعي العلمي والفكري بل تعدته للوعي العملي فكانت العامل الاقوى في تصاعد المستوى العبادي في المجتمع كما في احياء صلاة الجمعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والاستعداد للتضحية بالنفس والمال من اجل تغيير الواقع الفاسد ودفع عجلة الاصلاح وغير ذلك مما يؤشر على ارتفاع حالة الشعور بالمسؤولية واشتداد الإرادة الدينية في المجتمع.
لقد كان للمستوى العلمي والمعرفي الذي يتمتع به شخص السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره وهو الإجتهاد الفقهي والتخصص في المجالات العلمية الإسلامية واطلاعه على علوم العصر من جهة والمستوى الفكري الذي وصل إليه وهو امتلاكه رؤى معمقة في مختلف القضايا الفكرية القديمة والجديدة من جهة ثانية والمستوى العملي الذي وفق له وهو الالتزام الشرعي وتهذيب النفس وحسن الخلق والمعاملة والروح الابوية الحانية مضافاً الى السير والسلوك العرفاني والولائي الذي حباه الله تعالى به من جهة ثالثة، تمكن من خلالها من صناعة الوعي الإسلامي الأصيل في شريحة واسعة من ابناء الشعب العراقي وفي زمن قصير جداً قياساً لعظم المنجز التوعوي، وقد كان للتضحية الكبرى التي ابداها السيد الشهيد اكمالا لمسيرته واخلاصا لرسالته الأثر الأكبر في تثبيت الوعي الذي عمل على ترسيخه من قبل الا وهي الشهادة وبذل النفس مع نجليه المجاهدين الشهيدين السيد مصطفى والسيد مؤمل فديت أسرارهما.
ويشاطرني الرأي الكثير من المنصفين في أن السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره أحدث نقلة في الوعي العلمي والفكري والعملي في ربوع الشعب العراقي كانت الأساس لتبني نهج الإسلام والوحدة والمقاومة في شريحة واسعة من هذا الشعب كان ولازال لها الدور الأبرز في مواجهة المشروع الصهيو أمريكي في العراق المتمثل في محاولة القضاء على المشروع الإسلامي في العراق وتفتيت وحدة العراق والقضاء على مكامن القوة والمقاومة فيه.
وعلى هذا الأساس فأن ادامة نهج السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره ينبغي ان يسير في المسارات الثلاثة للوعي ( العلمي – الفكري – العملي ) لإدامة نهضة الأمة والسير بها في مدارج الكمال ومواجهة التحديات العاتية التي تتهددها في العراق ومختلف بلدان العالم الإسلامي.
ــــــــــــــــــــ

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here