عرض وتعليق حول كتاب ( ناظم كزار . . سيرة أقوى مدير أمن عام في تاريخ العراق الحلقة الثانية

عرض وتعليق حول كتاب ( ناظم كزار . . سيرة أقوى مدير أمن عام في تاريخ العراق السياسي الحديث ) ماذا دار بين ناظم كزار وصدام حسين في غرفة التحقيق ؟!

الحلقة الثانية

نشرَ السيد (أبو ناديا) – هكذا وقع مقالاته بالاسم المذكور – سلسلة من المقالات التي تناولت بالعرض والتحليل كتاب (ناظم كزار) لمؤلفه الزميل شامل عبد القادر وبرغم جميع التعليقات التي وردت من قبل (أبو ناديا) فأنها تعبر عن رأيه الشخصي وهو حر فيما ذهب إليه مع تقديرنا واحترامنا لمبدأ الرأي والرأي الآخر.
ذاكرة عراقية

بقلم : أبو ناديا

سبقَ ونشر كتاب الزميل شامل عبد القادر تحت عنوان «ناظم كزار.. سيرة أقوى مدير أمن عام في تاريخ العراق السياسي الحديث (1968-1973)» على شكل حلقات متتالية وأنا هنا أحاول ان اقتبس ما جاء في هذا الكتاب ونشره مرة أخرى في موقع الكادر، وفي محاولتي هذا ليس دفاعا عن ناظم ولا تزكية له ولا أقف ضده بل تبيان الحقيقة، بل أن نشره بهدف إطلاع القراء على العالم الخفي والسري لشخصية ناظم كزار مدير الأمن العام في النظام السابق.. إن ناظم كزار يعرف تماما أن انقلاب 17 تموز ما كان له أن ينجح ويعيد حزبه إلى السلطة من دون المرور بالسفارة الأميركية في بيروت ووسيطها الدكتور ناصر الحاني وعميلها العبيدي وناظم يعرف بصفته مدير الأمن العام أن ناصر الحاني هو (الرجل المجهول) الذي بحثت عنه الاستخبارات العراقية إبان حكم الفريق عبد الرحمن عارف بعد أن توصلت إلى مكان اختفاء الطيار العراقي الخائن منير روفا في إحدى الولايات الأمريكية ومحاولة اختطافه وإعادته إلى العراق لولا قيام ناصر الحاني الذي كان ملحقا ثقافيا في سفارتنا في الولايات المتحدة بـإخبار منير روفا بإجراءات الاستخبارات العراقية وبالتالي منحه الفرصة للهروب والاختفاء ومن ثم العودة إلى إسرائيل فضاعت فرصة تاريخية على العراق بسبب الحاني!. سالم الاطرقجي نشر مذكراته عام 2013 بعنوان (أوراق من مشوار الصمت) وروى تجربته الحياتية والرسمية من خلال قيامه – وبالمصادفة وحدها – أن يكون مترجما للفارسية لشخصية إيرانية كبيرة عاشت في العراق مع مجيء البعث إلى الحكم عام 1968 هو الجنرال تيمور بختيار!. واستمر الأستاذ سالم مترجما معتمدا لدى القيادة الحاكمة وعاش أحداثا ومواقف وبرغم أهمية هذه المذكرات فقد اعتمدت على الصفحات التي تتعلق بشخصية ناظم كزار والحراك الأمني العراقي في الأعوام الأولى لحركة 17 تموز 1968. يروي سالم القصة الكاملة لعملية اغتيال الجنرال بختيار في 9 أيلول 1970 على أيدي ثلاثة من أعوانه المدسوسين والمزروعين من جهاز السافاك الإيراني ويذكر أن ناظم كزار بجهوده ألقى القبض على المتهم الثالث (اسمه فرهنك) وهو الجاني قبل أن يعبر إلى إيران ويصف سالم صدى هذا النجاح قائلا: (إن العناصر الأمنية استطاعت في اليوم الثالث إلقاء القبض عليه – الجاني – قرب الحدود الإيرانية مما جعل ناظم كزار يزهو طربا بكفاءة أفراده الذين نجحوا في اصطياد فريستهم)! المصدر (أوراق من مشوار الصمت) سالم الأطرقجي – مكتبة بساتين المعرفة – الطبعة الأولى 2013/ بغداد/ ص95. يكشف الاطرقجي أدوارا مهمة لعبها ناظم كزار في تقوية المعارضة الإيرانية ضد الشاه وكان فريق العمل الذي ساند ناظم يقف في مقدمته رجل كردي فيلي شجاع هو المرحوم علي رضا باوه.. وقد اختارت القيادة العراقية إعفاء سعدون شاكر من مهمة متابعة المعارضة الإيرانية الموجودة في العراق وخاصة الجنرال الإيراني المعارض (محمود بناهيان) الذي خلف الجنرال القتيل بختيار.. يقول الاطرقجي الذي تابع موضوع المعارضة الإيرانية بدقة بحكم مسؤوليته كمترجم للفارسية: كان أول إجراء اتخذ هو تشكيل لجنة ضمت كلا من علي رضا باوه وناظم كزار مدير الأمن العام والعميد عبد الله الحديثي مدير الاستخبارات العسكرية ومحمد سعيد الصحاف المدير العام للإذاعة والتلفزيون.. وكانت اللجنة تجتمع كل يوم أربعاء في مقر الاستخبارات العسكرية بحضور الجنرال بناهيان/ المصدر السابق/ ص118. لم يعرف عن ناظم كزار انه عارض حملات التسفير التي شملت آلافا من أبناء طائفته بل بالعكس كان رجال الأمن التابعون له ينفذون بدقة متناهية تعليمات تسفير العوائل الشيعية من التبعية الإيرانية.. ويذكر الاطرقجي انه تسلم من (حسن ماسالي) احد اقطاب الجبهة الوطنية الإيرانية (أنصار مصدق) حاملا قائمة تضم (14) اسما مدعيا أنهم من أتباع الإمام الخميني طالبا تمديد إقامتهم.. ووافق الأمن على الطلب ومن ثم قدموا قائمة أخرى بـ(22) اسما آخرين وافقت الأمن العامة على استثنائهم من التسفير/ المصدر السابق/ ص128-129. يتحدث الاطرقجي عن (محاولة ناظم كزار) قائلا: إنها كانت ترمي إلى تصفية صدام حسين طبقا للرواية التي روجت لها السلطة في حينه (ص131). وينقل الاطرقجي عن مجلة (الدستور) اللبنانية جانبا من الحوار الذي دار بين صدام وناظم:
صدام: لماذا قمت بالمحاولة؟
ناظم: لان القيادة خاضعة للعشائرية وأنا المسؤول وحدي عن هذه المحاولة!
كشف الاطرقجي عن أن القيادة العراقية أرسلت كلا من محمد فاضل وعبد الخالق السامرائي للإعدام: (أما محمد فاضل فقد اقتيد للإعدام وهو يطلق هتافات بحياة الأمة العربية ورسالتها الخالدة وحين كان المصور يتأهب لالتقاط صورة له بصق في وجهه صارخا: “امشي ابن الـ….” وبالنسبة لعبد الخالق السامرائي فكان هو أيضا يمضي نحو المشنقة هاتفا “امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة” وبعد أن وضعوا الحبل حول عنقه ورد على عجل قرار بتخفيض الحكم عليه إلى السجن المؤبد…)! ص132. ويقول الاطرقجي: كان من بين المحكومين بالإعدام من جماعة الأمن (ناصر فنجان السعودي) الذي عمل لفترة في السفارة العراقية بطهران إلا أن السلطات الإيرانية أبعدته معتبرة إياه غير مرغوب فيه فنقل إلى السفارة العراقية في باكستان دون أن يتخلى السافاك عن مطاردته الذي قام بتزويد السلطات الباكستانية بمعلومات عن ناصر لتضعه أجهزة الأمن الباكستانية تحت المراقبة حتى تم يوما مداهمة منزله فعثر فيها على كميات من البنادق والعتاد التي كان من المقرر إرسالها إلى المسلحين في بلوشستان.. يقول الاطرقجي: (مهما قيل ويقال عن ناظم كزار وما روجت عنه من روايات فان هناك حقيقة لا بد أن تقال وهي انه أي ناظم كزار الذي كان مديرا للأمن العامة قضى فترة توليه هذه المسؤولية لا يبارح مبنى الدائرة إلا للضرورة دون أن يعرف طيلة هذه المدة من أطايب الطعام شيئا إذ كان طعامه أما كباب كركوك أو ساندويتش همبركر من محل أبو يونان ولم تسجل بحقه أي حالة فساد مالي أو إثراء غير مشروع..) 133. يذكر سالم الاطرقجي في مذكراته أن المخابرات السوفيتية من خلال تجنيدها كادرا شيوعيا إيرانيا هو (فرهنك) كان عميلا مزدوجا يعمل لصالح السافاك وافقت على ما طرحه فرهنك حول تكليفه باغتيال الجنرال بختيار وأيدت قراره لأنها كانت تريد – كما يقول الاطرقجي – إحراج الحكومة العراقية آنذاك!. ومن المتوقع جدا ان يكون للمخابرات السوفيتية (رجلها) في الأمن العامة وضمن طاقم ناظم كزار نفسه وإلا كيف وضعت الكي جي بي يدها على مخطط ناظم وأفشلته من دون (عينها) في الأمن الذي نقل إليها تفاصيل الحركة!. وكانت المخابرات السوفيتية واثقة جدا من معلومات (رجلها) في الأمن العامة وتصرفت على مسؤوليتها عندما أمرت المخابرات البلغارية بـإنزال طائرة البكر في مطار صوفيا حتى وان اقتضى استخدام القوة الجوية البلغارية لإجبار طائرة الرئيس العراقي على الهبوط وبالفعل رافقت طائرات حربية بلغارية طائرة البكر وأنزلته من دون أن يشعر بها في المطار البلغاري بحجة زيارة مصيف فارنا!. لم تخبر الكي جي بي صدام حسين أو أي مسؤول عراقي بخطواتها فقد حسم المسؤولون السوفييت القضية لصالح البكر – صدام برغم أنهما أفضل السيئين في الحكم – من وجهة نظر السوفييت – على ناظم كزار اليميني المعادي للشيوعيين العراقيين والمعارض لإقامة الجبهة الوطنية مع الحزب الشيوعي العراقي!. كان بريماكوف الصحفي السوفييتي الشاب في بغداد هو صديق صدام ويقال عنه انه من رجال الكي جي بي في العاصمة العراقية لكن حتى هذا الأخير لم يبلغ بـإجراءات الكي جي بي أيضا!. لقد أفشلت المخابرات السوفيتية حركة ناظم كزار وقتلتها في مكانها لصالح محور البكر – صدام أملا في تحقيق مكاسب محلية ونفطية وسياسية وقد تحققت فعلا بعد إعدام ناظم!.

من الكي جي بي؟
الكي جي بي (kGB) هو جهاز المخابرات السوفيتي. تأسس في 20 ديسمبر 1917 برئاسة فليكس دزرسنسكاي وأشراف الرئيس فلاديمير لينين وتفكك في 11 أكتوبر 1991 عقب انهيار الاتحاد السوفيتي. منذ إنشاء الجهاز وهو يوصف بأنه “سيف ودرع” للثورة البلشفية 1917 والحزب الشيوعي. وقد حقق الكي جي بي نجاحات كبيرة جدا في مراحله الأولى، حيث استطاع الجهاز استغلال حالة التراخي الأمني والسلام والطمأنينة التي تعيشها الدول الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا، وأن يزرع بداخل الأجهزة الحكومية بتلك الدول، بل وفي أجهزة الأمن بها أيضا، عملاء للكي جي بي. وربما كان أعظم نجاح للكي جي بي هو حصوله على سر القنبلة الذرية من قلب مشروع مانهاتن الذي كان صاحب اختراع القنبلة في الولايات المتحدة، وذلك بفضل عملائه المزروعين جيدا هناك. وفي خلال الحرب الباردة، لعب الكي جي بي دورا كبيرا في الحفاظ على الاتحاد السوفيتي كدولة الحزب الواحد، وذلك عن طريق مناهضة ومنع الأفكار السياسية المعارضة أو المختلفة عن فكر الحزب الشيوعي، أو ما كان يطلق عليه وقتذاك (الأيديولوجيات الهدامة)! كما استطاع أيضا أن يقوم بتسريب التكنولوجيا المتقدمة أولا بأول من العالم الغربي إلى الاتحاد السوفيتي عن طريق شبكة العملاء الهائلة التي يمتلكها. قبل الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة هدفا أقل أهمية لدى الكي جي بي من بريطانيا والدول الأوروبية، وكان الكي جي بي بطيئاً في تكوين شبكته هناك. لكن هذا تغير مع الحرب الباردة، فنشر الكي جي بي شبكة هائلة من العملاء في الولايات المتحدة. كان أهم نجاح للكي جي بي كما قلنا من قبل هو الحصول على سر القنبلة الذرية، والذي جعل الاتحاد السوفيتي يتحول إلى القطب المعادل للولايات المتحدة صاحبة القنبلة الهائلة التي أثارت الذعر في العالم أجمع.

المشرق

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here