وقفة صراحة : العرب أبطال الإنسانية في الكلام !!

بقلم مهدي قاسم

أظن أن ثلاثة أشياء جعلت كثيرا من العرب ــ بلا تعميم ــ يتعلقون بها في مسار حياتهم وهي :

ــ ممارسة ضروب النفاق مع الذات و العالم و إجادة النثر الجميل و الشعر الشفيف و أخيرا ذلك الأمل الدائم بالدخول إلى الجنة ولو عبر تدَّين زائف و استعراضي مضحك ..

يتضح ذلك من خلال عدم الالتزام بمبادئ و قيم وعقائد التي يدعون الآخرين إليها ، ولكنهم في الوقت نفسه ليس فقط لا يتمسكون بها ، إنما إذا اقتضت مصالحهم الشخصية يدسون عليها بدون تردد أو رجفة جفن ..

ولو على من خلال تسبب اضرار كبيرة لبلد و معاناة شديدة للآخرين ..

هذا دون أن نشير إلى غزلهم الشعري و النثري الجميل بالنساء تعيظما وتبجيلا وعشقا آسرا من ناحية و بمدى احتقارهم للمرأة في تعاملهم اليومي من ناحية أخرى ..

و المثير في ذلك أنهم يأتون بنماذج غربية دليلا على القيام بأعمال خير و إنسانية مثلا : الأم تيريزا أو الممثلة أنجلينا جولي و غيرهما ، أو شخصيات سياسية عالمية مثل غاندي و منديلا ، و جيفارا و رئيس جمهورية أورغواي خوسيه موخيكا و غيرهم ، من حيث التواضع و النزاهة و احتقار السلطة و المناصب و رفض الفخفخة والبذخ و الأضواء السلطوية وامتيازاتها الكثيرة..

حتى لا تخلو صفحات مواقع و الفيسبوك يوما من دون ذكر أحد من هؤلاء ..

طبعا شيء جميل و أمر محمود ذكر فاعلي الخير ..

و لكن لماذا ما من عرب ممن يتشدقون بمبادئ و عقائد سواء سماوية أو أرضية لا يحذون حذو عاملي الخير هؤلاء و يقدمون خدمات إنسانية للبشرية مثلهم ؟ ..

حتى وليس للإنسانية جمعاء ، و أنما و فقط ، لأبناء بلدهم و جلدتهم ؟!..

ولكن المثير للدهشة أكثر هو هذا الارتخاء ” التختخة ” و النشوة من قبلهم عند قراءة مقالة أو سماع قصيدة جديدة عن الفساد والفاسدين ، ليعبّروا عن إعجابهم الكبير بها ــ هذا يتكرر يوميا على صفحات الفيسبوك ــ و كأنهم لأول مرة يقرءون أو يسمعون عن مظاهر الفساد والعجز والفشل في العراق أو في بلدان عربية أخرى ، بالرغم من كتابة أطنان من مقالات حتى الآن في هذا الشأن ، و كأنهم نسوا قصائد مظفر النواب التي كان يلقيها في سبعينات و ثمانينات من القرن الماضي أو نزار القباني الهجائية و الساخرة على هذا الصعيد ..

أظن أن هذا الهوس في الدعوة إلى القيام بأعمال إنسانية ، و بشكل استعراضي ملفت للنظر ــ ربما يأتي بدافع من محاولة احتيال على الذات و خداعها بهدف التملص من هذا الواجب ، عبر دعوة الآخرين إلى القيام بها و كنوع من إرضاء ضمير بمثل هذا الغش والنفاق حتى مع الذات ..

أتذكر على هذا الصعيد وضمن هذا الدافع والتصور، كنتُ قد كتبتُ قبل سنوات مقالة ، دعيتُ من خلالها إلى تأسيس صندوق ” خيري ” من قبل عراقيين مقيمين في دول أوروبية واسكندنافية ، تشرف على إدارته شخصيات ثقافية مشهودة لهم بالنزاهة و الاستقامة ، ليتبرع كل واحد من هؤلاء المقيمين ، وفقا لوضعه المادي ، أي من خمس دولارات صعودا إلى مبالغ أكبر وغير محددة و بسقف مفتوح ، و ذلك بهدف مساعدة أطفال العراق سواء من مرضى أو أيتام يعيشون بدون مأوى أو رعاية وعطف الأهل ، و كذلك لغرض أهداف ومتطلبات أخرى لمساعدة الناس المحتاجين ، وأعلنت بهذا الخصوص بأنني سأتبرع بمائة دولار بالرغم من دخلي الشهري المتواضع من الترجمة ، ومثلما توقعت فقد اُستقبلت المقالة بصمت مطبق ، ولم أقرأ لا مقالة تضامن إيجابي ولا حتى رسالة إلكترونية مؤيدة أو متعاطفة مع فكرة تأسيس هذا الصندوق الخيري لدعم أطفال العراق المحتاجين أو المرضى أو الضالين في الشوارع و الساحات العامة..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here