أنتحار ( قصة )

البارحة ، حاولت الانتحار ، برمي نفسي من الطابق العاشر ، فأنا أسكن في عمارة شاهقة ، ومغرم في العلو ، منذ جئت هنا ، لم احاول السكن في بيت ، اشعر بالاختناق في بيت ، فهذا العمارات الشاهقه تذكرني بالجبال التي امضيت عشر سنوات فوق قممها ، فحين أمشي على الارض احس بالارتباك ، أشعر أني وسط بئر عميق ، وأختنق . قد داهمتني فكرة الانتحار فجاءةً ، بدون سابق إنذار ، وعليك أن لا تعدني كائن مجنون حين تسمع اذلك . فأنا أحب الحياة ومتعلق بها ، واعشق البهجة واللذة ، وأكره الموت وخصوصاً الموت العنيف ، ارتعب من رؤيت الدم ، فأنا عشت حياة مسالمة ، لم يتخللها عنف . ولكن ما اكتشف البارحه ، زعزعه كل ما لدي مِن يقين وأفكار ثابتة . فيوم أمس ، وأنا أمد يد ، لكي أحك رأسي ، اصطدمت يدي ، فجاءة ، بجسم غريب ، فوق رقبتي ، فرتدت يدي بسرعة لمكانها، حيث وقف مبهوت . ومن هول المفاجأة ، لم اصدق ما حدث ، وخلت أن ثمة خطئ في الأحساس مما حدث . فعاودة مد يدي بحذر ، مرة اخرى ، إلى اعلى رقبتي ، رفعتها ببطئ شديد ، لأني كنت أخشئ الاصطدام ، بهذا الجسم الغريب الذي ، يربض فوق رقبتي ، وأنا أرفع يد ، بحذر شديد ، ، نحو قفا رقبتي ، وبتمهل ، أصطدمت ثانية ، بالجسم غريب يتململ في مكانه . وما أن رفعتهاأعلى اكثر حتى راحت تتحسس ، من جديد هذا الجسم الغريب . غير أني هذه المرةً لم اجفل ، ولم اسحبها ، بل أبقيتها حيث ااصطدمت . أول مرة ، ثم توقفت يدي من ذاتها ، فهي لم تفاجأ هذه المرة ، وأنما توقفت لبرهة ، حيث أصطدمت ، في الكتلة للحمية الكبيرة ، بما يشبه فردة لكفل ، لعجيزة ضخمة ، توقفت يد هناك لبرهت ، ثم واصلت تحسها لبقية الجسم ، صعدت في أناة وتهمل ، فوق فردة الكفل ، صعدت يدي بحذر ، فصادفها ، انحدار شديد ، نحو الداخل ، لا شك أنه الخصر. من ثم نتؤ عظمي بارز ، وتحسست أضلاع عديدة ، وأنا أوصل رفع يدي بحذر على طول الجسم ، فقد كان ما أتحسسته جسم بشرية بكل تفاصيله ، حتى وصلت يدي في صعودها وهي تنساب فوق الحسم البشري الرابض فوقي رقبتي إلى رأسه ، وعندئذ كفت عن الحركة ما أن أستقرت فوق هامة رأسه . وصرخ بعلى صوتي ؛

هديل ، هديل . . . هد ..

فجأة زوجتي تركض من المطبخ ، مرعوبة، فأنا للأول مرة أصرخ بها بمثل هذه الحدة ، نظرت لي مفزوعه ، وقالت ، وهي تنظر لي ؛

ماذا حدث ، مالك تصرخ هكذا ، ماذا دهاك ؟

فقلت لها ، دون أبالي برعبها ، الذي بأن على وجها ، فهي لا شك توقعت شيء خطير حدث لي .

ما هذا الذي على رقبتي ، من يكون ؟

لم يبدو عليها أن فهمت شيء مما قلته لها . ولكنها ، مع ذلك نظرت نحوي في أستغراب وتعجب ، وحدقت ناحية رقبنتي ، حيث أشرت لها . ألقت نظره سريعة ، ثم تقربت أكثر ، ظننا منها أن لأبد أن يكون ثمة شيء صغير عالق في رقبتي . ولكن رقبتي ورأسي كان مكشوفين تماماً لها ، وحين ألقت نظر ثانية قالت بتعجب :

لا شيء على رقبتك ، لا أرى أي شيء ، أتحس بألم فيها ؟

فقلت ؛

أي ألم ، إلا ترين شيء صاعد على رقبتي ، هنا فوق ، بين أكتافي !

أخذت تنظر لي غير مصدق ما أقول لها ، لذا مد يدها نحو قفا رقبتي وراحت تلمسها بهدؤ ، وصعد يدها شيء فشيء نحو أعلى قمة رأسي ، وحينما أنزلت يدها ، قالت ؛

أتحس في ألم برقبتك ، أنا لم أرى أي نتؤ أو ورم فيها ، ماذا دها رقبتك ؟

عندئذ ، لم أعرف ماذا أقول لها ، فهي قد تظن أني جنت ، وخالط عقلي شيء ما ، إذا قلت لها مرة آخرى ، بأن هناك كائن يصعد على رقبتي ، لذا قررت أن أصرفها ، وأعاود التأكد مما هناك . بهدوء ، وبعيداً عن عيون زوجي ، التي سوف تنتهز الفرصة لتشهير بي ، لأني كثيراً ما أكنت أقول لها أشياء تبدو في ظنها وتفكيرها وهمية ولا وجود ، لذلك كنت ، أخاف من مصارحتها ، بكل ما صدفته يدي ، وهي تحسس الجسم الغريب ، فنظراتها ، ملئتني بالخوف ، فهي تريد الأمر يتطور إلى اكثر من ذلك . ولهذا قررت ابعادها عني ، لكي أخلو لوحدي ، مع الكائن الجاثم على رقبتي .

أه ، أنه مجرد ألم عابر ، ولكنه فظيع ، خلته ، كأنه ثقل هائل فوق رقبتي ، يمكنك الذهاب ، أنه بدأ يتلاشى ، أذهبي لست بحاجة لك الآن . بيد أنها بقيت واقف في مكانها تأبا التزحزح ، ونظراتها تخرق تفكيري ، فهي بدأ لها أني اخفي سر خطير عنها . ولكني قلت لها بحدة وفظاضة ؛

أذهبي ، تركيني لوحدي ، الألم زال ، الأكل احترق ! زمت شفتاه ، وتحركت ببطئ ، وأما أن نقلت قدميها ، خطوتين ، حتى رفعت يد لتحسس ، ذلك الكائن ، ولكنها أستدارة بغته ، جمدت يد فوق رقبتي ، وكأنها أمسكت بي متلبس . فقالت ؛

أما زلت تشعر بالالم ، هل أدعو الطيب ، أتريدني أخبار أمي !

يالهي ، سحبت يدي بعنف من رقبتي ، وقلت ؛

هديل أرجوك ،كل شيء ولا أمك ، أنا سأذهب لدكتور بقدمي ، أذا ما أستمر الالم ، ولكني رفعت يدي لكي أفرك رقبتي فقط ، فلا تقلقي ، فقد يكون نوم البارحة قد ألمها . فردت ، وكأني عذري زعجها ؛

لا البارحه ، رأيتك نائم مثل طفل ، مستغرق بنوم عميق حسدتك عليه !

لا يمكن أقناعها ، فما أن تستحوذ عليها فكرة ، حتى تسير بها لنهايتها المحتومة .

أنا بخير بس روحي ، شوفي شغلك ،

فسارت تتردم بشيء غير مفهوم كعادتها ، حين لا يشبع فضولها تماماً . وهو ما زلت أشعر به رابض فوق رقيبي ، يتملل في مكانه ، فقد كنت أخشى أمد يدي نحو خشية ، أن يكون فعلاً هناك، فأنا لم أكن متأكد بعد ، بأن ما أحس لا يعدو سوى وهم وأن يدي تصور لي وجود كائن فوقها ، أخلتلقه بخيالي ، ومددت يدي بتجاه رقبتي ، وكرة آخرى ، عادت تصطدم بهذا الجسم الغريب . وكاد يغمي علي من هول المصادفة . فمن يكون هذا المخلوق المتطفل ؟ أهو مجرد فكرة ، أم وجود حقيقي ؟ هذا ما عليهم أعرفه ، ولكن كيف سبيل إلى ذلك وهو غير مرئي لي ولهديل أيضاً ؟ لم أعد اعرف كيف أفكر ، فقد كنت بين الحين والحين أمد يد لرقبيتي ، متحسسه ، وكل مرة أفعل أَجِد هناك ، ولولا وجود هديل في البيت لما أنزلت يدي عنه ، فهي بلا شك ما زال تراقبني . وفكرت بجد أن انتزعه بالعنف من رقبتي ، ولكن هل هذا ممكن ، أم علي فعلاً أن أذهب لدكتور أولا ؟

عصفت بي تلك الدوامة من الافكار، جعلت من العسير علي أن أقرر ما يجب أن افعله لهذا الكائن الذي لا أعرف من أين ولا كيف صعد فوق رقبتي بغفلت مني . غير أني بوجود زوجتي , هديل ، معي ، لا أستطيع أن فعل شيء ، فأنا بت أخشى رفع يد لتأكد من وجوده فوقي ، فهو ، في بعض الأحيان يكون ثقيلاً جداً بحيث أحس بأن رقبتي توشك أن تنكسر تحت ثقله ، وفِي أوقات أشعر بوجوده الإطلاق ، وكأنه نزل عنها وذهب ، بيد أنه في كل الأحوال هناك ، الشيء الوحيد الذي يختلف هو الأحساس بثقل وجوده . وحينما تأكدت بأن زوجتي لم تراقبني ، تناول ، ملعقة كانت في قدح الشاي ، موضع على المنضدة ، في غرفة الطعام ، حيث كنت أجلس ، أخذت الملعقة خلسته ، كنت أنوي مفاجئته ، ونخسه بعنف في ظهره ، لأعرف هل يمكن لي أن أوذيه ؟ ، وما أن نخسته حتى صرخ بي ؛

اخ ، أخ ، لا تفعل ذلك ، لا تحول أن تؤذيني !

سقطت الملعقة من يدي ، فقد فقدت أصابعي القدرة على الامسك بي شيء ما أن سمعت ، فقد تصلبت وتخشب أصابعي وبقت معلق في الهواء ما سمعت الصوت هذا المخلق ، بعدم أيذاه ، بيد أني لم أكن متأكد أسمعت صوته فوق رقبتي أو في داخل رأسي . فلا شك أني سمعت صوت ولكن أين ذلك ما لا أستطيع أن أجزم به . لذلك ، بعد استريدت يدي ، ودبت الحراك من جديد في أصابعي ، أنحيت إلى الارض لكي التقط الملعقة ، وأعاود نخسه من جديد . لرأى من أين يأتي الصوت ، من خلف رأسي أو من داخله ! وبعد أن لقيت نظره حولي ، خوفاً ، من أن تكون هديل تراقبني ، وما طمنئت لعدم وجودها ، في أي مكان يمكن أن تراني منه ، رفعت يد بحدة والملعقة بين إصبعي ، وبنخسه مدوية فوق رقبتي ، صرخنا معاً ، جاءت هديل على اثرها تركض مرعوبة ، فقد صرخنا معاً هو وأنا بصوت واحد ، بصوت زعزع جدران الغرفة ، وسقطت على ارض الغرفة ولم أدر ، ماذا فعلت هديل بي . @@&

٣

وحين أفقت من غيبوبتي ، التي لا أعرف كم طالت ، وجدت الشقة مكتضه بأهل هديل وبعض أقربائها . وأنا ممد على سريري ، ورقبتي ملفوفة برباط أبيض . وكانت أمة هديل تجلس عند رأسي . تحيط بها بناتها الثلاثة ، ونساء آخريات لم أعرفهن ، وأبوها ، جلس في الزاوية البعيدة . وما رؤوني أفتح عيناي ، وأتململ في مكاني ، حتى نهضوا وخلطوا بسريري . وعندئذ ، وتذكرت ما حدث ، وعرفت أن هديل قد فعلتها ، واستدعت أمها وشلتها . وعندما وقعت نظرتي على أم زوجتي ، بوجها الممتلاأ ، وعيناها السودويتين الغائرتين في محجريهما ، وأنفها الطويل المعقوق ، وجسمها القصير الضخم ، دنت مني ، وهي تصيح ، وترسم بيديها القصيرتين دوائر في الهواء ، حول رأسي ؛

محروس ، محروس ، من الجن ، والشياطين ، بجاه سيد سروط !

وراحت مره آخرى ترسم دوائره حول رأسي . وقالت لي وهي تحني رأسها لكي تحدق بعمق بعيناه المنطفئتين ، ورأيت أبتسامت خفية راحت تتشكل على عيون الحاضرين من بناتها وشلتها ، فيما اعتكف أبو هديل بزوايته ، منتظر عما تسفر عنه تحريات زوجته ؛

دؤاك عندي ، لا تخاف ، هؤلاء ما يفيد وياهم دكتور ! ،

وقالت هديل مساند أمها ؛

والله ، أمي طيبت هواي مثلك ، بس سلم نفسك لها .

وردت أمها ؛

يمه ، أنا أعرف ، زوجك راكبه جن ، من زمان ، ولكني كنت اخاف يزعل من أكلمه ، ولكنه هس ، صاعد فوق رقبته ، محد يكدر ينزيله غيري ، لا دكتور ولا غير .

وقالت ، أحد الحاضرت ، أمرأة عجوز ، أشبه بالعمياء لأن نظراتها ، كانت شارد بعيد عن من تخاطبه ، فأنت لا يمكنك تبين لون عينيها فهي مطبق أجفاناها عليهما بشدة ؛

، خاله والله ، أم هديل مجربه والكل يعرفها ، وأبو هديك ، كان مثلك ، ولكن هي طيبته .

وحينما ، نظرت إلى ناحية أبو هديل رأيت يهز رأسه أستنكار ولكنه ، لم يشأ أن يرد عليه .

توكل علئ الله وخلها سويلك دوء ، ترى هذول ملاعين يجنوك !

وقالت هديل ؛

حبوبه ، جنته الكتب ، لليل ونهار يقرأ كتب ، شوفي ، البيت متروس كتب ، أني ما شفت وأحد يقرأ كتب مو مجنون .

وعندئذ نهضت أم هديل من مكانها لكي تفحص رأسي ، ولكني بحركت من من يدي أبعدتها .

فقالت العجوز ؛

هذا شيطانه قوي !

كان الغضب يغلي في داخلي ، فأنا كنت لا تحمل أم هديل ، فهي المجنون حقاً ، لأنها تريد أن صاحبة مهنة وحرفة ، بدون أي مؤهلات وكفاءة ، وأنما بفرض نفسها على الآخرين في الظروف الصعبة ، في حالة يتلمس المرء الشفاء باي ثمن وخصوصاً لدى الناس الفقراء . وحقيقة ، أنا تزوجت بنتها ، لأن أبوها رجل مثقف ، ويحب القرأة مثلي ، وكان كثيرة ما يشكو منها ، ولكنه لم يعطني تفاصيل ، ولكني بعد الزواج عرفتها عن قرب نتيجة زيارات المتكرر لنا، وهي جعلت هديل ، زوجتي نسخة منها . فأنا ، بعد ذلك حينما كنت رأها في شقتنا أتشائم وتشاجر مع هديل . لذلك قلت لها بلهجة حازمة قوية ؛

أسمعي أم هديل ، لا شياطين ولا جن فوق رقبتي ، ولا أريد دوائك ، أنا كلشي ما بي ، مجرد ألم حاد في رقبتي ، وأخطأت حينما قلت لهديل واحد صاعد فوق رقبتي ، لأن الالم كان ثقيل ، حسبته ، شخص . فهمتي الآن لا جن ولا شاطين .

ولكن لماذا تضربه إذا لم يكن جن ؟

ردت ساخر أم هديل ، وكأنها أمسكت بي متلبس بالجرم المشهود !

بقيت لفترة ألوذ بصمت فقد بأغاتني سؤالها ، إلا أني أخيراً قلت ،؛

ضربت رقبيتي في لحظة غضب هذا كل ما هنالك ، فأنا لم أضرب الجن وأنما الالم .

فردت أم هديل ؛

الجن والألم شيء واحد ، خليني عالجك ، ترى والله محد يخلصك منه غيري !

وأيدتها المرأة العجوز وقالت ؛

يمه أنت شخاسر ، يد أم هديل كلها بركة ما تخلي جن على رقبتك ! هذا أبو هديل كان رأسه بيت لهن ، وطردتهم أم هديل كلهم . صدك أبو هديل لو لا ؟

فنهض أبو هديل من مكان وجاء قريب من سريري ، وكانت هناك على شفتيه شبح ابتسام . وقف أمامي ،وقت ؛

اي والله ، الجن يخاف من أم هديل ، فإذا كان الذي على رقبتك جن خلي أم هديل تطرده ، لأن أم هديل هي هم جن ! أم إذا لم يكن جن ف …

وسكت ، بعد أن رشقته بنظرات غاضبا ، قطع كلامه وأخذ يحك رأسه ، محاولاً أن يجد حل مرض للطرفين ، وانتهز هديل صمت أبيها قالت ؛

يأمه لا تعيين نفسك ويالله ، هو شيوعي ، ويقرأ كتب ، ما يؤمن بجن مثل أبوي قبل . خلي الجن راكبين عليه .

وقالت العجوز ، وهي تفرك يداه الضامرتين ، وتشير لي بصبعها الطويل المعقوف ؛

يأمه تعوذ من الشياطين ، ترى راح يكثرون فوك ، إذا لم تترك أم هديل تطردهم ، ذنبك على جنك ، أنا كلت وأنت راح شوف .

وهنا قال أبو هديل ، وكأنه بعد فترة الصمت وجد ، ما كان يبحث عنه ، فقال وهو يكتم أبتسامة شماته من أم هديل التي خابت آمالها ؛ وقال ؛

خلوه بحاله ، لا تضغطو عليه ، هو يعرف مصلحته ، وحنا علينا أن روح بعدما أطمئنين عليه ، محروس ، يالله أمشونا .

ونهض الجميع ، ولكن أم هديل خاطبتني ، وهي تنهض مع الجميع ؛

راح تندم ، شوف شراح يسون بك ، هاي هديل يمك بس خلها تنطيني خبر أكون يمك .

تعاي خيه ، هس يحصروه ، وما يلك غيرك .

روحي يمه أنا خبرك ، قالت هديل ، حينما أقفلت أمها باب شقتنا وراءها .

٣ @@@@@

وما أن خرجت عائلة أم هديل ، حتى نزاح صدري عئب ثقيل . فنهض في الحال من فراشي ، وذهبت لمرافق وفككت الافاف عن رقبتي ، ونظرت في المرآة ، وتفحصت الجرح الذي أحدثت في قفا رقبتي ، وجدته ملتئم ، وفوقه قطرات دم جافه ، ومع ذلك لم جروء على مد يدي إلى لتحس من فوقها ، فلا شيء يبدو فوقها ، في المرآة ، ولكني كنت أحس بثقل شيء يجثم عليها . فأنا ، فكرت بطريقة ما ، لمعرفة سره . لذا غادرة المرافق دون أمد يد له .

كانت خطتي ، أن خلو به لوحدي ، بعد أن عرفت أني يمكن أقيم حديث معه ، فهو يتكلم وفِي فصاحة ، فلماذا علي أن لا أقيم حديث معه ! ولكن علي قبل كل شيء ، أن ابعد هديل لمدة يوم أو ثلاث أيام على الأقل من البيت . وبات من السهل فعل ذلك ، خصوصاً ، أن أنها وضعت في ذهنها أني ، راكب على رقبتي جن . فعلي ، أذن ، أن افتعل شجار معها ، لكي ، تغادرني إلى أهلها ، كما كانت تفعل مع كل شجار بسيط . فمعركتي مع هذا المخلوق يجب أن تحسم في الحال . لأني لا أستطيح تحمل أحد يصعد فوق رقبتي . فعلي قبل كل شيء معرفة من يكون ، وإلا أني سوف أقفز أنا وهو من تلك البلكونة التي في شقتي في الطابق العاشر ، لقضي عليه ، وعلى نفسي معاً . لهذا قررت أن جدها متلبس في مراقبتي ، وهذا شيء سيحدث عاجلاً أم أجلاً ، لطبيعتها الفضولية ، فهي ، بات من الصعب عليها أن لا تراقبني ، في هذا الظرف الحرج من وضعي . فلنصب لها فخ ، فما رآها تمر حتى أبدأ بهرش رقبتي ، وسوف تأتي من تلقى نفسها ، لتسألني ، وعندئذ أنهال عليها ضرباً موجعاً ، بحجة إنها تراقبني . وبالفعل ، جاءت مسرعت ، حينما توقعتها تمر ، في الممر ، الصغير الذي يفصل المطبخ عن غرفة الجلوس ، فقد رفعت ورحت أفرك رقبتي بقوة ، وتوقفت بقربي ، وهو تنظر بعيون ساخط ، وقالت ؛ ها ، ما تزال رقابتك تؤذيك ، لماذا لم تترك أمي تتاويك ؟

وبدون أن أرد عليها بأي شيء أنهلت عليها ، بالضرب وبشكل عشوئي، بحيث لم أترك لها مجال لشك بأني جنت . وصرخت فيها ؛

لماذا تراقبني ، اللعنة عليك ، وعلى أمك ، ذهبي عني ، لا أريد رؤوياكً، أذهبي ، وإلا قتلتك!

ورغم أني اضخنت لها الضرب ، ركضت صوبة غرفتها ، وسمعتها تقلب جرّار دولابها ، وتأخذ بعضها أشياءها ، وتخرج مذعور ، وهي تصرخ ؛

مجنون ، مجنون ، مجنون !

وصفقت الباب وراءها بعنف مدوي ، خلت أن سكان العمارة كلهم ، قد داهمهم الرعب .

وما أن خرجت ، حتى سقطت أنا الأريكة من الضحك ، لقد نجت خطتي بشكل فائق ، فتلك العزلة مع نفسي ، تمنيتها بشكل لا يوصف . فالآن أنا لوحدي مع هذا المخلوق الذي يتربع على رقبتي ، فهذا النير أما أن أخلعه أو قفز من هذا البلكونة التي تطل على منتزه واسعة . ولكن ، علي قبل كل شيء التفكير بخطة محكمة ، لمعرفة من يكون هذا الكائن ! وكيف انتزاعه من رقبتي ، كتلك التي اخرجت هديل من البيت . @@@@@

قررت أن أذهب لبار وشراء بيرة ، صندوق من البيرة ، لكي أشرب وأتكلم بصراحة مع هذا الكائن ، فالبيرة سوف تحل عقدة لساني . فوجود هديل في البيت كان يُحد من كل حوار حر مع هذا ، والبيرة ، سوف ترفع كل الحواجز التي بيننا . فأنا الآن كائن حر ، أستطيع أن أتخذ كل القرارات .

وحين ذهبت لبار وجلبت البيرة ، وعملت مزة جيدة ، وبدأت ، بشراب ، منتظر أن يدب الخمر بجسدي كي أسئله ، فيما يريد الشراب معي . وما أن احسست بأن النشوة والخدر راح يصعد في جسدي ، وأنا ، أتناول الكأس بعد الآخر على عجل ، وبدون سابق نذار ، أو خوف أو خشية ، خاطبته ، وكأني فعلاً إتكلم لشخص حي ، موجود مادي ، علي رقبتي ؛

هاي ، إلا تنزل لشرب معي ؟

أنصنت بكل حواسي ، فأنا عادةً لا أسكر بسهولة ، ولا يغلبني السكر إلا حينما تغلبني النشوة ، فقد كنت أشرب لكي فقط أميت الحواس ، وأغلقها عن العالم الخارجي لكي أنصت لنفسي .وأسمع نفسي في صفاءها. ترقبت ، طويلاً دون أن اسمع أي شيء فكررت السؤال ؛

هيه ، إلا تنزل ، لنشرب معاً ؟

وعندىذ ، سمعت صوت وكأنه نفير البوق ، ، يقول لي بصوت حنون ورقيق ؛

أني أشرب معك ، أشكرك ، على هذه البيرة اللطيفة ! خلته صوت أنثوي يخاطبني ، فقلت من هول المفاجأجاة ؛

من إنت بحق المسيح ؟

وسمعته يضحك ، في رأسي، هذه المرة ، وقال ؛

إنَّا لا دين لي !

لم أكن أعني بالمسيح ، أي دين ، فأنا مسلم بالمولد فقط ، ولكني تعود حديث القوم هنا، فقلت ، بعد أن أرتشفت كأس إخر لأني أريد الغي أي تحفظ أو تأدب في مخاطبة ، كم أعتد ، في المحادثة اليومية . فقلت له ؛

من أنت ؟

فرد على الفور ؛

أنا أنت. !

أنا أنت ؟ كيف يمكن لي. حل هذا الأشكال ؟

لم أفهم شي شيء على الإطلاق ، ماذا يعني أنت ، هل يعني ، ما قال الحلاج ذات مره ، حلنا في جسد واحد ، ، لا يمكن يعني ذلك ، فأنا ، رجل مثقف ، وأعرف كل الثقافة الأوروبية المعاصرة ، فقد يعني فرويد وليس الحلاج !

ولذلك سألتهًً ؛

وضح ، من فضلك ؟

فأجاب بلا لَبْس ؛

أنا أنت !

وبعد ، فترة صمت ، لأني ، رحت أفكر بما قال ، فلم أفهم ماذا عنى بالضبط ، فقلت له ؛

أنت أنا ! ما هذا ، هل توضح لي أكثر ؟

وورتشفت كأس أخر، لكوني متأكد أنه يشاركني السكر . وكنت أحس أنه جالس الآن فوق منتص رقبتي ، رغم أني ما زلت أسمع كلامه في رأسي ، ومع هذا لم يبدوا لي ثقيل جداً في هذه اللحظة ، فلعل الشراب يخفف من وزنه . وفجاءة سمعته ، يقول ؛

أنا جزء منك ، أنا أولد معك ، وأنا من يفكر لك !

تفكر لي ! كيف ذلك ؟

لم يجب لتو ، فقد سائد صمت بينا ، أخذت أثناء هذا أرتشف مما في كأسي ، وأعيد صب كمية آخرى ، وحينما طالت الصمت مدت يد لتحسه ، فأنا لم أعد أشعربأي ثقله ، ولكني فأجاءت بسماعه يقول لي؛؛

أطمئن ما زلت هنا ، وأحسنت فعلت بطرد هديل ، أنها لا تكف عن مراقبتنا !

وهل تعرف هديل ، أنت الآخر ؟

أني أحس بوجودها بالأختناق ! لا تسغرب ذلك ، فأنا مثلك لا أطيق تطفلها !

بلا شك هذا يعرف كل شيء عني ، وعن نفسية ، فهو كما يقول جزء مني وهو من يفكر لي ، فهذا ما علي معرفة منه الآن .

فسألت بشكل مباغت ؛

تقول أنك تفكر ، وضح لي ذلك من فضلك ؟

خاطبته بأدب جم ، فأنا أحب أن أكون مؤدب معه ، وإلا سوف لن أعرف عنه شيء ، وعن من يكون . فقد خلوت بقصد أعرف من يكون ، وكل شيء آخر سيكون بسيط . وسمعته ، يجيب بهدوء ، ولم يستغرب سؤالي ؛ @@@

أنت حاله فريدة ! فلم أسمع الا عن قلة قليلة ، مثل حالتك وحالتي معك ، فنحن عادة ما نعيش في داخل رؤوس الناس ، ولا أحد منهم يعرف عنا شيء ، فنحن الذين نفكر لهم ونوجهم ، ونسيطر على كل حياتهم بدون أن ندعهم يشعروابوجودنا على الإطلاق . فهديل ، مثلاً ، بوجود فيها زميل يعيش بداخل رأسها ويتحكم فيها ويفكر لها بكل شيء .

وحين توفق لبرهه ، قلت له ؛

ولكن لماذا أنت خرجت ؟ وفضلت العيش فوق رقبتي ، أني لا أقدر تحمل وجودك فوق رقبتي !

فقال لي بغضب وأضح ، جعلتي أحس أني مرتبك بحق دنب ؛

أنت أخرجتني ، ولم تعد لي سيطرة عليك ، فأنت بت تلغي كل ما أفكر لك به ، وتشكل أفكار بنفسك وإذا لم تعد لي فائدة بوجودي داخل رأسك ، فاخترت الصعود على رقبتك كي أحسسك

بوجودي .

قفزت من مكاني ، فلم أصدق ما سمعت ، وأخذت أجوب الغرفة مجئياً ورواح . وذهبت التواليت لكي أتبول ، فقد أسرفت في الشراب . ومتلئت مثاني فيه ، فذهبت لكي أكون صافي الذهن لا يعكر صفوي شيء معه . وتحسته فوق رقبتي ، فلم يحذرني هذه المرة ، ويقول أنه هناك ، أي فوق رقبتي ، ترك يدي تمر فوقه وهو يخلد لصمت ، فقد تكون الخمرة التي شربناها معاً خدرت حواسه ، فلم ينبس بشيء . وحين عدت لمكاني قلت له ؛

قل لي كيف أخرجتك من مكانك ، وكيف لم تعد أنت الذي يفكر لي ؟

وسمعته ، يطلق تأوه كبيرة وقال في مرارة ؛

منذ بدأت تقرأ ، وتشكل افكارك الخاصة بك ، بعد أن أكثرت من القرأت والاستقلال عني ، راح مكاني يتزعزع ، ولم يعد لي أي دور في تشكيل أفكارك وتصرفك مثل بقيت الناس ، قررت الخروج ، لأنه لم يعد لبقأئي من فائدة في داخل عقلك، ولهذا اخترت الجلوس على رقبتك لكي أحسسك بوجودي ، فأنت من فعل بي هذا ! فأنا ، هنا لأنك طردتني من مملكتي ، التي هي عقلك الذي هو ملك لنا .

ورغم كل ما قاله ، وما عناه ، فقد أصبت بالرعب ، فكيف يمكن لي تحمله ، جالس على رقبتي ، بثقله الذي لا يتحمل في بعض الأحيان . فقلت له بتوسل ؛

كيف يمكن لي أن اعيدك لداخل رأسي ، أني لا أسمح لك في البقاء هنا ، فهذا لن يكون !

وانتظرت بفارغ الصبر جوابه ، ولا أعلم في هذا الوقت كم من كؤوس الخمر تجرع ، بيد رأسيء أصبح ثقيل ولم أعد أستطيع التفكير بوضوح ، وغدت الكلمات تخرج من فمي بشكل متقطع ، وعلى شكل تتممه . ومددت يدي إلى الأعلى لتحسسه ، وما اصطدمت به أنزلتها لكي أعئب كاس آخرى في ، فلا شك أننا وصلنا لمفترق طرق . ورغم كل ما صاب حواسي من خدر ، ورأسي من تبلد ، سمعته يقول بلهجة قاطعه ؛

لا أمل هناك ، لقد اصبح مستحيل لي الرجوع لأنك طرتني إلى الأبد ، ولم تعد تحتاج ، ولذا سايقى هنا !

وصرخت بدون أرادة مني وبلا وعي ؛

مستحيل ، مستحيل ، مستحيل ، سوف أقتلك ، سرميك من هنا ، أتفهم. !

وبلا تردد وبدون تهمل سمعت يقول ؛

تجروء ، أتحداك ، حاول ذلك !

صعد كلامه الخمرة في رأسيء ، ومددت يد بقوة لعنقي وسحب بعنف من مكانه ، وخليل لي أني رأيته وجهاً لوجه يقف أمامي ، ولم أكن أعرف ما مسكته بيدي هو خياله ، أو ظله أو صورته التي في داماغي ، أو هو بالفعل ، الموجود على رقبتي ، لأني لم أقدر بعد على التميز بين الوجود الفعلي والوجود المتخيل ، فالخمر ، راحت تتحكم في اعصبابي وكل مملكاتي الأخرى

، فقد كنت رأه واقفاً أمامي بلحمه ودمه ، وأخذت هزه بعنف ، وأنا أصرخ به ؛

سرميك ، سرميك ، من هنا ، من هنا !

وكنت أسمعه هو الأخر يصيح بي ؛

لن تقدر ، لن تقدر !

وكنت أحسه ثقيل ، وانا أحاول جذبه قريب من سياج البلكونة المطلق على الشارع، حيث هناك ، في اللحظة قليلا من المارة يمشون في أتجاهات متعاكسة ، ولأبد أنهم سمعوا صراخنا أنا وهو ، فقد خَيل لي أني رأيتهم يرفعون رؤوسهم نحونا . بيد أني لم اعر لكل هذا أهتمام ، لأني كنت أرئ رميه قضية حياة أو موت ، وما أستطعت سحبه قريب من سياج البلكون لكونه ثقيل وقوي ولم أقدر على زحزحته من مكانه أكثر ، وأنا كنت بالكاد أستطيع تثبيت نفسي ، لأن الخمرة دبت في كل جسدي ، وحاول مره ثانية جره بقوة لي ، لكي أرميه ، من هناك ، على السياج ، ولكن بدون جدوى ، وحينما رأى عجزي ، في جره ، سمعته يقول لي ؛

لتقفز معاً ، لقد أصبح العيش معك مستحيل ، وأنت لا تقدر تحملني بعد ، لنقفز سويه ، هذا حل عادل ، هيا قفز ، أني ورائك !

أعجبت بالفكرة ونفذت في رأسيء فجاءة ، بعد أن رأيته يدنو من السياج ، محاول الصعود علية ، وهو يصيح بي ؛

هيا نقفز ، أصعد السياج وقفز !

لم تعد لي سيطرة على افكاري وما إفعل ، فهو يبدو لا يزال يتحكم في تفكيري مثلما قال ، أنه كان يفعل بسابق ، فقد راقت لي الفكرة تماماً وسيطرت على خيالي ، وكأنها فكرتي ، لذلك ، بدون أبطاء تسلقت السياج ، وبدون التفت ، ورأى ماذا يفعل ، وبقفزت مباغته ، رميت نفسي من أعلى البلكونة ، وفيما أنا أواصل سقوطي ، سمعته يضحك مني بعلى صوته ، وهو يقف عند السياج ، ويضحك بأعلى صوته وعندما ارتطمت بالأرض كان ضحكه قد تلاشى من سمعي .

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here