الغليان الشعبي

في اغلب الدول تتظاهر شعوبها للمطالبة بأمر ما أو تسعى للتغير قانون فرضته الحكومة ، أو فشلت في تحقيق مطالبهم أو لأسباب مختلفة ، وفي نهاية المطاف تودي التظاهرات إلى إلغاء القانون أو تعديله أو إقالة الوزير أو يقدم استقالته ، وحتى إقالة الحكومة نفسها ، وفي بعض الأحيان يتغير نظام بكامله .
ويكون التظاهر سلمي حضاري معبر عن مطلب الجماهير ، وغالبا ما تنتهي التظاهرات دون حوادث تذكر ، وان حدث تصادم بين المتظاهرين وقوات الأمن تستخدم خراطيم المياه أو الغاز المسيل للدموع ، وقد يستخدم الرصاص المطاط في حالات معينة وهي نادرة جدا، وفي نهاية المطاف تنتهي الأمور دون إن يستخدم الرصاص الحية وهنا بيت القصيد .
هذه الصورة في البلدان المتقدمة الديمقراطية فعلا ، وليس في بلدنا تدعي أكذوبة اسمها الديمقراطية ، وهي تعيش في قمة الدكتاتورية في السلطة ، لتكون تظاهرتنا مقتلة لشبابنا في عمر الورد ، لأب ترك سبعة أبناء ذنبهم الوحيد يعيشون في بلد لا يحترم حق التظاهر ، وهذا لا يعني خلو ساحة المتظاهرين من حمل السلاح وضرب القوات الأمنية بيه ، أو لمجموعة مسلحة لن يكشف عنها كما جرت العادة ، ويكون دمه يضيع وسط هذا الوضع الذي لا يبشر بخير مطلقا .
هل المشكلة في المتظاهرين أما بمتظاهر عليهم ، وهل حققت لنا التظاهرات مطالبنا سابقا وحديثا ، ولماذا تستخدم الأسلحة من إي جهة كانت ، وتساؤلات كثيرة لا تنتهي .
منذ 2003 ولغاية وقتنا الحاضر شهدنا عدة تظاهرات من عدة جهات ، ومن مختلف التيارات المدنية و الدينية ، وكم بلغت إعدادها الملايين أو الآلاف ، ووصلت الأمور إلى اقتحام المنطقة الخضراء و مجلس النواب ، وأكثر من ذلك بكثير ، دون حلول حقيقية بل هي مجرد حلول ترقعيه ، لكن المحصلة النهائية بقاء نفس الحال المزري .
مشكلة الكهرباء التي تظاهر عليه أهلنا في البصرة مشكلة وطنية ، وتقف ورائها عدة أسباب ، وعدم حلها ليومنا هذا المشكلة بصورة نهائيا يتحملها الجميع دون استثناء ، فبين فشل الحكومة في وضع خطة شاملة وفق خطوات مدروسة وحلول واقعية لازمة الكهرباء , رغم صرف المليارات من الدولارات ، لأسباب سياسية وانتخابية وإسقاط للغير ، ومنافع مادية تسعى من ورائها بعض الجهات الداخلية والخارجية لبقاء الأزمة ، وعدم تولي المسؤولية خبرات وكفاءات قادرة على المشكلة ، وسيستمر الوضع ما دمنا محكومين من أحزاب بعيد عن معاناة المواطن .
المواطن يتحمل جزء كبير من المشكلة ، كل الدول العالم يستخدم الكهرباء وفق آليات معينة ومقاييس ،وهذا الحالة لا توجد لدينا ، لا مقاييس للكهرباء في اغلب المنازل ،وعدم دفع الأجور للدولة وقد بلغت الملايين ، والتجاوز على المنظومة الوطنية ، وتشغيل كل الأجهزة الكهربائية ، دون الحاجة الفعلية لها ، وهي صورة لا نجدها في معظم البلدان وحتى المجاور لنا .
لو بلغت درجة الغليان الشعبي درجتها الحقيقية ، لوجدنا حكام المنطقة الخضراء في وضع أخر في التعامل مع اغلب أزمات البلد ، لكنها لم تصل لهذا الحد الذي يهدد وجودهم وكيانهم ، لذا على شعبنا إن يتظاهر ويتظاهر لدرجة الغليان العالية حتى تحقيق مطالبه الشرعية ووفق مبدأ الحقوق والواجبات على الجميع ، دون استخدام الأسلحة لأنها لن تحل المشكلة مطلقا .

ماهر ضياء محيي الدين

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here