الموصل في الذكرى الأولى لتحريرها.. الأمن يلاحق 350 ألف شخص بسبب تشابه الأسماء

بغداد/ وائل نعمة

في مثل هذا اليوم قبل سنة أطل رئيس الوزراء حيدر العبادي أمام مقر قوات مكافحة الإرهاب في الموصل ليعلن تحرير المدينة بعد 9 أشهر من القتال العنيف ضد تنظيم داعش، لكن النصر المعلن بقي باهتاً وناقصا بعدما كشفت الايام اللاحقة عجز الحكومة عن إعادة إعمار المدينة التي تعرضت لدمار هائل وفقدان أثر آلاف الرجال الذين اختفوا في ظروف غامضة، وملاحقة آخرين بسبب تشابه الأسماء.
حين استولى داعش على المدينة في حزيران 2014، كان هناك نحو 3 ملايين شخص يعيشون في الموصل بساحليها الأيمن والأيسر، وهرب عدد كبير منهم بعد سيطرة داعش، فيما وصلت عمليات النزوح ذروتها في 2016 مع انطلاق عملية تحرير المدينة، حيث هرب قرابة 1.5 مليون شخص.
في ذلك الوقت قدّر مسؤولون في المدينة عدد عناصر التنظيم المتطرف من المسلحين والمؤيدين (أجانب ومحليين) بنحو 80 ألف عنصر، قتل منهم نحو 16 ألفاً واعتقل 400، على وفق ما قالته العمليات المشتركة قبل شهرين فقط من إعلان النصر، لكن العدد المتبقي من المسلحين ظل غير معروف وأصبح جميع السكان مشتبهاً بهم.

مسلّحون تحت الغطاء
يقول أحمد الجبوري، وهو نائب سابق عن نينوى إن المعلومات لدى القوات الامنية في المدينة عن مسلحي التنظيم غير كافية. وأضاف في تصريح لـ(المدى) أمس: “هناك بعض العناصر في ما يعرف بـ(أمنية داعش) لم يكشفوا هوياتهم لأحد ولم يتحدثوا أمام السكان”.
كانت تلك الفرق معنية بتنفيذ الاعتقالات والإعدامات لمناهضي التنظيم من العشائر ومنتسبي القوات الامنية وتقدر أعدادهم بالمئات، كانوا يتجمعون بأعداد تتراوح بين 20 و 50 فرداً في كل منطقة، يرجح أن هناك أكثر من فرقة في الموصل، يغطون وجوههم دوماً ويتجنبون الحديث حتى لا تنكشف هوياتهم، كما أن أغلبهم كانوا يُجلبون من مناطق بعيدة.ويتوقع الجبوري أن يكون بعض من هؤلاء موجودين الآن في الموصل، وانه لا يمكن كشفهم بسهولة، كما يقول إن “عناصر التنظيم الذين هربوا الى الصحراء بعد تحرير الموصل، يهددون اليوم بالعودة”، ويكشف أيضا عن أن الضغط على التنظيم في جنوب سوريا، دفع بعض المسلحين الى الدخول في مناطق غرب نينوى، وقد شاهد بعض السكان عجلاتهم هناك.
وكشفت قيادة العمليات، أمس، عن وجود أنفاق في شمال الموصل، أحدها كان يضم 20 إرهابياً قتلوا حين تم تفجيرها. ويقول الجبوري إن “هناك نحو 15 ألف عنصر أمني تم فصلهم من شرطة نينوى ولم يعادوا حتى الآن”. وكانت أعداد الشرطة قبل عام 2014 بحدود 30 ألف عنصر، فيما لا تعوض الحشود العشائرية، وهم تقريباً نفس عدد المفصولين من الشرطة، الفراغ الذي تركته القوات الامنية، لأنهم في الغالب يعودون الى جهات سياسية وينتشرون بشكل عشوائي في المدن.
وكشفت (المدى) في حزيران الماضي، عن تقرير جديد لوزارة الدفاع، أكد عدم ثقته بالفرقة العسكرية التي تقوم بحماية الموصل، إذ أكد التقرير أن القوة “غير قادرة على القتال”.

تشابه الأسماء
كانت المهمة الأصعب بعد تحرير الموصل هي كيفية التعرف على المسلحين والمؤيدين لهم، حيث تسرب عدد منهم مع النازحين. ودفعت تلك الأحداث، بحسب ما يقوله الجبوري الى توسيع القوات الأمنية من حملات الاعتقالات ،وهذا الأمر قد يؤدي الى تراجع العلاقة بين السكان والقوات الأمنية. ويؤكد النائب السابق أنه حتى الآن “هناك 15 ألف معتقل في السجون من أبناء المدينة، نصفهم على الأقل غير مذنبين، وألقي القبض عليهم بسبب تشابه الأسماء أو بسبب دعاوى كيدية”.
وتقول المعلومات التي وردت الى (المدى) إن هناك 350 ألف شخص، أغلبهم في الموصل، تتشابه أسماؤهم الرباعية مع مطلوبين في قضايا إرهاب، وهم جميعا عرضة للاعتقال، وإن عملية تدقيق الشخص الواحد تحتاج، بحسب الإجراءات المتبعة، إلى يوم كامل حتى يمر المشتبه به على جميع التشكيلات الأمنية الستة العاملة في الموصل، أهمها الاستخبارات، الأمن الوطني، المخابرات، ومكافحة الإرهاب، ويتم التبين من حقيقة وضعه الأمني.
ويؤكد مصدر مطلع في الموصل في حديث مع (المدى) أمس، طالباً عدم نشر اسمه، أن “هناك 127 معتقلا بسبب التشابه في الاسم الثلاثي، على الرغم من أن وزير الداخلية منع احتجاز شخص إلا بعد التأكد من اسمه الرباعي، لكن القرار لم تلتزم به كل الأجهزة الأمنية”. أما بشأن الـ 350 ألفاً المشبته بأسمائهم الرباعية فقد أكد أن أيّاً منهم “يعتقل فوراً عند مراجعته لدائرة الاستخبارات للتأكد من موقفه الأمني”.
وتعتمد حياة كل سكان الموصل على ورقة “السلامة الأمنية”، حيث لا يمكن لأي شخص هناك الحصول على راتبه التقاعدي أو تجديد هوية الأحوال المدنية من دون تلك الورقة، وإلا سيكون معتقلا لعدة أشهر لحين ثبوت براءته. ويضيف المصدر المطلع أن “هناك معتقلين قضوا 8 أشهر على الأقل حتى استطاعوا إثبات عدم تشابه أسمائهم مع مطلوبين”. وأوضح أن الوضع في المعتقلات سيّئ للغاية، حيث تنتشر الأمراض، مبيناً أنّ”في أحد السجون في المدينة مات 86 معتقلاً بسبب الأمراض”.
في المقابل، فقد الكثير من السكان أعمالهم على أثر المعارك وتدمير البنى التحتية، حيث ازدادت نسبة البطالة الى 60%، بحسب تقديرات مسؤولين، ودمرت الحرب 54 ألف منزل، مازالت على حالها، بينها 12 ألفاً في المدينة القديمة فقط، كما لايزال هناك 380 ألف شخص خارج المدينة.
ويقول خلف الحديدي، عضو مجلس محافظة نينوى في تصريح لـ(المدى) أمس إن “أوضاع النازحين على حالها، ولم تجر في المدينة إعادة إعمار وإنما عمليات ترقيع، بسبب عدم وجود التخصيصات المالية. وارتفع الفقر في المدينة بعد عام من التحرير فيما يتجول مئات الأطفال المتسولين في الموصل.
ولا توجد تقديرات لعدد الأيتام في المدينة، لكن الحديدي يقول: “في مخيم واحد هناك 128 طفلا يتيما، والمتسولون معظمهم قتل آباؤهم في الحرب”. ويقدر عدد القتلى في الموصل بـ10 آلاف شخص، فيما هناك عدد مماثل من المفقودين، و3 آلاف يتوقع أنهم مازالت جثثهم تحت أنقاض المدينة القديمة.
ويعتمد الاهالي على مولدات الكهرباء بشكل كامل، حيث يؤكد المسؤول المحلي أن إعادة منظومة الكهرباء في المدينة تحتاج الى “500 مليار دينار لأن كل شيء قد انهار”. وتقدر كلفة إعادة إعمار المدينة بنحو 30 مليار دولار.
ويضطر المستشفى الوحيد العامل في المدينة ( مستشفى السلام) لإخراج المرضى من أسرّتهم الى الحدائق بسبب ارتفاع درجات الحرارة وعدم وجود مكيفات هواء، ويؤكد الحديدي أن “ميزانية مديرية الصحة في الموصل “صفر دينار”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here