الاحتفالات تغيب عن الموصل في ذكرى تحريرها: الدمار والبحث عن المفقودين يؤرِّقان سكانها

غابت الاحتفالات والزينة عن شوارع الموصل التي أحيت أمس الثلاثاء الذكرى السنوية الأولى لتحريرها من تنظيم داعش وسط أجواء من الإحباط بسبب التأخير في إعادة الإعمار.
وتروي أم محمد دامعة عودتها إلى منزلها المهدم في أحد أحياء الموصل القديمة، وتسأل”تحررنا (…) إلى ماذا عدنا؟ بيوت مهدمة وخدمات معدومة”.
وتشير ربة المنزل الثلاثينية وأم الأولاد السبعة المتشحة بالسواد إلى ما تبقى من منزلها القريب من جامع النوري الكبير الذي شهد الظهور العلني الوحيد لزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي.
في العاشر من تموز 2017، أعلنت القوات العراقية استعادة السيطرة على مدينة الموصل بعد تسعة أشهر من معارك دامية بدأت في شرق المدينة، وامتدت إلى غربها الذي شهد حربا ضروسا أسفرت عن دمار كبير خصوصا في المدينة القديمة.
فقد اختفت نتيجة المعارك منارة الحدباء التاريخية التي تعد أبرز معالم الموصل، وتعرضت للتجريف كما هو حال العديد من المساجد والمواقع الاخرى والمنازل التي أصبح بعضها ركاما.
ورغم أن الحياة عادت إلى طبيعتها في الجزء الشرقي من الموصل، إلا أن الدمار لا يزال ماثلا في غربها. وقبل أيام فقط، بدأت السلطات المحلية بعملية رفع الأنقاض بمشاركة متطوعين.
ويشير”المجلس النروجي للاجئين”في بيان إلى أنه بعد مضي عامٍ على استعادة الموصل،”لا يزال هناك أكثر من 380 ألف شخص من سكان المدينة بلا منازل، وأحياؤهم عبارة عما يصل إلى ثمانية ملايين طن من الحطام”.
ويوضح أن”حوالي 90 في المئة من الجانب الغربي من مدينة الموصل مدمر. وحوالي 54 ألف منزل في الموصل والمناطق المحيطة بها مدمّر”.
ويلفت المجلس إلى أن الموصل تحتاج إلى 874 مليون دولار لإصلاح البنية التحتية الأساسية.
ويقول أبو غصون (44 عاما) العاطل عن العمل والذي استأجر بيتا في شرق المدينة بعد خسارة منزله في غربها،”التخريب والتدمير الكبير للساحل الأيمن (غرب) أفرغا التحرير من محتواه”.
ويقول غدير إبراهيم فتاح (35 عاما) بدوره”كنا نتوقع الإعمار مباشرة لكن شيئا لم يتحقق. هذا ترك إحباطا وغصة في نفوس الأهالي المنكوبين”.
ويطول اليأس خصوصا العائلات التي لا تزال تبحث عن مفقودين، على غرار أم قصي (40 عاما).
وتشكو السيدة التي تسكن في منطقة النبي يونس في الشطر الشرقي من الموصل غياب أي متابعة رسمية لهذا الملف، قائلة”لماذا لا ترد علينا الحكومة؟”.
وكل يوم جمعة، تتحول ساحة المنصة في الموصل إلى موقع تجمع لسيدات يبحثن عن مفقودين من عائلاتهن.
وترتدي النساء ملابس سوداء ويرافقهن أطفالهن وبعض الرجال، ويحملن صور الأحبة، في مشهد يذكر بـ”أمهات ميدان مايو”اللواتي فقدن أطفالهن في عهد الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين (1976- 1983).
ويشير الكل بإصبع الاتهام بالتلكؤ إلى الحكومة التي لم تقدم على أي خطوة لإعادة الإعمار حتى اليوم.
ويقول عضو مجلس محافظة نينوى غانم حميد لفرانس برس إن”الحكومة المركزية متلكئة ومقصرة بشكل كبير تجاه المحافظة. لم تقدم شيئا يذكر”.
ويضيف”قبل معركة التحرير عقد مؤتمر باريس (أيلول 2014)، وبعد التحرير عقد مؤتمر الكويت (شباط 2018) لإعادة الإعمار. وبقي كل ذلك حبرا على ورق”.
ويقول الشاب علاء نافع (26 سنة)”تحررنا من الضيم والكابوس الكبير، لكن نتمنى من الدول المانحة أن تساعدنا للإعمار، لأن يدا واحدة لا تصفق”.
ووسط كل ذلك، تحذر أصوات في المدينة من احتمال حصول تدهور أمني في محافظة نينوى التي أعلن العراق فرض كامل سيطرته عليها في نهاية آب الماضي.
ويروي عضو البرلمان المنتهية ولايته عن محافظة نينوى أحمد الجربا تفاصيل حادث وقع قائلا: إنه في”ليلة الجمعة، عبرت عجلات رباعية الدفع لعناصر داعش الحدود السورية باتجاه الأراضي العراقية من قضاء البعاج”في غرب نينوى.
ورغم إعلان بغداد في كانون الأول الماضي انتهاء الحرب ضد التنظيم المتطرف عقب استعادة آخر مدينة مأهولة كان يحتلها، يشير خبراء إلى أن مسلحين متطرفين ما زالوا كامنين على طول الحدود المعرضة للاختراق بين العراق وسوريا وفي مخابئ داخل مناطق واسعة من الصحراء العراقية.
وتشهد المناطق الواقعة في محيط كركوك وديالى تدهورا أمنيا، إذ لا يزال الإرهابيون قادرين على نصب حواجز وخطف عابرين، ما اضطر الحكومة مؤخرا إلى إطلاق عملية عسكرية واسعة ضد المسلحين في تلك المناطق.
ويطالب كثيرون الحكومة بسرعة اتخاذ التدابير الامنية اللازمة والإمساك بالشريط الحدودي مع سوريا منعاً لتكرار سيناريو العام 2014.
وفي هذا الإطار، يوضح المحلل السياسي عامر البك، أن نينوى اليوم”تشهد تعددا للقوات الأمنية من جيش وشرطة وحشد شعبي وعشائر وغيرها. ومع ذلك هناك انفلات أمني”. ويضيف”الصورة اليوم تهدد بعودة داعش، لكن بصورة مختلفة هذه المرة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here