الفِراسة (او التوسم)عند العرب ظاهرة فطرية ام مكتسبة💡💡💡

♦️أَبوالحكم عدنان السعدي♦️

💦 وما كُلُّ ذي عينينِ بالفعلِ يُبصرُ ولا كُلُّ ذي كفينِ يُعطي فيؤجرُ 💦

🔸كانت العرب ترى ان الفِراسة هي الاستدلال بالاحوال الظاهرة على الأخلاق الباطنة، فتستدل من هيئة الانسان ولونه وافعاله وزلات لسانه على فضائله او رذائله

ويستطيع ذو الفِراسة ان يميز من يعيش في الصحراء عن من يعيش في المدينة دون ان ينطق من مجرد حركاته وتصرفاته، ويسمى هذا النوع من الفِراسة (لغة الجسد)

🔸وقد انتشر هذا العلم عند الغرب منذ سبعينيات القرن الماضي، وتم تصنيف الانسان من رأسه ووجهه كذو الوجه المدور والمربع والبيضاوي وذو الحاجب الرفيع والسميك وذو العينين الغائرتين والجاحظتين وذو الفم و الأنف الكبيرين والصغيرين وذو اللسان الأبيض والأحمر وذو الأسنان

البيضاء المتساوية والمفلجة وذو الإذن الكبيرة والصغيرة وذو الشعر الأحمر والاسود، ومن وقفة الانسان وقامته ومن طريقة تكلمه ونظراته وغيرها كثير، وكل حركة وتفصيل لها وصف ووجه تعبير تميزه عن صفات الآخر ليس هذا مجال ذكرها

🔸يعتقد علماء النفس ان ٦٠٪؜ من حالات التخاطب والتواصل بين الناس تتم بصورة غير شفهية، اي عن طريق الإيماءات والإيحاءات والرموز لا عن طريق الكلام! اي التخاطب اللالفظي!!!، فأن من الممكن معرفة اذا كان الطرف الآخر يحبنا بالاعتماد على إيماءاته وحركاته لا على كلامه، فقد لا يقول رجل لامرأة إنه يحبها لفظياً وقد لا تقول هي ذلك ولكن الإيماءات جديرة بقول ذلك ببلاغة أشد من الكلام ! وهنالك مقولة قديمة هي ( الحب من النظرة الاولى) وليس (الحب من الكلمة الاولى) ويعني ذلك ألتقاء العيون في مكان ما وان الجسم ينطق بأكثر ما تعنيه الكلمة

مثال على ذلك؛ أرأيت أنك اذا سافرت الى بلد أجنبي ولم تكن تتحدث لغته فكيف سَتفُهم الحلاق بنوع قَصة الشعر التي تريد؟ وكيف تفهم عاملٌ في بيتك ما يتوجب عليه اصلاحه إلا بلغة الجسد والاشارات والرموز!؟

🔸لقد عرف البعض الفِراسة بأنها ألهام او فكرة تقفز الى الوعي فجأة فتنبئ صاحبها بشيء لم يصل الى فهم وإدراك غيره، وقد تكون فطرية أو مكتسبة ومرادفة للذكاء وتصقلها التجربة والخبرة في الحياة.

ذكرَ الله عز وجل في كتابه الكريم( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ) الحجر أية (75)، اي المتفرسين كما قال أهل التأويل والتفسير ، اي ان الانسان يعطى علامات يعرف بها السمة الدالة على صاحبها، وربما يكون فتح من الله على بعض عباده، لكن لا بد للأنسان للأستدلال بما فات على ما هو آت، كما أن البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير ، وقد كان ينقل عن ابن عباس أنه ينظر الى الغيب من ستر الرقيق! ويروى عن الشافعي قدرته على الفِراسة وقد كان متوسماً ويقول:” أنني لا اعرف الرجل اذا أعطاني قفاه اي اذا مضى وقيل له ومن وجهه فقال سبحان الله وهل يوجد أحدٌ من الناس لا يعرف الناس من وجوههم!!؟ ” وهو يتكلم عن حال نفسه

🔸يروى ان إياس بن معاوية القاضي نظر الى رجل فقال هذا غريب وهو من أهل واسط وهو معلم ويطلب عبداً آبق، فذهب بعض من عنده فسألوا الرجل فوجدوا الامر كله كما قال، فسألوه كيف عرفت فقال رأيته يمشي ويلتفت فعلمت انه غريب ورأيته وعلى ثوبه حمرة وهي تربة واسط فعلمت انه من اَهلها ورأيته يمر بالصبيان فيسلم عليهم ولا يسلم على الرجال فعلمت انه معلم ورأيته اذا مر بذي هيئة لم يلتفت إليه واذا مر بذي أسمال تأمله فعلمت انه يطلب آبقا

🔸 أَطرح هنا تساؤل على القارئ الفطن اذا كان لا يعتقد بوجود علم الفِراسة، فلماذا الأحكام المسبقة التي نتخذها على الشخص عند رؤيته لأول مرة؟ فنقول أحببته او لم أحبه وارتاح قلبي له ولَم ارتاح اليه!! وقد يكون هذا بدون حوار مباشر بين الطرفين، على اي شيء بُنيَّ هذا التصور والانطباع؟ الذي قد يأخذ منا أشهر او سنوات لتغير هذا الإلهام او الفكرة !!!

إذاً فكلنا قد ينتابه الشعور بالفراسة او التوسم من حيث لا ندري وتختلف هذه القدرة من شخص لآخر من حيث تطويره لقدراته

🔸ومنها فِراسة تحسين الألفاظ: وهو باب اعتنى به الأكابر والعلماء وهو من سمات العقل والفطنة أرشدت اليه السنة للتخلص من المكروه بأمر سهل من تعريض بقول او فعل، فمن ذلك: ان بعض الخلفاء سأل أحد ندمائه وفِي يده مسواك ما جمع هذا قال ضد محاسنك يا أمير المؤمنين ولَم يقل مساويك فاعجب به وقربه اليه

وسئل العباس عّم النبي أأنت اكبر ام رسول الله فقال هو اكبر مني وانا ولدت قبله

كما سأل الصديق في سفر الهجرة عن النبي ( من هذا بين يديك؟) فقال ( هادٍ يدليني على الطريق)

وأصلها من الشريعة قوله تعالى ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) سورة الإسراء آية (53)، فكم من كلمة جيشت الجيوش للحرب وكم من كلمة أطفأت نارها

🔸الفِراسة الإيمانية: وأصلها من الشريعة آية التوسم التي ذكرناها آنفا وحديثي رسول الله ص ( أتقِ فراسة المؤمن فأنه يرى بنور الله)

و ( أن لله عباداً متوسمين).

يقول شاه أبو شجاع الكرماني: ” من عمّرَ ظاهره بأتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وكف نفسه عن الشهوات وغض بصره عن المحارم واعتاد اكل الحلال لم تخطئ له فِراسة” ويعقب ابن الجوزية على ذلك بقوله ” بأن الجزاء من جنس العمل فمن غض بصره عما حرم الله عوضه الله من جنس ما هو خَيْرٌ منه فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه، فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولَم يغضه عن محارم الله، وأن القلب كالمرآة، والهوى كالصدأ، فأذا خلصت المرآة من الصدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي عليه، وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات فيكون علمه وكلامه من باب الخرص والظنون”.

وأمثلة ذلك كثيرة من السنة النبوية و لا سيما الخلفاء الأربعة بعد عهد النبوة فكثيرٌ منهم نزل بهم القران موافق لفراساتهم واقوالهم، إضافةً الى فِراسة آلِ البيت وأولياء الله والعارفين به في كل زمان، وتعتمد الفِراسة هنا على البصيرة حيث ان الاعتماد على البصر وحده في التشخيص والتمييز والمعرفة غير كاف، اذا لا بد الى مرجع آخر لرفع الالتباس والغموض لكشف الظلمة العقلية

🔸ختاماً: إننا نعيش في زمن ووقت يحتاج اليه ان يكون الانسان يقظاً فطناً ولديه شيء من الفِراسة، كما لا بد لحذاق الحكام والولاة من فِراسة يستخرجون بها الحقوق تكون بالإمارات فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادة تخالفها ولا إقرارا، ومن لطائف وعجب ما يذكر فِراسة وحُكم ابا الحسن علي بن ابي طالب وقضائه بين الناس منها:

أشتكى رجلٌ أسود الى عمر بن الخطاب ومعه أمرأة سوداء فقال: ياأمير المؤمنين اني أغرس غرساً أسود، وهذه سوداء على ما ترى، وقد أتتني بولد احمر، فقالت المرأة والله ياأمير المؤمنين ما خنته وانه لولده، فبقى عمر لا يدري ما يقول فسئل عن ذلك علي بن ابي طالب؟ فقال للأسود: ان سألتك عن شيء أتُصدقني؟ قال أجل والله، قال: هل واقعت امرأتك وهي حائض؟ قال قد كان ذلك، قال علي: الله اكبر ان النطفة اذا خلطت بالدم فخلق الله عز وجل منها خلقاً كان أحمر اللون، فلا تنكر ولدك فأنت جنيت على نفسك

دمتم متفرسين

🔻المصادر

🔻أحترف فن الفِراسة/ ابراهيم الفقي

🔻قراءة البشر عن بعد/ احمد بهيج

🔻الفِراسة/ لابن قيم الجوزية

صفحات متعددة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here