القدوة الحسنة

بقلم: صادق حسين الركابي

في ظل التحديات الصعبة التي يواجهها العراق يبدو ان وجود ظواهر إيجابية بات ضرباً من الخيال. 
لكن العراق ما يزال بلد الخير و العطاء و ما يزال العراقيون الاصلاء يسجلون مواقف مشرفة على جميع الاصعدة. 
و بالرغم من تراجع معدلات الإنجاز و الأداء لعدد كبير من مؤسسات الدولة الا ان بعضها يحاول جاهداً أن يخلق نموذجاً ناجحاً يفتخر به كل عراقي.

هذا ما لمسته شخصياً على ارض الواقع خلال زياراتي لمبنى القنصلية العراقية في لندن. 
فما ان تدخل الى بهو القنصلية حتى تفاجأ بشاب مؤدب يسلم على المراجعين و يسألهم عن معاملاتهم و الأوراق المطلوبة و يحاول جهد قدره مساعدتهم على إنجازها. هذا الرجل ليس موظفاً عادياً  يحاول مساعدة المراجعين و إنما هو القنصل العراقي في لندن الدكتور إحسان علاوي. لقد بهرني هذا الرجل بسعة صدره و خدمته فتارةتجده بين المراجعين و تارة اخرى مع موظفي القنصلية يراجع المعاملات و يقرأها و عندما يتصل به أحدهم يجيب على هاتفه و يساعد في تقديم الاستشارات و المعلومات لمن يبحث عنها.
 
لم اجده خلال فترة وجودي في القنصلية جالساً ابداً بل كان كأي موظف في القنصلية لا يتميز عنهم في شيء . لاحظت تعامله بكل أدب و أخلاق مع المراجعين و كيف أنه يوجه زملاءه بكل تواضع.
و للامانة أقول ان موظفي القنصلية بدورهم لم يكونوا الا نموذجاً للعراقيين الاصلاء و الاكفاء في عملهم. 
كان هناك تنظيم عالٍ جداً و سرعة في الإنجاز و انسيابية في العمل بحيث أن أعداد المراجعين المنتظرين لم تكن كبيرةو لم يكن هناك أية فوضى كتلك التي اعتدنا ان نراها في بعض الدوائر الحكومية. 
لذلك و بكل صراحة أقول ان ما رايته من فريق العمل في القنصلية العراقية في لندن لهو خير نموذج للقدوة الصالحة التي نتمنى أن تتحلى بها دوائر الدولة و مؤسساتها. و يحز في النفس ان اتذكر ان بعض الدوائر في العراق تتفنن في تعطيل معاملات الناس و إهانتهم بقصد أو بدون ذلك، حتى أنك ترى طوابير الأرامل و كبار السن و المراجعين على اختلاف أعمارهم تتجمع على شباك صغير يتحكم فيه بعض ضعاف النفوس من الموظفين غير الأكفاء.

لقد استطاع الدكتور احسان علاوي و فريق العمل معه ان يعكسوا صورة مشرقة لما يجب ان يكون عليه العمل في مؤسسات العراق و هي صورة يفتخر بها كل عراقي حريص على سمعته و سمعة بلده. 
و مع أني من أشد المنتقدين للواقع المأساوي الذي وصل اليه العراق من فساد مالي و اداري و ضياع لفرص التنمية على حميع الأصعدة إلا اني وجدت أنه لا بد لي من تسليط الضوء على هذه الظاهرة المشرقة التي عايشتها في قنصلية العراق في لندن. هذا النموذج الناجح الذي يجب ان يعمم لا بد من احترامه و تكريمه لتحفيزه على التطور و تشجيع الدوائرالاخرى للاقتداء به. 

و هنا اسأل عن حال العراق لو التزم كل منا بأداء واجباته و مهامه بكل ضمير و احساس بالمسؤولية؟ ما هو حجم الإنجازات التي كان العراق سيصل اليها لو التزم كل مسؤول في الدولة بواجباته؟ 
لقد أصبح العراق و مع الاسف من بين الدول الأكثر فساداً و الأسوأ من حيث العيش، في حين انه يمتلك كل مقومات الدول المتقدمة. فالثروات الهائلة و الخبرات العالية كلها متوفرة لكنها تحتاج لارادة بالتغيير و إدارة لذلك التغييربأسلوب علمي يعيد للعراق وجهه الحضاري المتطور. 
 و ما أجمل أن يكون هناك مؤشر للأداء في كل دوائر الدولة و مؤسساتها يتم من خلاله تكريم الأفضل من جهة و تحفيز المؤسسات الأقل كفاءة لتطويرأدائها و أعمالها بما ينسجم مع متطلبات التنمية. 
ان تعميم النموذج الناجح و دراسته و الاستفادة منه بات ضرورة ملحة في عراق اليوم و هو امر ليس فقط من باب التشريف و التكريم و إنما حقيقة لا بد من استيعابها و دعمها لتصبح قدوة حسنة تجنبنا مزيداً من الفرص الضائعة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here