شعلينه عوفهه يمعود/ العبارة التي حطمت العراق؟!

علاء كرم الله

في خضم وذروة الأحداث التي مرت على العراق منذ الأحتلال الأمريكي البغيض عام 2003 تحديدا، وحتى قبل هذه الفترة بعقود،صار العراقيين يتهمون بعضهم لبعض في أحاديثهم بأنهم ليس لديهم أنتماء للوطن!!، وهذه في الحقيقة كارثة ومصيبة ما بعدها مصيبة ، كيف يكون ذلك؟ وأنت عشت وتربيت وكبرت ودرست وتوضفت في وطن تشعر أخيرا بأنك لا تنتمي له؟. والأكثر ألما في ذلك أن هذا الشعور وهذا المفهوم قد ترسخ في عقولهم ووجدانهم وكيانهم الأنساني، وبالتالي أنعكس في طبيعة تعاطيهم مع ما يمر به الوطن من مصائب وويلات بصورة من اللامبالاة وعدم الأهتمام وعدم الشعور بالمسؤولية!. ومن غرائب العراقيين أنهم دائما ما يضربون الأمثال بشعوب الدول المجاورة وبشعوب العالم منبهرين بصفات وتصرفات ومواقف تلك الشعوب سواء أكان في موقف سياسي أو أجتماعي أو أنساني، وكأن تلك الشعوب جاءت من كوكب آخر وليس من كوكب الأرض الذي نعيش عليه جميعا!.وصار الشعب المصري بموقفه السياسي المعروف وتجمعه المليوني الذي أبهربه العالم وأفشل مخططات أستعمارية رهيبة كادت تؤدي بالمنطقة وبمصر الى مالا يحمد عقباه!،حيث أستطاعوا بمظاهراتهم تلك من خلع حكومة الرئيس الأسبق حسني مبارك، ومن ثم أسقاط حكومة الرئيس الأخواني محمد مرسي، أصبح هذا الشعب مثالا يتكلم به العراقيين به ليل نهار ويتمنون أن يكونوا مثله،بسبب الظروف التي يمر بها العراق وشعبه والتي هي أسوء بكثير من ظروف الشعب المصري أبان حكومة الرئيس مبارك!!!. ( وهنا لابد من الأشارة بأن المظاهرات المليونية التي خرجت بها مصر والتي أسقطت فيها حكومتين وجاءت بالرئيس الحالي (السيسي)، شاركت فيها كل شرائح المجتع الطبيب والمهندس وأستاذ الجامعة والموظف والفنان والرياضي والسمكري وعامل النظافة و و و ، يعني جميع شرائح المجتمع حيث توحدت كلمتهم وأعتصموا وناموا في الطرقات حتى تحقق لهم ما ارادوا، عكس المظاهرات التي خرجت وتخرج في العراق فلا يخرج بها الجميع، فقط المتضررين مثل العاطلين عن العمل والذي لديه مفقود أو عنده مشكلة في دائرة التقاعد وغيرها من المشاكل الشخصية فلم يتفق الجميع على كلمة سواء ويخرجوا لأنقاذ الوطن من الضياع الذي هو فيه!، ولم تكن مظاهرات جماهيرية كبرى بل كانت تجمعات أسبوعية فقط يوم الجمعة!؟ ، أستثناء من المظاهرات المليونية التي دعى أليها السيد مقتدى الصدر وهذه في الحقيقة تعتبر تظاهرات سياسية يقودها أتباع التيار الصدري ولا تعد تظاهرات جماهيرية!!.). نعود الى أصل الموضوع فأن العراقيين من حيث يعلمون ولا يعلمون بأن وصفهم وشعورهم بعدم أنتمائهم لوطنهم، وأنبهارهم بتجارب ومواقف الشعوب أنما يضعون أنفسهم في درجة من الدونية والأستصغار وعدم الأحترام لأنفسهم!!، رغم أنهم يمتلكون الكثير من مقومات النجاح والرقي والتميز. ولا أدري أن كان العراقيين تناسوا عن جهل أو عن قصد بأن العراق وشعبه في أربعينات وخمسينات القرن الماضي وتحديدا فترة حكم العهد الملكي، كانت له (رنه وطنه) كما يقال على مستوى العالم وليس على مستوى دول المنطقة ودول الجوارفحسب!، حتى قيل أن الكثير من الرؤوساء الأمريكان كانوا يستأنسون برأي رئيس وزراء الحكومة العراقية آنذاك وتحديدا السياسي الأبرز المرحوم نوري باشا السعيد،في الكثير من القضايا التي تهم المنطقة والعالم!. ونسأل من أين جاءت هذه العبارة(شعلينا عوفه يمعود)، بكل ما تحمله من مضامين سلبية!، ولماذا أصبحت الوصية الأساس والترنيمة التي نتعلمها من البيت منذ صغرنا ( من الأم والأب والأخ الأكبر)،منذ بداية مشوارنا مع حياتنا البريئة في المدرسة الأبتدائية، وتستمر هذه العبارة مع جزئياتها ( معليك لتتدخل بأي شي، من وصيك أبني ، بنتي لتتدخلين بأي شي روحوا وتعالوا بدربكم!، وغيرها من الوصايا)،وبقت وستبقى هذه الوصية رفيقتنا الأبدية ونتوارثها جيل بعد جيل حتى مماتنا!. حيث أن هذه العبارة تعد الوصية الأم والقاعدة الأساس في بناء الأنسان العراقي، ووصية العيش بالحياة في العراق!. ولا ندري كيف تبلورت هذه الوصية، ومن الذي بذر بذرتها ونشرها وزرعها في عقولنا ونفوسنا ؟ حتى صارت جزء أساسيا ومكملا للشخصية العراقية أمرأة كانت أم رجل!.وفي الحقيقة ومن حيث نعلم ولا نعلم أن هذه العبارة قتلت فينا روح الأصلاح والتصدي والأعتراض لأية ممارسة أو تصرف مرفوض، بعيد عن الأدب، وغير حضاري وخارج ،عن أبسط قواعد الذوق والأخلاق والقيم والمباديء قد نصادفه في مشوار حياتنا اليومي في الشارع في المقهى في الدائرة في الشركة في وسائط النقل،هذا التصرف الذي لا يسيء ألينا فحسب بل يسيء الى صورة المجتمع ونسيجه الأجتماعي العام. فعلى سبيل المثال: أن سلبيتنا هذه هي التي شجعت المنافقين والكذابين والأنتهازيين أن يكبروا يوما بعد آخر ليزيدوا حياتنا خرابا ودمارا وضجرا وقلقا. أن أستفحال هؤلاء المنافقين والأنتهازيين والكذابين في حياتنا، هو ليس بسبب الحكومات التي حكمت العراق وخاصة في العقود الأربعة الأخيرة والتي أفرزت الكثير من الظواهر السلبية وغير الطبيعية والشاذة فحسب، بل لأننا تعودنا منذ صغرنا على عبارة ( معليك عوفه) الوصية الأساس في حياتنا!!. ويبدوا أن الرسول العظيم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام كان على علم مسبق بشأن أمته وهو الذي لا ينطق عن الهوى أنما هو وحي يوحى، من أنها لا تستطيع أن تحارب المنكر لا باليد ولا باللسان فطلب منهم أن تحارب المنكر بالقلب معتبرا ذلك أضعف الأيمان!. نعم أن محاربة الباطل والتصدي والوقوف بوجه الفاسدين والمنافقين وكشفهم وتعريتهم أمام الناس في أي موقع عمل وفي أي جلسة وحديث تدل ليس على مدى الشجاعة وقول الحق فحسب، بل أنها الدلالة الأكبر على عمق أيماننا بالله ورسوله وتعاليم الدين الأسلامي الكبيرة والرائعة. ولكن رسولنا العظيم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام لا يدري بأن ضعفنا وقلة أيماننا وسلبيتنا وأنانيتنا جعلتنا لا نحارب الباطل ولا المنافق حتى في قلوبنا بل أصبحنا نهابه!، وهذا ليس لضعف في أيماننا بالله وبكل القيم السماوية وبالرسالة المحمدية فحسب، بل لأيماننا المطلق بعبارة ( آني معلية وعوفه شعلينه!) التي طورها بعض المثقفين الى عبارة دع الخلق للخالق!. وهذا يكشف من جانب آخر وبوضوح حقيقة زيف أدعائنا بكل ممارساتنا الدينية وحتى تواصلنا اليومي عبر مواقع التواصل بعبارات الدين وأستشهادنا بالسور والأيات القرآنية وأحاديث الرسول العظيم وأقوال الأئمة على الرسول وعليهم أفضل الصلاة والسلام، بأنها عادات وليس عبادات وأيمان مطلق وعميق، وشتان بين الأثنين!.نعود الى أصل الموضوع، أن الوصية الأبدية المتمثلة بعبارة ( آني شعلية وعوفة معلينة وغيرها من هذه الكلمات والعبارات السلبية)، أخذت تكبر معنا كلما كبرنا وكلما تعددت وتشعبت ظروف حياتنا وأعمالنا، والتي قتلت فينا روح المواطنة ، حتى لم يعد الوطن لدى الكثيرين ألا محطة أرتزاق وعمل لا أكثر، لا علاقة لهم به ولا يهم أن أحترق الوطن أو نهب أو تم تدميره، والحقيقة المرة وبسبب الظروف التي مرت على العراق على مدى العقود الأربعة التي مضت، لم يعد الوطن ألا ورقة (جنسية) كتب فيها أن جنسيته عراقي!!. فعبارة (آني شعليه وأنت معليك عوفها)، بقدر ما غرست فينا روح الجبن والخوف والأنزواء وعلمتنا أن نقف متفرجين فقط أمام الكثير من المواقف الوطنية والأنسانية والأجتماعية والدينية، فأنها زرعت فينا روح الأنانية بأبشع صورها!. أن ما يمر به وطننا الآن من ضياع وفوضى وخراب وأنتشار الفساد بكل صوره وأشكاله هو ليس بسبب عدم وطنية وفساد الأحزاب السياسية والحكومات التي قادت البلاد من عام 2003 فحسب بل بسبب سلبية المواطن العراقي وجبنه وسكوته وتفكيره الشخصي بمصالحه الفئوية الضيقة . ولا يغير الله ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here