مقارّ ”ضرار“ لحزب الدعوة

ساهر عريبي

[email protected]

افتتح حزب الدعوة ” الإسلامية“ وبمختلف أجنحته, ومنذ إسقاط الولايات المتحدة لنظام الرئيس السابق صدام حسين, إفتتح عشرات المقرات الحزبية في المحافظات العراقية وخاصة الجنوبية منها, ورفع الحزب على جدران هذه المقرات صورا كبيرة للشهيد السعيد المرجع والمفكر محمد باقر الصدر, فيما إنتشرت صوره داخل تلك المكاتب.

ومن جانبها فإن الجماهير العراقية المظلومه استبشرت خيرا بهذه الفرصة التي وفّرها الأحتلال الأمريكي للحزب للعودة الى العراق, فكانت أنظارها تتجه نحو تلك المكاتب التي تعلوها صور الشهيد الصدر متوقعة ان الحزب سيكون وفيا للسيد الشهيد ولمبادئه وسيرته العطرة وملتزما كذلك بوصيته التي حذّر فيها من وقوع تلامذته في دنيا هارون الرشيد, ومنهم قادة حزب الدعوة اليوم وأبرزهم رجل الدعوة القوي عبدالحليم الزهيري, الذي كان وكيله في مدينة الرفاعي جنوب العراق , ولازلت أذكر بساطة المنزل الذي كان يعيش فيه الزهيري عندما زرته مع أخي الشهيد السعيد مهدي مبروك في العام 1979.

لكن الجماهير العراقية اكتشفت بعد مرور فترة وجيزه ان هذا الحزب لا يمت للإسلام ولا لفكر أهل البيت ولا للشهيد الصدر ولا للقيم الإنسانية بصله! وان كل شعاراته عن الدعوة الى الله إقامة دولة كريمة وعن الدفاع عن المظلومين وإنقاذ الأمة والسير على هدى الصدر , لم تكن سوى وسيلة للهيمنة على الحكم وسرقة ونهب الدولة العراقية وتحويلها الى إقطاعيات عائلية . فهناك إقطاعية المالكي التي يهيمن عليها من ابنه وصهريه وأبناء عمومته واولاد خالته, وهناك إقطاعية خضير الخراعي والزهيري والناصري والعلاق وغيرهم.

ولم يلمس الشعب العراقي خلال سنوات حكم الحزب الثلاثة عشر المنصرمه التي توالى فيها على قيادة البلاد ثلاثة من قادته وهم كل من أمينه السابق إبراهيم الجعفري والأمين الحالي نوري المالكي ورئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي, لم يلمس أي تطبيق من الحزب لأدنى المبادئ الإنسانية أو الدينية بل كانت أبرز معالم سيرته الفساد والفشل. فقد استولى الحزب على منشآت الدولة وعقارات الدولة وحولها الى ملك عضوض لها ومنها مطار المثنى الذي يضم المقر الرئيس للحزب وجامعة البكر التي وهبها الحزب للفاسد حسين الشامي الذي صدر حكم قضائي بسجنه, والقصور الرئاسية التي استولى عليها قادته وعقارات الدولة في الداخل والخارج التي جرى الإستيلاء عليها في اكبر سرقة في تاريخ العراق والمنطقة.

وقد عبث الحزب وطوال السنوات الماضية بموازنات العراق التي فاقت الألف مليار دولار وسلك معظمها طريقه الى جيوب قادة الحزب وحلفاءهم وداعميهم من الفاسدين في الداخل والخارج. فهذا الحزب لاتهمه سيادة العراق ولا امنه ولا استقراره ولا رقيه وازدهاره , بل إن كل مايهمه هو الإستمرار في حكمه ونهب ثرواته, وإلا فكيف يمكن تفسير ان رئيس الوزراء السابق وامين الحزب الحالي لايزال يصر على العودة الى منصبه بالرغم من سياساته التي دمرت العراق , وأفضت الى سقوط ثلث أرضه بيد حفنة من الإرهابيين؟ وكيف يمكن تفسير اصرار رئيس الوزراء الحالي على الأحتفاظ بمنصبه بالرغم من فشل حزبه الذريع في إدراة البلاد طوال الثلاثة عشر سنة الماضية وخاصة في حل ازمة الكهرباء , بالرغم من إهداره لأكثر من 50 مليار دولار على هذا القطاع علما بأن حل مشكلة الكهرباء (باعتباري مهندس كهرباء) تتطلب 20 مليار دولار فقط!

لقد كانت حقيقة الحزب معروفة للمطلعين أيام المعارضة العراقية ولكنها خفيت على الشعب العراقي , فسرقة العراق ونهب ثرواته كانت سيرة الحزب منذ تلك الأيام, وقد تجلت أيام الإنتفاضة الشعبانية في العام 1990, ففي الوقت الذي كان فيه الشعب العراقي يقدم التضحيات ضد نظام البعث الإستبداي كان الحزب مشغولا بسرقة المصارف العراقية ومديريات الجوازات, فقد تم نقل الأموال والجوازات في اكياس ” گونيات“ الى مقر الحزب في مدينة ايلام الحدودية, حيث تولى قادة الحزب بعد ذلك نقلها الى طهران وقم ليتم بيع الجوازات على العراقيين الذي يريدون السفر الى الخارج, وأما الاموال فاستولت عليها قيادة الحزب. ولازلت أذكر ان أحد قادة الحزب ولكثرة الأموال المسروقة نسي گونية فلوس في مقر الحزب في ايلام , وقد اتصل به أحد موظفي المقر حولها فقال له أي گونية إذ لم يكن يعلم أنه نسيها!

لكن حقيقة الحزب انكشفت بشكل سريع للشعب العراقي الذي أدرك بان هذا الحزب مارس أكبر عملية خداع للعراقيين في تاريخهم سواء أيام المعارضة او الحكم فقد أثبت فشل منظومته الفكرية بعد 60 عاما على تأسيسه , إذ عجزت عن إفراز شخصية واحدة نزيهة وكفوءة وهو مايؤشر الى وجود خلل في البنية الفكرية للحزب وفي آلياته وفي طبيعة اهدافه. ولذا فلم يكن مستغربا مهاجمة المتظاهرين العراقيين الغاضبين لمقار الحزب في أنحاء مختلفة من العراق والتي حاول عبرها ان يخدع العراقيين برفع صور الشهيد الصدر عليها, وكما فعل المنافقون في المدينة عندما أسسوا مسجدا كان الهدف منهم حياكة المؤامرات حتى فضحهم الله تعالى بوصفه مسجد ”ضرار“ امر الرسول بهدمه. وكذلك الحال مع مقار حزب الدعوة فهي مقار ”ضرار“ لا علاقة لها بالدين ولا بالشهيد الصدر الذي رفعوا صوره على أسنة رماحهم, بل هي مقار لحياكة المؤمرات والدسائس وأبرام الصفقات وتشويه ذكرى الصدر الذي يدعي قادة الحزب أنه أسسه لكنهم لم يوضحوا لماذا إنسحب منه لاحقا وعبّر عن خيبة أمله فيه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here