وقفة صراحة : سرطان المنطقة الخضراء و ضرورة إجراء عملية راديكالية

بقلم مهدي قاسم

حسب علمي تُتداول ــ طبيا ــ ثمة عبارة تُستخدم في عمليات جراحية تسمى ب” العملية الراديكالية ” ، وهي عادة تستهدف حالات سرطان مبكرة قبل انتشارها الواسع في الثدي بالنسبة للنساء وفي البروستاتا بالنسبة للرجال على وجه العموم ، حيث تنتهي بعملية استئصال كامل للموقع المصاب بخلايا سرطانية مبكرة ..

وضمن هذا السياق أظن بأن هذه العملية يجب أن تُمارس من قبل المنتفضين والمحتجين في محافظات الجنوب امتدادا إلى بغداد ــ طبعا دون أضرار بالممتلكات العامة و الخاصة ولا بالاعتداء على رجال حفظ الأمن ــ لتُطال بترا ضد ” سرطانات ” المنطقة الخضراء المتفشية والمنتشرة فسادا وفشلا ولصوصية على نطاق واسع وخطير ..

حيث تبيّن للجميع أن علاجات مخففة للألم العراقي العميق لم تعد تكفي ، نعني بذلك الإجراءات الترقيعية والتوفيقية و الآنية من قبل الحكومة و التي جاءت ليس فقط كرد فعل على احتجاجات الشارع العراقي، إنما كخطوة جزئية و متأخرة أيضا ، فضلا عن إنها لا تُعالج المشاكل والأزمات المشتدة بشكل جذري و شامل ، بقدر ما تحاول القيام بتهدئة الأوضاع و الأحوال الثائرة والساخطة ، بغية تفويت فرصة التغيير الجذري و الشامل على المتظاهرين و خداعهم ، مثلما سابقا ، مرارا و تكرارا و حتى الآن ..

فمشاكل العراق و أزماته السياسية المستعصية لا تكمن ولا تتجسد في تضخم نسبة البطالة ، و لا في سوء الخدمات و المعيشة المرّة و لا في زيادة نسبة الفقر يوما بعد يوم فقط ، إنما ــ وهنا الطامة الكبرى ــ في عدم وجود رجال حكم و دولة ( ضمن هذا الطاقم السياسي المتنفذ و الفاشل البائس ) رجال دولة و حكم موقرون الذين يتمتعون بأهلية كاملة من دراية وحنكة و خبرة ونزاهة وشعور وطني صادق ، يجعلهم يتفرغون كليا و تماما لخوض عمليات بناء و إصلاح و تحديث و تنمية اقتصادية وبشرية مزدهرة ، عبرإنجازات تلو أخرى ، طبعا ، بعيدا عن اللصوصية و الفساد التبعية للأجندة الأجنبية ..

لا .. لا يوجد ..

بالرغم من مرور أكثر خمسة عشر سنة على التغيير السياسي في العراق ومجيء عديد من رؤوساء حكومات ومئات وزراء ووكلاء وزراء و رؤوساء مجالس محافظات و بلديات و الخ ..

لذا فطالما أن هذا الطاقم السياسي الفاشل والمحاصصاتي الطائفي الفاسد والمقيت سيبقى متربعا على دفة الحكم والسلطة و صناعة القرار إلى ما لا نهاية ، فأن العراق و شعبه سيبقيان يعانيان بضراوة و شدة ، وهما يدخلان من أزمة إلى أخرى و أخرى ، أكثر سوءا و تدهورا و معاناة فظيعة وطويلة سوف لن تعرف النهاية في القريب العاجل ..

فمن هنا ضرورة إجراء العملية الراديكالية بالمعنى السياسي للكلمة من الجذر حتى الرأس ..

ومن ثم رمي هذه الجثة السياسية السرطانية المتعفنة إلى قمامة التاريخ !..

بالرغم من ما يترتب على ذلك من بعض تضحيات و مخاض أليم جديد ..

إذ فما من تغيير جذري و حقيقي نافع و مفيد سيجري بدون تضحيات ..

فيبدو أن الجماهير الغفيرة ــ أن لم تكن كلها ــ قد بدأت تدرك ذلك من تلقاء نفسها ، وها هي تثور مستعدة للتضحية مهما كان ثمن ذلك غاليا و باهظا حتى ولو بالدم !.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here