الانسان وفضائل الأخلاق، (مقتطف من ادب جماعة اخوان الصفا وخلان الوفاء)

د. رضا العطار

الأخلاق تكتسب عند البشر بفعل نوع الثقافة التي ينهلها الأنسان ان كانت سلبا او ايجابا. فقد قال الشاعر حافظ الشيرازي : ( لا تلومن ازهار حديقتي! فالأزهار تنمو كما تربيها(
من هنا يتبين مدى اهمية التربية على اخلاق الفرد . فسواء اخذنا بالنظرية الفطرية او بالأكتسابية او بالمركبة, لكننا على كل حال نواجه مسؤولية اجتماعية كبيرة في التعليم والترويض، هذه هي فرصتنا الذهبية التي يجب ان نستغلها لننشئ مواطنين صالحين ينسجمون مع مجتمعهم ويكونوا قادرين ان يشاركوه في تحقيق اهدافه الوطنية الجليلة.

هل ان الأخلاق الفطرية ملتصقة بطبع الأنسان كألتصاق الحرارة بالنار ؟
يجيب باحث آخر : بان الصفات الأخلاقية الراقية هي تلك التي تكون ذات الطابع الفطري، فهي كالفاكهة الطيبة. املنا ان يلتحق الجاهلون الأشرار بالناس المهتدين الأخيار حيث ان الأنسان الخام الذي لم يتطبع بعد بسلبيات محيطه يكون له استعداد اكبر لأستقبال الأخلاق الحميدة ليغدو اخر المطاف انسانا سويا, ومن هنا ركزت الأديان على اهمية مكارم الأخلاق مؤكدا على تأثيرها الفاعل في العلاقات الأجتماعية السليمة، معتبرا اياها بمثابة الفسيلة التي تورق وتزدهر ثم تثمر.

وفي هذا السياق ارى انه من المناسب ان اقتبس هذا المقتطف من ادب جماعة اخوان الصفا وخلان الوفا، الذين ظهروا في البصرة عام 334 للهجرة في العصر العباسي لعلاقتها المحورية مع جوهر حديثنا .

ان كمالات النفس خمسة : وهي الصفاء واليقين والطاعة واليقظة والمواظبة
وان نقائض النفس خمسة : الظلمة والشكوك والمعصية والغفلة والهجران
وان مواطن عز النفس خمسة :العادة والهداية والمشاهدة والطاعة والتباعد
وان مواطن ذل النفس خمسة :القطيعة والضلال والحجبة والمعصية والأنعكاس
وان تربية النفس خمسة : الحكمة والمفيد والمهلة واليقظة والعمل
وان بواطن النفس خمسة : الفهم والعلم واليقين والأيمان والمشاهدة
فلذة العقل الفهم ولذة النفس العلم ولذة الفكر
اليقين ولذة القلب الأيمان
وان مراتب النفس خمسة : الدرجة والمكان والبقاء والحركة والصفاء
فدرجتها بالعبودية و مكانها العجز وبقائها بالهداية
وحركتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وصفائها بالعلم الصحيح والعمل الصالح
ان افعال النفس خمسة : وهي التدبير والنية والأعتقاد والقول والعمل
وان التدبير هو مابين صواب وخطأ
والنية هي ما بين طيب وخبيث
والأعتقاد هو ما بين صحة وفساد
والقول هو ما بين صدق وكذب
والعمل هو ما بين خير وشر

ان الحديث عن المدينة الفاضلة مسالة تاريخية ذات مسار طويل، كانت دائما ضمن طموحات الأنسان القديم، ترمي الى تحقيق اهداف نبيلة تتميز في اقامة مجتمع انساني يسوده العدل الأجتماعي ويعمه السلام, كان افلاطون زمن الأغريق رائدها الأول، والأسلام اقام تلك المدينة المقترحة و جعل دعائمها تتمحور حول مكارم الأخلاق, فاذا ما اتصف ساكنيها بالفضائل الأخلاقية الحميدة وشملت مفاصل الحياة اليومية, كالبيع والشراء والأستقرار والترحال وسائر العلاقات المعاشية والأجتماعية تحول ذلك المجتمع تلقائيا الى المدينة الفاضلة.

والجدير بالذكر انه عندما وجد النبي الكريم ان عادات المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة في العام الأول للهجرة قد تحسنت كثيرا وسارت في اتجاه المكارم بفضل احاديثه التهذيبية ونصائحه الخلقية و قد تحرروا من عاداتهم الجاهلية البالية، جمعتهم روح الوئام والتعاون و اصبحوا متآلفين, اخذته موجة الغبطة، خاصة بعد ما شهد تحقيق برامجه الاصلاحي في تحويل الآنسان الخام الى آخر متحضر، اطلق على مجتمع المدينة المنورة مصطلح ( الطيبون ).

والملاحظ ان الصفات الحميدة في المجتمعات البشرية قد جائت ضمن منظومة الدين والأخلاق بغية رفع مستوى الأنسان السلوكي ليصبح في مقدوره بناء الصرح الحضاري المنشود. ان الصفات الاخلاقية العالية كالحق والعدل والخير والصدق والاستقامة وحب الاخرين تنضوي بنحو او بأخر تحت مظلة مكارم الأخلاق. فالمطلوب هو صدق العلاقة بين بني البشر في اوسع مجالاته, فهي تبدأ من احترام الكبير والعطف على الصغير والتسامح مع الأخرين وموأساة المظلومين ومساعدة المحتاجين و الترحم على من في الأرض .

.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here