كيف يتحول البشر من رقم إلى إنسان؟!!

البشر له الخيار في أن يكون رقما أو إنسانا , ولا يلومن إلا نفسه ومجتمعه ومَن معه , فالتحول إلى رقم إرادة فردية وجماعية وكذلك التحول إلى إنسان.
ومن أمثلة التحول إلى أرقام أن يكون البشر رهينة لهذا وذاك من الرموز والمسميات والتصورات , فتجده مرهونا بعمامة ولحية وكرسي وفئة وغيرها من التوصيفات الإستعبادية , التي تجعل البشر رقما على يسار المتحكمين بمصيره , والذين يمحقونه أنى يشاؤون ويجمعونه ويطرحونه ويقسمونه ويضربونه , وفقا لمقتضيات مصالحهم ونوازع نفوسهم وما تكنزه من مطمورات دونية.
فالبشر الذي يتحرك كالروبوت لكلمة عمامة أو رأي مدّعٍ بدين عليه أن يقر بمسؤوليته عن قهره وظلمه , لأنه قد طلّق ذاته بالثلاث وباع نفسه لممتهنيه وقاهريه والمتاجرين به.
ومن سلوك البشر الأرقام الإرتضاء بحياة ذليلة مهينة قاسية , وفقا لما يضخه في وعيه المرهون بهم من أكاذيب وخداعات وأضاليل ووعود بأمنيات لا تتحقق إلا في الموت , وما من أحد يدري بها ويعلم.
فالذين يرتضون العيش محرومين من الماء والكهرباء وأبسط الحاجات , ومقبوض على مصيرهم ببطاقة تموينية يُسرق نصف ما فيها ويتواصلون ويعينون المارقين والفاسدين , ما هم إلا أرقام وتوابع لعمائم وأشخاص يمررون مصالح الآخرين , وما تساءل الواحد منهم كيف يعيش هؤلاء الذين يرتهنون بهم , هل يعرفون معنى الحرمان من الكهرباء في شهر تموز وآب , وهل يعرفون معنى الحاجات؟!
إنهم مترفون متخومون ومترفهون والأرقام من حولهم تتراكض وتصفق لهم وتقدسهم وربما تعبدهم , وتحسب قولهم أمرا وواجبا , فما تقوله هذه اللحية وتلك العمامة يحسب على أنه كلام يستوجب التنفيذ , وأنه لأمر مقدس يوصل الأرقام إلى جنات الخلد والنعيم , التي يصورونها لهم على أنها الهدف والغاية , وما الحياة الدنيا إلا عبث وإمتحان ونقمة وعذاب , وعليهم أن يتعذبوا ويُقهروا لكي ينالوا نعيم الآخرة , وهم أي الذين يستعبدونهم لهم جنات الدنيا والآخرة!!
وعندما نتأمل هذه الصور السلوكية التفاعلية ما بين البشر تتضح حقيقة الوجود الرقمي للناس وإغفالهم لدورهم الإنساني , الذي يوجب عليهم أن يتحقق التفاعل فيما بينهم على أنهم موجودات ذات قيمة كبيرة ودور مهم في صناعة الحياة , وأن العبودية لا تكون إلا لخالقهم العظيم , وأن الجميع سواسية في الحقوق والواجبات , ولا يجوز لأحد أن يعلو على أحد إلا بالجد والإجتهاد والعطاء الإنساني النبيل.
وتجد أمثلة كثيرة على البشر الإنسان في المجتمعات المعاصرة , التي ينال فيها الناس حقوقهم ويعبرون عن تطلعاتهم , ويمنحون الحياة خلاصة ما عندهم من القدرات والطاقات والإبداعات الأصيلة.
كنت بزيارة لفلاح سويسري في مزرعته , وتشعب الحديث بيننا , وعندما سألته عن وجود الدبية ومخاطرها من حوله , قال أنها نادرة وكان قبل أعوام دب إسمه كذا , وعندما قتلته الشرطة حصلت ضجة كبيرة وإستياء لقتل الحيوان , وأضاف , عندها أدركت السلطات المحلية أن منح الدب إسما يتسبب بإثارة المشاعر , ولهذا تقرر منح أي دب يأتي للمنطقة رقما لأن قتل الرقم لا يثير مشاعر الناس!!
تأملت قوله وتداعت أمامي أرقام القتلى يوميا من العرب , التي تتداولها وسائل الإعلام فلا تثير مشاعر المستمعين والمشاهدين , لأنها أرقام مهما زادت أو نقصت فأنها تبقى أرقاما!!
إن تحول البشر إلى إنسان يتطلب إعتزازا بالكرامة وتمسكا بالحقوق والواجيات , والشعور بالمسؤولية والوعي والمعرفة وعدم الخنوع والتبعية والإستسلام لذوي العاهات السلوكية , الذين يزينونها بالدين والعقيدة وغيرها من الخداعات والأضاليل السلوكية.
تحوُّل البشر من رقم إلى إنسان يعني الحرية الكاملة فيما يراه ويعتقده ويتصوره , وأن يحترم غيره ويتفاعل معه بأليات إيجابية تساهم في تنمية الخير والمحبة والقوة والإقتدار التفاعلي والإبداعي.
تحوُّلات البشر من رقم إلى إنسان نراها واضحة في مجتمعات الدنيا المتقدمة , لوجود القوانين التي تصون حقوقه وواجباته وحمايته , ولديه الحق الكامل في المشاركة بتقرير مصيره ولعب دوره في بناء الحياة الحرة الكريمة , بعيدا عن أي ضغط أو تأثير , وفي جميعها لا يمكن للبشر أن يكون مرهونا بشخص مدّعٍ بدين أو يرى أنه يمثل دين.
ويبقى حق الإختيار وتقرير المصير إرادة ذاتية وفردية وجماعية.
فلا تلومن الآخرين لإمتلاكهم لك , ما دمت قد إرتضيت أن تبيع نفسك وتكون رقما تحت رحمة الفاسدين!!
فهل للبشر أن يرتقي إلى مصاف إنسانيته؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here